شطاري-متابعة:
تقوم رشيدة داتي، وزيرة الثقافة الفرنسية، بزيارة رسمية إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة يومي 17 و18 فبراير الجاري، في إطار تعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا، حيث ستشرف رفقة وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، على افتتاح المركز الثقافي الفرنسي بمدينة العيون.
وتكتسي هذه الزيارة أهمية خاصة، ليس فقط من الناحية الثقافية، ولكن أيضًا من حيث البعد الدبلوماسي، بالنظر إلى السياق العام الذي تمر به العلاقات المغربية الفرنسية، والتي شهدت تقلبات في السنوات الأخيرة قبل أن تعود إلى مسار الانفراج التدريجي، عقب الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء.
وحسب برنامج الزيارة، فإن المسؤولة الحكومية الفرنسية ستحل بكل من طرفاية، العيون، الداخلة، والرباط، في خطوة لا تأتي في فراغ، بل تحمل رسائل سياسية وثقافية واضحة تعكس رغبة فرنسا في إعادة التموضع داخل المشهد الثقافي المغربي، وترسيخ موقفها إزاء ملف الصحراء، في ظل المنافسة المتزايدة من قوى دولية أخرى مثل إسبانيا والصين والولايات المتحدة، التي عززت حضورها أيضا في المملكة، وفي الاقاليم الجنوبية عبر مشاريع ثقافية وتنموية.
وتبدأ الزيارة من مدينة طرفاية، المحطة الأولى التي تنطوي على رمزية خاصة، لارتباطها بالتاريخ الفرنسي، إذ تُعدّ المدينة نقطة عبور بارزة في مسيرة الكاتب الفرنسي الشهير أنطوان دو سانت إكزوبيري، صاحب “الأمير الصغير”، كما، ستزور داتي معلمة “كازامار” ومتحف سانت إكزوبيري، وهي خطوة تتجاوز البعد الثقافي نحو تأكيد الارتباط التاريخي المشترك بين المغرب وفرنسا.
بعدها، ستتوجه الوزيرة إلى مدينة العيون، حيث ستعطي إشارة انطلاق “التحالف الفرنسي”، وهو المركز الثقافي الفرنسي الجديد بمكتبة محمد السادس، وهذا الحدث يحمل أبعادًا جيوسياسية مهمة، إذ يمثل تعزيزًا للحضور الفرنسي في الأقاليم الجنوبية، في وقت يشهد الملف الصحراوي تحولات استراتيجية، خاصة مع الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء، وفتح دول عديدة لقنصلياتها في العيون والداخلة، ويمكن فهم هذا المشروع على أنه رسالة دعم فرنسية جديدة لمقاربة المغرب التنموية في المنطقة.
وفي مساء نفس اليوم، تصل داتي إلى مدينة الداخلة، حيث ستشرف على افتتاح ملحقة المعهد العالي لمهن السينما، وهو مشروع يعكس رؤية المغرب في تحويل الداخلة إلى قطب ثقافي وسينمائي عالمي، وهذا التوجه يأتي ضمن استراتيجية أوسع لترويج الأقاليم الجنوبية كوجهة اقتصادية وسياحية وثقافية، ويعزز أيضًا استقطاب الإنتاجات السينمائية العالمية، ما يمكن أن يكون فرصة لفرنسا لتعزيز التعاون في هذا المجال، خاصة أن المغرب بات يُعتبر منافسًا قوياً في استقطاب الإنتاجات السينمائية الهوليوودية.
في اليوم الثاني، تنتقل داتي إلى العاصمة الرباط، حيث ستبدأ يومها بزيارة للجامعة الدولية بالرباط، لمناقشة قطاع الألعاب الإلكترونية، واختيار هذا القطاع تحديدًا ليس اعتباطيًا، فهو يعكس تحولًا في الأولويات الثقافية والاقتصادية، حيث تسعى فرنسا إلى استثمار حضورها في المجالات التكنولوجية والإبداعية المتنامية، خاصة أن المغرب بدأ يشهد نهضة رقمية متزايدة.
كما ستعقد وزيرة الثقافة الفرنسية، اجتماعًا ثنائيًا موسعًا مع نظيرها المغربي محمد المهدي بنسعيد بمقر وزارة الثقافة، لمناقشة سبل تعزيز التعاون الثقافي، وهو الاجتماع الذي يكتسي أهمية خاصة، لأنه يهدف إلى إعادة صياغة أسس التعاون الثقافي بما يتماشى مع الديناميات الجديدة. التي تشهدها العلاقات الثنائية.
وسيتم توقيع اتفاقيات تعاون ثقافي بين البلدين، تشمل مشاريع مشتركة في مجالات الفنون، السينما، التكوين الثقافي، والصناعات الإبداعية، هذه الاتفاقيات تمثل محاولة لإعادة التوازن للعلاقات الثقافية بين المغرب وفرنسا، في وقت بدأت المملكة تتجه نحو تنويع شراكاتها الثقافية بعيدًا عن الهيمنة التقليدية للثقافة الفرنكوفونية، من خلال تعزيز التعاون مع إسبانيا، الولايات المتحدة، والصين.
وفي ختام الزيارة، يعقد الوزيران لقاءً صحفيًا مشتركًا مع وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، حيث سيتم تقديم تفاصيل الاتفاقيات الموقعة، وتسليط الضوء على تطلعات المرحلة القادمة، ومن المتوقع أن يتطرق هذا اللقاء إلى رؤية فرنسا لدورها الثقافي في المغرب، وموقفها من التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة، سواء في المجال الثقافي أو السياسي.
وتحمل زيارة رشيدة داتي أبعادًا دبلوماسية عميقة، فهي تأتي في لحظة تشهد فيها العلاقات المغربية الفرنسية محاولات لإعادة البناء بعد سنوات من البرود، وتدل على أن باريس تسعى إلى إعادة ترميم نفوذها الثقافي في المغرب، خصوصًا بعد أن أظهرت الرباط استعدادها لتنويع شراكاتها خارج الفضاء الفرنكوفوني التقليدي، فيما اختيار الأقاليم الجنوبية كمحور أساسي للزيارة يعكس إدراك فرنسا لأهمية هذا الملف في السياسة الخارجية المغربية، ورغبتها في عدم البقاء على هامش التحولات التي يشهدها، خاصة بعد التقارب المغربي الإسباني والأمريكي في هذا السياق.