يعد ملف الصحراء من الأوراق الثابتة التي تعتمدها الدبلوماسية الملكية؛ إذ تعددت تنقلات العاهل المغربي الملك محمد السادس في السنوات القليلة الماضية وتنوعت وجهاتها، إلا أن ملف الصحراء يبقى المحور الثابت في المحادثات التي يجريها ملك البلاد، وما البيانات المشتركة التي تعقب كل زيارة إلا تأكيد على ذلك.
التوجه الملكي نحو دعم ملف القضية الوطنية مع دول ذات وزن على المستوى الدولي بدا واضح المعالم خاصة بعد الخطاب الملكي في الذكرى 15 لعيد العرش سنة 2014، والذي أكد فيه العاهل المغربي الطابع الخاص والمتجدد للعمل الدبلوماسي، “بفضل استقلال وواقعية سياستنا الخارجية”.
المؤسسة الملكية أبانت على انخراطها في دعم ملف الصحراء، بل يمكن اعتباره بوصلة للدبلوماسية الملكية. فمباشرة بعد مقترح الولايات المتحدة الأمريكية بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو في الأقاليم الصحراوية سنة 2013، حل العاهل الملكي بواشنطن. وهي الزيارة التي أثمرت تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن مقترحها، رغم أنها عادت مؤخرا، من جديد، لتطرح مقترح قرار يقضي بتمديد تواجد بعثة المينورسو لعام واحد؛ أي إلى غاية 30 أبريل من العام المقبل، وهو القرار الذي خضع للتصويت من طرف أعضاء مجلس الأمن وتمت المصادقة عليه، رغم عدم رضا المغرب على التصرف الأمريكي.
التنقلات “الجيوسياسية” الأخيرة للملك أبرزت بالواضح رؤية المغرب لتثمين علاقاته الدولية، ودعم قضيته مع دول تمثل أقطابا للتوازن الدولي. ففي أقل من خمسة أشهر، انتقل الملك بين فرنسا وروسيا وبلدان الخليج، وحاليا يتواجد في الصين. وهي الزيارات التي أكدت، في كل البلاغات المشتركة التي تعقبها، الدعم “للطرح الجدي للمملكة المغربية، بخصوص مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية”، رغم أن الموقف الروسي كان نوعا ما مفاجئا خلال التصويت على القرار القاضي بتمديد فترة تواجد المينورسو لسنة واحدة، إذ رفضت موسكو التصويت في الوقت الذي كان المغرب يعول عليها لدعمه بصيغة أكثر وضوحا.
السياسية الخارجية المغربية في العقود الأخيرة شهدت نقلة نوعية تعكس استيعابا للتغيرات الدولية الكبرى من طرف المغرب، بحسب إدريس الكريني، أستاذ العلاقات الدولية، الذي أكد أن المغرب سار على نهج “دبلوماسية اليوم”، والتي لم تعد مرتبطة بنسج علاقات تقليدية بين البلدان، بل تعميقها من خلال تشبيك العلاقات وتقاربها على مستويات عدة بين المغرب وباقي دول العالم، خاصة على المستويين الاقتصادي والأمني.
ولعل من بين أبرز تجليات “دبلوماسية اليوم”، بحسب الخبير في العلاقات الدولية، السعي إلى توفير الأجواء التي تدعم القضية الصحراوية بصيغة استباقية ومستدامة؛ “أي إن المغرب يسعى إلى تثمين علاقاته بلغة العصر”، كما هو الشأن من خلال توقيع اتفاقيات أو عدم فرض تأشيرة الدخول للمغرب على بعض البلدان، “ما يجعل اتخاذ قرارات لصالح القضية الوطنية من طرف هذه البلدان أمرا طبيعيا وبديهيا”.
الكريني استرسل خلال حديثه لهسبريس معتبرا أن السياسة الخارجية المغربية تجاوزت تلك السياسية التي ظلت رهينة القضية الترابية، موضحا أن “قضية الوحدة الترابية كانت تحدد خريطة السياسية الخارجية للمغرب وليس العكس؛ إذ كانت القضية الصحراوية حاضرة في كل سلوك مغربي، وهذا كان مكلفا في بعض الأحيان”.
مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات أضاف أنه يبدو أن السياسية الخارجية المغربية أصبحت أكثر انفتاحا وأكثر براغماتية، لأنها تخدم قضية الوحدة التربية بشكل استباقي ومستدام ينبني على تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع مختلف القوى، “حتى ولو كانت مواقف بعضها غير واضحة، كما هو الحال بالنسبة للصين الآن، والتي لم تبد أي موقف. ولكن عندما نستحضر سياستها، نعرف أن للصين موقفا صارما من مسألة وحدة الدول والانفصال، خاصة وأنها تعيش الوضع نفسه”، يوضح الكريني.