شطاري-متابعة:
توصَّلَ الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أمس الخميس، برسالة خطية من نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي لم يتم الكشف عن مضمونها من طرف وسائل إعلام البلدين، إلا أن الثابت أنها تأتي في ظرفية غير عادية، يطبعها التقارب الملحوظ بين الرباط ونواكشوط، الذي وصل إلى مستوى الاتفاق على مشاريع استراتيجية تشمل أراضي الأقاليم الصحراوية، جنوب المغرب.
وقالت الرئاسة الجزائرية إن الرئيس تبون استقبل اليوم المبعوث الخاص للرئيس الموريتاني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، محمد سالم ولد مرزوك، حاملا إليه رسالة من الرئيس ولد الشيخ الغزواني، وحضر اللقاء كل من بوعلام بوعلام مدير ديوان رئاسة الجمهورية، وأحمد عطاف وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية.
تكتُّم على مضمون الرسالة
لم يرشح الكثير، إلى الآن، حول مضمون الرسالة، إلا أن وزير الخارجية الموريتاني، قال في تصريح أعقب اجتماعه بتبون، إن الرسالة تدخل في إطار “التشاور الدائم بين البلدين حول القضايا الثنائية والتعاون الثنائي أساسا، الذي عرف قفزة متميزة خلال السنوات الأخيرة، وكذلك التشاور حول القضايا التي تهم الأمة العربية والإسلامية، خاصة في ظل الوضع الحالي، وتطورات العلاقات الدولية التي عرفت في السنوات الأخيرة، وحتى في الأيام الأخيرة، بعض التوترات التي تهم البلدين”.
وأورد ولد مرزوك أن “الرئيس ركز على أهمية التشاور بين البلدين الشقيقين، اللذان تربطهما علاقات ضاربة في عمق التاريخ ولها جذور جغرافية وحضارية، وحتى علاقات دم”، مبرزا أنه قدم الشكر لتبون على زيارته الأخيرة لموريتانيا، وحضوره المؤتمر القاري الإفريقي حول الشباب والتربية والتشغيل، والذي كان مهما”، خالصًا إلى حِرص الرئيس ولد الشيخ الغزواني على “تعميق التعاون الثنائي بين البلدين”.
الزيارة التي تحدث عنها ولد مرزوك، هي تلك التي قام بها الرئيس تبون إلى نواكشوط في 9 دجنبر 2024، وهي الأولى من نوعها لرئيسٍ جزائري إلى موريتانيا منذ 37 عاما، إلا أن الملاحظ أن المؤتمر لم يكن بالحجم الذي يستدعي تنقل رئيس دولةٍ لحضوره، لذلك، فإن العديد من القراءات أشارت إلى كون الأمر يتعلق بأغراض أخرى.
تقارب بين الرباط ونواكشوط
ارتباطا بزيارة تبون إلى نواكشوط، التي التقى خلالها بالرئيس ولد الشيخ الغزواني، فإن هذا الأخير لم ينتظر سوى 9 أيام بعدها قبل أن يشد الرحال إلى العاصمة المغربية الرباط في إطار “زيارة خاصة”، قالت وسائل إعلام موريتانية إن الغرض منها هو زيارة زوجته التي أجرت عملية جراحية بإحدى المستشفيات المغربية، لكن في اليوم الثالث من الزيارة كان قد انتقل إلى الدار البيضاء للاجتماع بالملك محمد السادس في القصر الملكي.
ووفق ما جاء في بلاغ الديوان الملكي الذي تلا لقاء قائدي البلدين،فإن العاهل المغربي والرئيس الموريتاني، “ثمنا التطور الإيجابي الذي تعرفه الشراكة المغربية الموريتانية في جميع المجالات”، كما أكدا “حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين”، إلى جانب “تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي”.
هذه الفقرة الأخيرة تمثل، عمليا، تحولا نوعيا في الموقف الموريتاني من قضية الصحراء، فانخراطها في المبادرتين يعني إقرارا ضمنيا بالحدود البرية مع المغرب، على الرغم من أن نواكشوط لم تُعلن التراجع عن اعترفها بـ”البوليساريو” أو تجميده، إلا أنها أيضا تتبنى موقف “الحياد الإيجابي”، على حد تعبير الرئيس ولد الشيخ الغزواني في حوار مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، بتاريخ 30 شتنبر 2023
والظاهر، أن الجزائر بدأت تستشعر تغير الموقف الموريتاني منذ أشهر، فرسالة ولد الشيخ الغزواني الخطية إلى تبون سبقتها رسالة أخرى في الاتجاه المعاكس، منتصف شهر أكتوبر 2024، إلا أن من تولى نقلها لم يكن شخصية مدنية على غرار وزير خارجية نواكشوط، وإما رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، وحينها أيضا لم يتم الكشف عن مضمون رسالة، والتي بعثها تبون ليس باعتبارها رئيسا للجمهورية فقط، بل أيضا “وزيرا للدفاع”.
مشاريع في قلب الصحراء
منذ أشهر بدأت تلوح في الأفق العيد من المصالح المشتركة بين الرباط ونواكشوط، بشكل يتجاوز المصالح الجزائرية في المنطقة، فموريتانيا التي رفضت أن تكون طرفا في مبادرة تبون لإنشاء “اتحاد مغاربي بديل” يستثني المغرب،، عك تونس وليبيا، أظهرت “براغماتية” متزايدة في الانفتاح على مشاريع مستقبلية قد غير الوجه الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة.
ومباشرة بعد لقائهما في الدار البيضاء، سافر كل من الرئيس الموريتاني ثم العاهل المغربي إلى أبو ظبي، وحينها رشحت معطيات عن لقائهما برئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، دون الكشف عن ما إذا كان ذلك بشكل ثنائي منفصل أم في اجتماع ثلاثي، وحينها تحدثت وسائل إعلام موريتانية عن طرح مشروع تطوير الساحل الواجهة الساحلية الأطلسية من الداخلة إلى نواكشوط.
وإن كان هذا المشروع “مسكوتا عنه” من الناحية الرسمية، فإن الأمر غير ذلك بالنسبة لمذكرة التفاهم لتطوير الشراكة في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة، التي وقعتها بالرباط وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، مع وزير الطاقة والنفط الموريتاني، محمد ولد خالد، في 23 يناير الماضي، والاتفاقية التي تم توقيعها بنواكشوط بين المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، طارق همان، والمدير العام للشركة الموريتانية للكهرباء سيدي سالم محمد العابد، من أجل تنفيذ الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا، في 4 فبراير الجاري.
هذا الأمر يعني أن المغرب موريتانيا سيصبحان مرتبطين بشكل مباشر بمشاريع طاقية كبيرة، دون الأخذ بعين الاعتبار مطامع الجزائر وجبهة “البوليساريو” في الصحراء، وهو الأمر نفسه الذي ينسحب على مشروع الطريق البري الثاني ما بين المغرب وموريتانيا،الذي انطلقت أشغاله على مستوى مدينة السمارة على طول 53 كيلومترا نحو الحدود الموريتانية، ما يشي بأن البلدين يُعدان العدة لإنشاء معبر جديد بينهما بعد معبر الكركارات.