um6p
قراءة نقدية في رواية أوزيوالت لكاتبها الروائي “سعيد زربيع”/  قراءة ذ.عبدالواحد بروك

قراءة نقدية في رواية أوزيوالت لكاتبها الروائي “سعيد زربيع”/ قراءة ذ.عبدالواحد بروك

شطاري "خاص"1 يوليو 2016آخر تحديث : الجمعة 1 يوليو 2016 - 7:12 مساءً

ذ.عبدالواحد بروك:

 
– تقديم لا بد منه :

 
لقد كنت حينَ أعجبُ برواية أو استحسنُ نصَا أدبيَاً، أكتفي بكتابة مقالة، أحاول تحميلها ما قل ودل، حريصاً على النأي بنفسي عن اقتحام عالم النقد، فأعدّ كل ما أقدمه توصيفاً أو وجهة نظر خاصَة لا أرفعها إلى مصاف المنهج النقدي، وهذا يدفعني إلى التعامل بحذر مع النص الروائي تحديداً، خصوصاً أنني أشتغل في المساحة نفسها، لكنني أصاب أحياناً بلعنة نص يثير لدي أسئلة تتناسلُ فتتشكل عوالم تغري بالاقتحام .
حدث معي ذلك وأنا أقرأ رواية أوزيوالت، لهذا أقدمت على مغامرة الكتابة التفصيلية هذه، واضعاً نصب عيني الابتعاد عما يثير حنقي في النقد، وهو إعادة سرد الحكاية بأسلوبي.

– الشخصيات : جدلية الضحية والجلاد

 
في العتبة الأولى للرواية ، وعلى مرافئ الشعور الأول يحمل الكاتب كاميرا تضعنا عائلة صغيرة الأم ميمونة والشاب النحيف خطري والجد محمود، التصور الأول إننا سنتعامل مع عائلة صغيرة تعيش في غياب الوالد،
الرحلة الأولى رفقة رشيد البحار المجاز في الأدب العربي، الذي يعرض على خطري مرافقته في رحلة لاستكشاف أسرار المحيط.

 
الحروف والكلمات والأضواء والاهتمام والمحبة والتعاطف، بل خبرات الكاتب من لغة ودراية لا تخطئها العين بعلم النفس، أو تقَصٍّ للمجتمع وإعلاء للحقيقة وصوت مسموع، كلها في تلك اللحظة تسخَّر لخدمة بطل النص خطري ، ضحية غياب الأب، المجني عليه. نحن نترافع عن الأضعف، وإذا استكملنا الصورة، عرضنا ظلال الطرف الآخر المشارك في لحظة التعذيب، الجلاد الافتراضي، أو الظالم، عندها نتبارى في تهميشه أو تسخيفه وإدانته واتهامه، وإذا فاضت إنسانية الكاتب، فإنه يلامس بوجل بعض المفاتيح المضيئة في النفس الشريرة على عجل وحذر، لا نعتنق الظلام، حذرين مثلما ننظر إلى وحش كاسر في قفص، وراء القضبان الفكرية التي ينسجها الكاتب لا يمكن تلمس فراء الوحش، أو وصف ملاحته ونعومته دون إحاطتها بالشك، وكل إطراء إنما نقصد به أن يقودنا إلى اتهام. اتهام لا يكاد يتوقف طيلة سفرنا الروائي رفقة سعيد ازريبع.

إنه بطل بعيد عن النمطية، وأول خاطر يرد في البال إثر الانتهاء من الرواية: أية جسارة ذهبت بسعيد ازريبيع إلى الجحيم ليمسك بتلابيب شخوصه، وبالتحديد الشخصية البطل خطري ، فيسحبها بكل تفاصيل حياتها الحافلة بالسقوط والوقوف، فيقبض عليها بذلك الاقتدار الحرفي في أوراقه؟.

