د.محمد سالم بداد:
كان الانطباع المعوج والمشوه السائد في القديم حول الأوضاع الاجتماعية في الصحراء حبيس نخبة العوام، التي يتم تلقينها وحشوها بالمعلومات والمعطيات، عن طريق الإذاعة والقناة الأولى، و بعض الصحف التي كانت تصدر هي الاخرى من مطابع وزارة الداخلية ودار لبربهي سابقا.
لكن يبدو أن عدوى الاعوجاج تتسلق في كل يوم سُلَمَا، لتصل إلى صناعة القرار محليا فوطنيا، بل أصبح تأثيرها عابرا للحدود، فها نحن اليوم نسمع نفس الخطاب ومن أين؟ من تل أبيب…!!!!
لا تستغربوا فنحن اليوم نعاني من البلاذة السياسية تخطيطا وخطابا، ممارسة وتنفيذا، تقييما وتقويما.
لنحلل في كل مستوى أهداف هذا الاعوجاج والمسؤوليين عنه وماذا يستفيدون؟ و من هم المتلقون؟ وإلى أين نحن وهم سائرون؟
وجود الاعوجاج في المستوى الأول أي العوام قد يكون مقبولا إلى حد ما، فهم معذورون تنقسهم المعطيات، ويتعرضون لرياح صرصرٍ عاتية، مُرسلةٍ عليهم مُسومَة، ترميهم بكتلٍ من المفاهيم المتحجرة، حتى صارت عقولهم كعصف ماكول، فأصبحوا غير قادرين حتى إلى النظر لما يُحشَونَ به حشوا، ناهيك أن يتأملوه أو يتدبروه.
لكن في المقابل كان صناع القرار في هذا المستوى واعيين بالوضع الحقيقي، و يدبرون برامجهم التنموية على أساس منطق الولاء والخيانة حسب مفهومهم، ولهم فيها مأرب أخرى من قبيل التغيير الديمغرافي، إعادة إنتاج مجتمع، صناعة نخب جديدة.
كما يعرفون أن الخطاب موجه للاستهلاك فقط، ويعوون الحقيقة جيدا، لكن ترتيب الأولويات له بكل تأكيد الكلمة العليا واليد الطولى في ترسيخ هذا الخطاب للعوام، والتذبذب في الممارسة حسب الأوضاع، و نتيجة لتأثيرات قضية الصحراء ميدانيا ودوليا.
تتغير المعطيات بتَغَيُر الفاعلين، وبالتي تتغير الاولويات، لكن هذه المرة على مستويات وأصعدة مختلفة، هنا نتحدث عن المستوى الثاني في الاعوجاج محليا ووطنيا.
كنا في المستوى الأول نجد اعوجاج الخطاب مُوجَهًا للعوام ، مع معرفة صناع القرار بحقيقة الخطاب كما أسلفنا، لكن في المستوى الثاني نجد فهما آخر معوجا ومشوها، هذه المرة على مستوى صناعة القرار، الدليل على ذلك تطابق الخطاب والممارسة مركزيا ومحليا وشعبويا.
فأصبحنا أمام خطاب وممارسة تدعوا إلى إهمال العنصر الصحراوي، وأنه أصبح جد مكلف، وأن الصحراويين يعيشون في بحبوحة ونعيم منقطع النظير، على حساب معاناة وآهات أشقاءهم وإخوانهم من سكان شمال المغرب.
يعمل العديد من الوسطاء والمحتكرين لصناعة القرار محليا ومركزيا على ترسيخ هذا الخطاب، وإقناع الدولة بإعادة بناء سياساتها العمومية على هذه المُسَلمَة، التي لا وجود لها إلا في عقول من ابتكروها، ليس خدمة للدولة، و لا سعيا لترشيد نفقاتها، ولا حبا ولا رغبة في تغيير واقع سكان الشمال نحو الأفضل.
بل فقط تعزيزا لنفوذ أصحابها، وزيادةً في حجم استثماراتهم. فهم يعتبرون الجهات والمناطق سوقا حيثما قل العرض وكثر الطلب، زاد هامش الربح وتعزز نفوذ الاحتكار.
