محمد فوزي
على اثر التدابير الاحترازية المتخذة من طرف السلطة الحكومية في إطار الحماية من تفشي وباء كورونا المستجد – كوفيد 19 – ، وخاصة تلك المرتبطة بفرض الإدلاء بجواز التلقيح لولوج الإدارات العمومية وعدد من المرافق الأخرى، فقد تباينت ردود الفعل بين مرحب ورافض، واستند كل من الفريقين على مرجعيات مختلفة.
فهناك من ينطلق من دافع المصلحة العامة، وضرورة بلوغ درجة المناعة الجماعية لتعود الحياة إلى سابق عهدها، وتحصينا للبلاد من انتكاسة جديدة قد تكون لها نتائج سيئة على البلاد والعباد.
وهناك من يرى الموضوع من زاوية حقوقية، تطرح مسألة احترام الحريات الشخصية، والحقوق التي تكفلها مختلف المواثيق الدولية والقوانين الوطنية للأفراد. كما تطرح مسألة شرعية وقانونية هذا الإجراء في ظل أحكام الدستور المغربي والقوانين المعمول بها في البلاد.
ومساهمة منا في إثراء النقاش حول هذا الموضوع، ولتسليط الضوء على بعض جوانبه، كمحاولة قابلة لكل انتقاد أو اغناء، فإننا نشير إلى أن المواثيق الدولية ذات الصلة، تنبني على ثنائية الحق والواجب، لضمان عيش مشترك، يتمتع فيه الفرد وتتمتع فيه الجماعة التي ينتمي إليها على حد سواء، بظروف وشروط العيش الكريم من جهة، ومتطلبات البقاء والاستدامة من جهة أخرى. وبناء عليه تشكلت المرجعيات القانونية للدول من دساتير باعتبارها الأصل، وما انبثق منها أو ارتبط بها من قوانين أخرى.
ويقاس تقدم الأمم وتحضرها بمدى احترامها لما تسنه وتعتمده في هذا الشأن، واسندت للسلطات الحكومية حق فرض احترام هذه القوانين واعمالها.
لكن هذا القياس يتم في الحالات العادية والطبيعية التي لا تكون فيها الدول تحت طائلة أي ظرف استثنائي. والحال أن ما عاشه العالم في ظل انتشار جائحة كورونا تطلب تدخلات استثنائية اتجهت في غالبيتها إلى التقليص من الحريات الفردية في سبيل توفير الحماية الجماعية، وهو نهج لم يحد عنه المغرب، خاصة بعد استفحال انتشار الوباء به، وارتفاع عدد الوفيات والحالات الحرجة، وتزايد الضغط على البنيات الاستقبالية للمصابين. ناهيك عن تفاقم التأثيرات السلبية على الاقتصاد والخدمات.
وتبعا لذلك تم سن قوانين استثنائية تتأسس على القوانين العامة وتتماشى مع متطلبات المرحلة، وتسعى لاسترجاع التوازن، عبر التحكم التدريجي في انتشار الوباء، وبالتالي التقليص من آثاره السلبية.
وفي هذا الإطار تم إصدار مرسوم بقانون رقم: 2.20.292 بتاريخ: 28 رجب 1441 ( 23 مارس 2020)، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد: 6867 مكرر – بتاريخ: 29 رجب 1441 ( 24 مارس 2020 )، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية واجراءات الإعلان عنها، والذي ينبني على الفصول 21 و24 ( الفقرة 4 ) و 81 من الدستور، وعلى اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وباتفاق مع اللجنتين المعنيتين بالأمر في مجلس النواب ومجلس المستشارين.
وورد بالمادة الأولى من هذا المرسوم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر، أو بمجموع ارجاء التراب الوطني عند الاقتضاء، كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار امراض معدية أو وبائية، واقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالبة لحمايتهم من هذه الأمراض، والحد من انتشارها، تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها.
وورد بالمادة الثالثة انه على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومةخلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحلول دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم.
وورد بالمادة الرابعة من نفس المرسوم أنه يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية، التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة الثالثة. كما تم تحديد العقوبات بشأن مخالفة أحكام هذا المرسوم.
واعتبارا لاستمرارية الحالة الوبائية، عملت الحكومة على إصدار مراسيم تمديد، كان آخرها مرسوم رقم: 2.21.643 بتاريخ: 16 محرم 1443 ( 25 اغسطس 2021 )، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد: 7017 بتاريخ: 21 محرم 1443 ( 30 أغسطس 2021 )، بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر ارجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19 -، والذي ورد بمادته الأولى أنه، وتطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم: 2.20.92 ، تمدد من يوم السبت 10 يوليو 2021 في الساعة السادسة مساء إلى غاية يوم الأحد 31 أكتوبر 2021 في الساعة السادسة مساء، حالة الطوارئ الصحية بسائر ارجاء التراب الوطني.
وعليه، واعتبارا لما سلف، فإن التدابير موضوع النقاش حول قرار الحكومة إلزامية الإدلاء بجواز التلقيح لولوج الإدارات والأماكن العامة، تستند إلى هذه المرجعيات القانونية، والتي تجعل من الحماية الجماعية أولا، ومن الوقاية من عودة تفشي الوباء ثانيا، غايتها ومنتهاها، خاصة بعد تسجيل تراجع مهم في عدد الإصابات، وبداية انفراج قي الحياة العامة، وانتعاش في الاقتصاد، والذي رافقه التخفيف المستمر والتدريجي في التدابير الاحترازية. كما تتأطر أيضا ضمن ثنائية وجدلية الحق والواجب؛ حق التمتع بالحرية الشخصية لكن ضمن واجب الحفاظ على صحة وسلامة الآخرين، في احترام لمتطلبات العيش الجماعي المشترك، وللقوانين الجاري بها العمل.