عبد المولى بابي:
أصرح من موقعي أنا المواطن البسيط المحسوب جدلا على الطبقة المتوسطة المتفائل بطبعي والداعي في خطابي للتعايش والمقتنع بمسار الإصلاح أن الوضع لا يحتمل، سيبقى تاريخ 10/10/10 م خالدا في ذهن أي صحراوي وسيسجل يوما ما بمداد من ذهب في نصب تذكاري على الضفة الجنوبية للساقية الحمراء خصوصا بمكان ذاع صيته يقال له أكديم إزيك موثقا لأسماء رجال أبطال ونساء كن يلهمنهن حماسة وشجاعة منقطعة النظير، انتزعوا حقا وصنعوا مجدا من عرَق ودم وابتدعوا نمطا في الأساليب الاحتجاجية السلمية مستوحينه من ثقافتهم البدوية الأصيلة الضاربة والموغلة في جذور الزمن، فقلدتهم في ذلك شعوب ومجتمعات من المحيط إلى الخليج تردد وبلسان واحد “عيش، حرية وعدالة اجتماعية” وكأن بهم أحرار فرنسا الذين أشعلوا فتيل الثورة في أوربا رافعين شعارا سيصبح فيما بعد مبدأ من مبادئ المنظومة الأممية: الحرية، المساواة والمآخاة، إنها الخيمة يا سادة التي ضربت أوتادها في ميادين وساحات الثورة والتحرير بأرض مصر، والشام والحجاز واليمن فاقتلعت أنظمة وزجت بها في السجون والمعتقلات وترهش أخرى، وبكل ثقة وفخر مستحق نعم فعلها أبناء العيون وروافدها مؤزارين بإنزالات من أشقائهم بالحواضر الصحراوية الأخرى التي ضاقت بهم ذرعا أو أريد لها هكذا أن تكون، فخرجوا منها مرغمين لا راغبين في توافق تام مع قوله عز وجل في سورة الحج: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، فضربوا موعدا لنصب خيامهم تعبيرا منهم عن رفضهم لواقعهم الاجتماعي البئيس، ففض مخيمهم ومعتصمهم في جنح الظلام ورمي بهم في السجون وأخذت أنا وأنت فتات المكاسب: الوظيف واﻹنعاش، البقع والزون، وما زال هو المسكين يناضل فقط من أجل أن يحاكم محاكمة مدنية، والسواد اﻷعظم منا ما زال كما هو لسان حاله يقول: الوضع ﻻ يحتمل، حتى اندلع حراك 20 فبراير وتفاعل معه نظام الحكم بدستور فاتح يوليوز الذي صوتنا عليه بنعم بنسبة 99،99% فأعلن عن انتخابات تشريعية سابقة ﻷوانها أفرزت حكومة ملتحين، وأحدث مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي شغلنا بورقته “التخذيرية” كما يحلو للبعض تسميتها، وآخر أعلى للحسابات ليس له من العقاب والجزاء إﻻ اﻻسم فأرسل قضاة لتفحص ميزانية المؤسسات العمومية وأصدروا تقارير عرت وكشف الواقع المفضوح أصلا ووضعوها في الرفوف، لتحل بين ظهرانينا السيدة بنشقرون بالوعود والعهود والكلام المعسول وبقي الوضع كما هو، وقلنا اﻻنتخابات الجهوية والجماعية اﻷولى في ظل دستور فاتح يوليوز وشاركنا فيها عن بكرة أبينا وتحولنا إلى رموز وألوان كدنا نتناحر فيما بيننا بسببها..