” الصحراويين لم يعودوا الورقة الأهم، لقد أصبحوا ورقة خاسرة، في جميع الأحوال هؤلاء ليسوا سوى انفصاليين إلى أن يثبت العكس، ضَيقُوا عليهم الخناق، حاصروهم، لا تثقوا فيهم، اعتزلوهم في شعاب المغرب والجزائر،….
لا تخافوا!!! لن يخرجوا من هذا الحصار أقوى ، فليسوا كبني هاشم، وليس فيهم رجل كمحمد رسول الاسلام. لكن بإمكانكم البحث عن أبي لهب فيهم وبذلك فقط ستبقى مكة لكم والمدينة لبني قريضة….”
من هنا تطابقت الارادات واتحدت المصالح، واستوردنا منهج أبناء عمومتنا من ذرية يعقوب بن إسحاق، في التفرقة الاجتماعية و صنع التحكم عن طريق تفقير المتمردين، وترسيخ الايمان بالخطاب المُعوَج على جميع المستويات قمةً وقاعدة.
ظهر لنا من هذا المنطلق المستوى الثالث وهو الخارج ، الذي أصبح المستفيد الأكبر مما سبق، فهو يُقدم تصورا بأنه هو من بيده عصى سيدنا موسى،وهو المخلص، ليس على مستوى قضية الصحراء فقط، بل حتى على مستوى السياسات الاقتصادية والاجتماعية ليس في المغرب فقط، بل لدى جميع الأنظمة العربية والإسلامية والأفريقية.
لقد اصبح الجميع تحت رحمة الابتزاز السياسي والاقتصادي، فبدل أن يتم الوقوف على الاختلالات من خلال تقويم الخطاب، وتشريح الواقع بشكل سليم، لتتم إعادة إنتاج سياسات عمومية من الواقع المعيشي وإنصاف الصحراويين وسكان شمال المملكة، كلٌ حسب وضعيته الحقيقية، وتأثيره الفعلي على حجم الاستقرار والنمو والتنمية.
نجد العكس تماما هو ما يُرَوَجُ له، وذلك عبر شيطنة الصحراويين، ليس محليا ووطنيا فقط، بل خارجيا أيضا.
فبعد استفادة القوى العظمى من التنازلات المغربية لكسب مواقف آنية وظرفية بخصوص الصحراء، وبعد ابتزاز المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية واستفادتها من منح وعطايا، مأخوذة من مقدرات دافعي الضرائب المغاربة والثروات الصحراوية، ها نحن اليوم أمام مسلسل فتح القنصليات ودعم مشاريع الأشقاء الأفارقة، وخلق فرص شغل في جنة الصحراء.
والأدهى والأمر هو أن يخرج علينا السيد كوهين هذا ليعيد نفس الاسطوانة المشروخة حول واقع التنمية في الصحراء وأوضاع أهلها.
ربما قد يكون من الأجدى أن نخاطب السيد كوهين مباشرة بلغة يفهمها جيدا، عله يقنع من بالداخل أن الخير كله من الصحراء والشر كله منها. فهو يفهم لغة العقيدة والقرآن جيدا.
أخبرهم أنه يوجد في شعاب المغرب والجزائر أبناء علي وأبي طالب والعباس و حمزة، كما يوجد فيه من ذرية عبد مناف وتيم ومخزوم وخزاعة وباقي بطون قريش من يفك الحصار، و أن في المدينة من ذرية الأوس والخزرج أنصار من يستطيع طرد بني قريضة من جزيرة العرب.
فلا شأن لك بنا ولا بخلافنا و لا اختلافاتنا، فأهل مكة أدرى بشعابها، فلا أهل الشمال استنجدوا بك، ولا نحن بمفقورين بدعوتك.
و لعل أفضل رسالة توجه لك هي قول أمية بني أبي سفيان لقيصر الروم، عندما عرض عليه العون على علي كرم الله وجهه:
“من معاوية لهرقل: أخان وتشاجرا فما بالك تدخل فيما بينهما!
إن لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك، وآخره عندي يأتونني برأسك أُقدِّمه لعلي”
أما لدعاة خطاب السيد كوهن من الداخل فلن نقول لهم سوى إحذروا أن تكونوا ممن قال فيهم الحق سبحانه وتعالى:
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (سورة الْكَهْفِ: 18/103-104)