شطاري-متابعة:
أحيا قرار مجلس الأمن رقم 2797 الصادر يوم 31 أكتوبر 2025، الذي اعتمد مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية كأساس للتفاوض، ملفاً قديما موروثا عن الحقبة الاستعمارية الفرنسية للمنطقة المغاربية، إذ لم يعد المغاربة وحدهم الذين يتطرقون إلى موضوع الصحراء الشرقية التي أُضيفت لأراضي “الجزائر الفرنسية” التي ستصبح دولة وليدة، بل صارت أوساط سياسية ودبلوماسية وإعلامية تونسية أيضا تستحضر أراضي صحراء الجنوب الغربي المقتطعة، البالغة مساحتها حوالي 13 ألف كيلومتر مربع.
وتتأسس الجزائر الحديثة على حدود نتجت عن اقتطاع أراض واسعة من المغرب وتونس وليبيا خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية، وهو الإرث الذي لا يزال يلقي بظلاله على سياساتها الإقليمية حتى اليوم، ويظهر جليا في النزاعات الحدودية والصراعات التي تحاول الجزائر تأجيجها في محيطها، بما في ذلك دعم جبهة “البوليساريو” الانفصالية في الصحراء.
ففي ليبيا، على سبيل المثال، ظل القذافي يطالب باستعادة أراض استولت عليها الجزائر، على طول سنوات ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، مؤكدا في خطاب تلفزيوني سنة 1997 أنه لا يعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار مع أي دولة عربية، في إشارة إلى الجزائر التي تستند إلى فكرة أن الحدود الاستعمارية يجب أن تبقى كما هي، وهو نفس الخطاب الذي تبنته لتقسيم المغرب.
واعتمدت الجزائر في ضم بعض الأراضي الليبية على اتفاقية وقعتها فرنسا مع ليبيا سنة 1957 لتحديد الحدود مع الجزائر الفرنسية، رغم أن ليبيا لم تصادق على الاتفاقية رسمياً، ولم يُرسم شريط الحدود بشكل قطعي، وموافقة ليبيا المبدئية قبل تأسيس الجزائر سنة 1963 كانت موجهة لدعم حركة تحرير الجزائر، لكن هذه الأخيرة استغلت الفراغ القانوني والسياسي للاحتفاظ بهذه الأراضي على طول حوض “غدامس” والحدود مع النيجر.
في اتجاه آخر، وبتاريخ 5 فبراير سنة 1959، طالب الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة فرنسا بتصحيح الحدود الغربية لتونس وإلغاء الحدود الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، بما في ذلك النقطة 233 و”برج الخضراء”، وهو ما يعكس التعدي الجزائري على الأراضي التونسية، حيث يُقدّر حجم الأراضي المستولى عليها بما يقارب 13 ألف كيلومتر مربع، بعد احتساب الأراضي التي ضمتها فرنسا للجزائر بتواطؤ إيطالي – فرنسي.
وقد اشترط بورقيبة استرجاع هذه الأراضي قبل الموافقة على الوحدة الثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا، في إشارة واضحة إلى غياب الاعتراف الجزائري بالحدود التاريخية لتونس واستغلال الأراضي المشتركة لصالحه.
السفير والدبلوماسي التونسي السابق إلياس القصري، أشار قبل أيام إلى أن ما فعله النظام الجزائري طوال نصف قرن من استغلال ثروات وأراضي جيرانه، بما فيها تونس والمغرب وليبيا، مكّنه من زعزعة استقرار شمال إفريقيا والساحل، لكنه كشف أمام العالم هشاشة مشروعه السياسي والخارجية التي بنى عليها شرعيته.
وأكد القصري أن الجزائر لم تكتفِ بالهيمنة على الأراضي، بل استنزفت الثروات المشتركة، بما في ذلك المياه الجوفية العميقة على الحدود التونسية الجزائرية، والتي تُدار بشكل يٌخضع تونس اقتصاديا، في حين كان من المفترض أن تشكل ركيزة للأمن المائي والغذائي الإقليمي، ويرى أن الوقت حان لاستعادة الوعي الوطني الكامل لدى تونس والمطالبة بما هو حق مشروع من أراضي وثروات، فاستقلال الدولة الحقيقي لا يُقاس بالعلم والنشيد، بل بالسيادة الفعلية على الأرض والماء.
كما أن الجزائر لم تكتف بالسيطرة على الأراضي الليبية والتونسية، بل شملت المغرب، حيث استولت فرنسا على أجزاء واسعة من الجنوب المغربي بعد معركة إسلي سنة 1844 ومعاهدة لالة مغنية 1845، مستغلة ضعف الدولة المغربية وخزائنها الفارغة، لتوسع الجزائر الفرنسية على حساب المغرب من السعيدية إلى فكيك ثم الصحراء الشرقية.
الوثائق التاريخية الرسمية والخاصة تؤكد هذه الوقائع، بدءا من سجلات الخزانة الملكية المغربية التي توثق تعيين العمال والباشوات والقضاة ومراسلات السلطان مع ممثليهم بمناطق خاضعة اليوم لسلطة الجارة الشرقية، مرورا بالعقود القضائية والعقود الخاصة للقبائل والأفراد، وصولا إلى أرشيف الفرنسيين الذي يثبت ضم الجزائر الفرنسية لأراضي المغرب بين 1881 و1907.
كل ذلك يؤكد أن الجزائر، رغم كونها نتاجًا لتوسع فرنسي على حساب جيرانها، تسعى اليوم إلى توسيع نفوذها عبر دعم انفصال الصحراء عن المغرب، عبر دعم جبهة “البوليساريو” لإنشاء ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”، كمشروع يهدف، في مرحلة لاحقة، إلى ضمان الوصول للواجهة الأطلسية، وتحجيم القوة الإقليمية للرباط، لكنه يواجه اليوم سقفا دوليا مع قرار مجلس الأمن رقم 2797 لسنة 2025، الذي أكد واقعية مقترح الحكم الذاتي لانهاء نزاع طال أمده.