وزارنا الملك وخطب من العيون معلنا عن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية وطار إلى الداخلة، ولما زارنا كي مون ورفع لنا شارات النصر في بير لحلو أثار حفيظتنا فنددنا به أشد أساليب اﻹدانة وخرجنا له في مسيرات مرتدين الدراعة والملحفة وطردنا بعثته من أرضنا ولم نقبل بها حتى اعتذر، لنواصل مسيرة الوطنية والمواطنة مع انخراطنا المتواصل والمستميت في أداء واجبنا الوطني من خلال مشاركتنا الوازنة كما العادة وهذه المرة في ثاني استحقاقات تشريعية في ظل دستور فاتح يوليوز، غير أن واد الساقية الحمراء ما فتئ يتآمر علينا هذه المرة مع هضاب لحمادة التي سقطت بها قطرات غيث دفعت بسيول محملة بألغام من مخلفات الحرب وحطمت سدة المسيرة وقطعت أوصال الطريق الوطنية رقم 1 الشريان الاقتصادي لنا لعبور البضائع والمسافرين، فاصلة بين الشمال والجنوب دون استحضار لمشاعرنا الوطنية الجياشة ومراعاة روابط وأواصر العلاقات التاريخية، معريا وفاضحا أكثر من مجلسي إدريس ونزار مشوار التنمية الذي قطعنا فيه أشواطا طويلة وﻻ سيما مدينة العيون غير آبه بأن بين ظهرانينا ضيوفا فنانين ورياضيين عالمين وأنظار العالم كلها متجهة إلينا تاركا إيانا للشماتة والتشفي بكوننا مدينة منكوبة معزولة عن العالم ﻻ هاتف وﻻ أنترنت وﻻ يستطيع أحد الوصول إلينا إﻻ عن طريق السماء، حتى إنه لم نعلم بطحن رفيقنا المرحوم فكري وحراك الريف المناضل إﻻ من خلال الفضائيات العالمية، بل لا مواد غذائية ولا خضروات اللهم الطماطم الطرية والأسماك الطازجة القادمة من مدينتي الداخلة وبوجدور التي كانت في طريقها للتصدير للخارج فرب ضارة نافعة..
غير أنه تحدينا الجميع وكل هذه الصعاب وفي انتظار أن يلفظ البحر جثث ضحايانا وانتشالها، نظمنا مهرجان الشعر ولعب ومرح نجوم العالم في ملاعبنا المعشوشبة، وبعد أن فرغنا من القضاء على العلب البلاستيكية تهيأنا لتنظيم قمة المناخ العالمية وتوطيد العلاقة الدبلوماسية باﻷشقاء اﻷفارقة بما توفر وأمكن من استثمارات ومشاريع متكرمين عليهم بها وتمهيدا للعودة للبيت الذي كان لشغور مقعدنا فيه اﻷثر البليغ عليهم ﻻ علينا، فقد فرغنا من هموم الصحة والتعليم والبطالة والسكن والطرق التي لم يتبقى لنا منها إﻻ بضعة كيلومترات جنوب الجدار العازل بمحاذاة المعبر الحدودي الكركرات متوقفة اﻷشغال بها لرفض خصومنا ذلك مدفوعين من بعض دول الجوار التي تأبى أن نكون بوابة إفريقيا على أوروبا ومتهمينا بخرق وقف إطلاق النار، ولم يبقى لنا سوى البيئة والدبلوماسية وشن حرب ضروس على المخدرات واﻹرهاب وإن لها بالمرصاد ريثما يعلن السيد رئيس الحكومة المكلف تسمية باقي أعضاء فريقه، إﻻ أنه أيضا وللأسف الوضع ما زال كما هو إن لم يكن أسوأ بدليل أنه هان علينا الموت حرقا وغرقا بدل الحياة مهضوما الحق..
أبيت إلا أن أتكلم بهكذا خطاب صريح وقاس لإراحة الضمير أولا ولتبرئة الذمة ثانيا كمواطن متابع جيد لمسار وتسلسل الأحداث لا كمنتخب أو أحد الشيوخ والأعيان قد نستنجد به غدا ويكون ابنه أو شقيقه في طليعة المعتصمين ولا يستطيع ثنيه عن ذلك، إذا ما نصبت الخيمة من جديد شامخة على روابي الساقية الخضراء بالأقحوان والكركاز في مارس أو أبريل أو ماي ومن يدري قد يكون قبل ذلك أو بعده أو في مكان آخر أو بشكل آخر، فعموما الخيمة باقية لا محالة ولن تزول وترفض أن تستغل فقط من أجل الثقافة والفلكلور بل حلفت بأغلظ الأيمان أنها لن تتخلى عن دعاة الحق، هذا دائما لننبه بأن الوضع لا يحتمل وأن هذا الغليان مرشح للانفجار في أي وقت وفي أي شكل كما سلف الذكر ومنه نعاتب الأجهزة الاستخباراتية بعدم إشعارها بذلك، فهل يا ترى سننجح في أربع سنوات في إنجاز ما أخفقنا أو باﻷحرى لم نرغب في إنجازه في أربعين سنة خلت أو يزيد؟.