سعيد زريبيع:
تذكرني “مابعد” هذه، بخطاب حسن نصرالله يوم هدد بضرب “مابعد بعد حيفا”؛ وأجدني مضطرا هنا إلى ربط الأولى بالثانية، فمن اعتقد أن تداعيات الانتخابات الأخيرة ولت ، وأنها مجرد أيام ماضية إلى رجعة بعد سنين فهو واهم.
لن أدخل هنا في تفاصيل ما وقع، وكيف وقع؛ وسأكتفي بالنتيجة المعلنة التي أحرقت المصباح وهشمته، ولم تكتف بإطفائه فقط.
على كاهل أخنوش اليوم حملا ثقيلا تنوء به الجبال، ولن يكون الطريق لكسب الرهانات المعلقة عليه مفروشا بالورود؛ ببساطة لأن قدرة الفاعل أقوى منها انتظارات الشارع، إذا ما أراد حقا تفعيل برنامجه الانتخابي حرفا حرفا..
فمآل العدالة والتنمية عكسته في صورة طفل صغير هرب وصمت؛ بعد تلقيه ضربا مبرحا من شخص يفوقه عمرا وقوة .. قد يختفي الصغير نهائيا، وقد يعود حاملا حجارة بين يديه مصحوبا بإخوته..
الفرضية الأخيرة لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفالها، لذا فهي لصيقة بما قد تحققه حكومة ابن سوس في ظرف أشهر فقط، لأن الشعب لم يعد ينتظر مزيدا من السنوات.
حزب العدالة والتنمية أخذ حقه وزيادة؛ عشر سنوات في سدة الحكم، دون أن يستفيد من ذلك، زادوا الغني غنى والفقير تفقيرا؛ إلا من عمل البعض الذي لا يمكن أن ينكره إلا جاحد أو منافق..
لكننا نتحدث في المجمل، فهذا السقوط المدوي للحزب لم يكن لولا ضعف بصيرة مسيريه، الذين أتيحت لهم الفرصة ما مرة ليمثلوا الشعب تمثيلا..
لقد أعطيت لهم فرصة تاريخية لمحو جميع الأحزاب من الوجود، وليظلوا لسان حال الشعب والدولة معا، لكنهم لم يدركوا النعمة التي بين أيديهم إلا بعد فوات الأوان، في وقت تم إجهاض جميع تجارب “الإسلاميين” بدول عربية قريبة جدا، في وقت وجيز جدا..
لا تقل لي أنهم حوربوا وغير ذلك من الكلام الناعم الذي يدغدغ المشاعر، كان بإمكانهم أن ينسحبوا في صمت؛ فلا عفاريت ولا تماسيح لبنكيران غير إخوته..
الفرصة التي أتيحت للعدالة والتنمية ولم يستثمرها هي نفسها التي أتيحت اليوم للأحرار، وإن تباينت ظروف ذلك..
على أخنوش اليوم، ومن يقف وراءه أن يعجلوا بما يرضي الشعب، أن يفوا بما عاهدوا وذلك أضعف الإيمان، حتى لا يتكرر السيناريو نفسه الذي عشناه مرغمين عشر سنوات من الانتظار..
نأتي إلى الصحراء، حيث نحن..
تداعيات ما سبق لها تأثيرها وإن بنسب ضئيلة إذا ما تحدثنا عن كبرى حواضر الصحراء وجهاتها “العيون الساقية الحمراء”، وانعكاس ذلك لا محالة على التحالف الحكومي المعلن عنه إلى حد الآن، والذي يعطي لحزب الاستقلال مكانة كبرى، رغم أن رجاله هنا ضربوا كل المعادلات المتعلقة بالأغلبية والمعارضة عرض الحائط، فهم يشتغلون ليل نهار في تنمية المنطقة دون أن يولوا اهتماما لما يقع في مركز الرباط من تطاحنات.
لقد أصبح في العيون مركز ثان، شكل من خلاله أهل الرشيد رقما صعبا في المعادلة السياسية المغربية، وكل ناكر لذلك لا يفقه في السياسة شيئا.
على رجال العيون اليوم، أن يفوا فقط بوعودهم للانتخابات الأخيرة، فالعيون عمرانيا وتنمويا وصلت إلى حدها الأقصى مقارنة بباقي مدن الجنوب..
على رجال العيون “وعنيگرتهم” ‘حمدي ولد الرشيد’ صادق الوعد والعهد؛ أن يلتفت بشكل أكبر إلى الواقع المعيشي للساكنة، أن يعمل على خلق فرص للشغل، أن يوفر سكنا للمعوزين كما وعد، أن يواصل ضغطه على الوزارات وممثليها لتحسين الأوضاع، أن يقترب أكثر من جيوب فارغة إلا من الكرامة وعزة النفس..
هذا هو التحدي الحقيقي، وقد أينع قطافه..