شطاري-متابعة:
في تطور قضائي مثير بالجزائر، تقدّم وزير العدل الأسبق الطيب لوح، أحد أبرز وجوه عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بطلب رسمي لمحاكمته خلف أبواب مغلقة، مبررا قراره بوجود “معطيات حساسة” لا يمكن كشفها للعلن، في خطوة ألقت بظلالها على الجلسة وأعادت إلى الواجهة أسئلة محرجة حول طبيعة الأسرار التي قد يحملها الرجل الذي كان يوما على رأس جهاز العدالة.
الهيئة القضائية قررت في ختام الجلسة تأجيل المحاكمة إلى الثاني من شتنبر المقبل، فيما تواصلت التساؤلات حول طبيعة المعلومات التي تحدث عنها لوح، خاصة وأن ملفه يتصل بتهم ثقيلة تشمل “الإثراء غير المشروع” و”التصريح الكاذب بالممتلكات”، وهي تهم سبق أن أدين بسببها ابتدائيا بأربع سنوات سجنا نافذا.
الطيب لوح، الذي شغل حقيبة العدل بين عامي 2013 و2019، يواجه اليوم سلسلة من القضايا التي جرّت عليه إدانات متعددة، من بينها حكم بثلاث سنوات سجنا بتهمة “إعاقة السير الحسن للعدالة”، وآخر بعامين حبساً في قضية تورط فيها مع رجل الأعمال طارق كونيناف، حيث أن هذه الأحكام، إلى جانب المتابعة الجديدة، تجعله من أبرز رموز عهد بوتفليقة الذين تحولوا من مواقع النفوذ إلى قفص الاتهام.
القضية تأتي في سياق أوسع لحملة قضائية مستمرة منذ 2019، استهدفت عددا من كبار المسؤولين ورجال الأعمال المقربين من السلطة السابقة، على غرار أحمد أويحيى وعبد المالك سلال وعلي حداد، غير أن خصوصية ملف لوح تكمن في موقعه السابق كوزير للعدل، أي الرجل الذي كان على رأس الجهاز القضائي نفسه، وهو ما يمنحه صفة “الصندوق الأسود” المحتمل لكيفية إدارة العدالة وتوظيفها خلال تلك المرحلة.
وخلف هذا المشهد القضائي، تطرح القضية أسئلة أعمق حول طريقة تعاطي النظام الحالي بالجزائر مع ملف المحاسبة، فبينما تسوّق هذه المحاكمات باعتبارها دليلا على جدية الدولة في محاربة الفساد، فإنها تبدو في نظر كثيرين محاكمات انتقائية تُحرك ضد أسماء محددة، فيما تظل شبكات النفوذ الحقيقية بعيدة عن المساءلة.
ويؤكد نشطاء جزائريون معارضون أن استمرار استخدام القضاء كأداة لتصفية الحسابات السياسية يعكس استمرار نفس الممارسات التي كانت سائدة في عهد النظام السابق، معتبرين أن تلويح الطيب لوح بالكشف عن أسرار حساسة ليس مجرد حدث قضائي فردي، بل مؤشر على هشاشة الخطاب الرسمي الذي يرفع شعارات “القطع مع الماضي”، في حين تظل السلطة تدير الشأن العام بنفس الآليات القديمة، من سرية وانتقائية، وسيطرة على العدالة.