um6p
بين الحكمة والمستقبل: تأملات في خطاب العرش

بين الحكمة والمستقبل: تأملات في خطاب العرش

شطاري خاصمنذ 18 ساعةآخر تحديث : الثلاثاء 29 يوليو 2025 - 11:44 مساءً

شطاري-متابعة:

في لحظة لا تقتصر على الطقوس، بل تتجاوزها إلى عمق الزمن الوطني، أطل صاحب الجلالة الملك محمد السادس على شعبه بخطاب بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لجلوسه على العرش، خطاب لا يقرأ كبيان سياسي فقط، بل كمرافعة وجدانية وفكرية تعيد تأطير العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين التقدم والعدالة، وبين الواقع والمأمول.

العرش كرمز للعهد المتجدد

منذ مستهل كلمته، ينطلق الخطاب من وعي عميق بأن العرش المغربي ليس مؤسسة جامدة، بل رمز حيٌ لعهد متجدد، مبني على التلاحم الشعبي والشرعية الأخلاقية والسياسية.
فالعلاقة بين الملك وشعبه، كما صورها الخطاب، ليست فقط علاقة حكم، بل علاقة وفاء روحي وسند متبادل، أساسها الإخلاص والثقة عبر الزمن.
“الملك ليس فردًا فوق المجتمع، بل هو ضامن لاستمراريته ككل تاريخي موحد، يقاوم التشظي ويضمن الانتقال السلس من الحاضر إلى المستقبل.”

المشروع التنموي: من الكم إلى الكيف

في سرد ما تحقق من منجزات، لم يكن الخطاب استعراضا لها، بل وضعها ضمن مسار تحويلي متدرج؛ من تنمية اقتصادية تقوم على الاستثمار في البنية التحتية والصناعات الواعدة، إلى ضرورة إحداث طفرة اجتماعية تعيد التوازن المجالي وتكسر منطق “المغرب بسرعتين”.
الملك هنا لا يحتفي بالتقدم كمجرد أرقام، بل يتساءل عن مآلاته؛
هل وصل هذا التقدم إلى الهامش؟ هل يشعر به المواطن البسيط في الجبل كما يشعر به في المدينة؟
بهذا المعنى، يتحول الخطاب إلى نوع من النقد الذاتي البناء، يجعل من العدالة المجالية البوصلة القادمة.

فلسفة التوزيع والكرامة

من أعمق ما ورد في الخطاب هو الدعوة إلى تنمية قائمة على التوزيع العادل للفرص والثروات، حيث لا تكفي الجسور والموانئ والقطارات ما لم تساهم في كرامة الإنسان في البادية والأحياء المهمشة.
إنه نداء للخروج من اقتصاد المراكز إلى اقتصاد الجهات، ومن تمركز التنمية في بعض المدن إلى انبثاقها من كل ربوع الوطن، وهو جوهر المشروع المجتمعي الذي يطرحه جلالة الملك، لا بوصفه برنامجا حكوميا، بل رؤية مجتمعية مندمجة.

في الجغرافيا السياسية: السيادة واليد الممدودة

دبلوماسيا، جدد الخطاب تمسك المغرب بسيادته ووحدته الترابية، لكن الأهم كان في الروح التي حملها هذا التمكين السيادي؛ روح الانفتاح، واليد الممدودة للجزائر، وإعادة تصور المغرب العربي لا كماض مهمل، بل كأفق للسلام الإقليمي المشترك.
جلالة الملك هنا لا يناور سياسيا، بل ينطلق من مبدأ فلسفي؛
“لا يمكن بناء الذات في عزلة، ولا تقوى السيادة إلا بتعاون ندي متبادل.”

التحديات البيئية: الجفاف كمرآة اجتماعية

في إشاراته إلى ندرة المياه وتحديات التغير المناخي، لا يكتفي الخطاب بالتحذير، بل يعالج الأزمة كعلامة على اختلالات أعمق في العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وبين الأنماط الاقتصادية واستدامة الموارد.
إن هذه التحديات هي اختبارات لمدى نضج النموذج المغربي في التكيف والتجديد.

الخطاب كمرآة لهوية المغرب الحديثة

في مجموع بنائه ومضمونه، يتجاوز الخطاب لحظته الظرفية، ويعيد تعريف المشروع المغربي بوصفه التقاء بين:
• الشرعية التاريخية والاختيار الديمقراطي،
• التنمية الاقتصادية والعدالة المجالية،
• السيادة الوطنية والتعاون الإقليمي.
إنها ثلاثية متوازنة تشكل ما يمكن أن نسميه بـ “العقد المغربي الجديد” الذي لا يقف عند حدود الدساتير، بل يكتب كل يوم بالتجربة المشتركة للشعب والدولة.

خطاب جلالة الملك محمد السادس لهذا العام لم يكن احتفاليا بقدر ما كان تأمليا، إنه لحظة وقوف مع الذات، وتحريض على التفكير النقدي في المسارات التي قطعناها، والطرق التي لا تزال أمامنا..
خطاب يعلي من شأن الفعل، لكنه لا يقصي السؤال، ويكرس الفكرة بأن الوطن الحقيقي هو ذاك الذي يعاش بعدل، لا فقط ذاك الذي يبنى بإسمنت.

رابط مختصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

شطاري خاص