– الخطوط الحمراء : لغة تحاول تمزيق الستائر

 
الرواية بشكل عام مغامرة، وقفز أرعن في المجهول، وتحدي للصورة المستقرة الثابتة عن الحياة، هذه الرواية تتوج الرعونة الجميلة، موضوعاً ولغة، فهي مغامرة لغوية حقيقية، حيث اللغة ثرية، تنداح طازجة، تعبق بالحياة، وحيث العبارة رشيقة تقود إلى ما تلاها دون عناء، تدحرجك على نتوءاتها النحوية وسبكتها الجزيلة دون عقبات، إلا توقفك لدهشة تعتريك.. إنها لغة فنان قادر على التصوير ببراعة يُغبط عليها، براعة تمنحك متعة القراءة، ولا تقصد تعجيزك واختبارك، مع ذلك تختبرك في تقصي الخفي من دلالات الكلمات، وقد تصيبك بارتباك لوقوع تكرار يعاين الصورة نفسها من زوايا عديدة، كأنما الكاتب يخشى أن التصوير الأول لم يفي بنقل المشهد كاملاً، وقد تكون تلك هنة من هنات الرواية، لكن إصرار ازريبيع عليها يستوقفك، ربما للشك عما يريد قوله عبر التكرار، وهل يشك بقدراتك كقارئ، أم إنه يستعرض إمكانيات اللغة، أم إنه لم يكتفِ ككاتب من التوصيف!. مع وجود تلك الهنات، فإن أوزيوالت نص فني لا يمكن التشكيك بجماليته ،

 
مثل هذه الأحكام الظالمة ي حق كتّاب الصحراء على قلّتهم تثير عجبي، لأنها ببساطة ، تفتقر إلى الموضوعية، وتصدر عن عقول تحجرت وارتضت بقياسات عامة، أقل ما يقال فيها إنها تعكس إصرار أصحابها على جهل بتفاصيل ما يحدث على الساحة، وإن أراد هؤلاء التدليل على صحة ما يذهبون إليه، ذكروا على عجل ودون تمحيص أسماءً لروايات نالت الاهتمام والشهرة رغم تواضعها وافتقارها للفن، معتمدة على الاستجابة لشروط العالم الفضولية في الاطلاع على خفي الحياة في هذه البقعة من الأرض، بذلك يُقْصون كل إبداع فني يمثل قيمة في حد ذاته، صدر أو سيصدر عن هذه المنطقة.

 
ليست هذه مرافعة تنتصر للأدب الصحراوي بقضه وقضيضه، وليست جمعاً ساذجاً لكل التجارب في سلة واحدة، ولكنها قطعاً ذود عن هذه الرواية تحديداً، لأنها باختصار تستحق التفات النقد، والقراء، وكذا الجوائز إليها.

 
كثيراً ما يغذي الجنس، بوصفه تابوهاً ترويجياً ناجحاً، روايات ونصوصاً متواضعة، يحدث هذا في العالم العربي والغربي على حد سواء، و أوزيوالت تلامس الخطوط الحمراء دون أن تقع فيها، لا يبدو الجنس فيها مقحَماً على الرواية، إنه في قلبها، أو عمودها الفقري، حدث أساسي في معمارها، وإن جاء برشاقة دون الوصول إلى حد استخدام كلمات تصفع الذائقة الاجتماعية، إلا إنه مسخَّر في كشف وتعرية الحياة ورغبات الإنسان، والإيغال في الوصول إلى معرفة الحدود القصوى التي يذهب إليها في تنفيذ مآربه وتحقيق غاياته.

 
لست هنا بصدد كشف تفاصيل دقيقة في الرواية، أو إعادة السرد كما يفعل النقاد الانطباعيون، فالرواية عمل تجدر قراءته، لا قراءة تلخيص مبتور مشوَّه عنه، ولكني أعرج على نقطة أعتقدها في غاية الأهمية. خطري يقيم في بوجدور، ولا يقفز فوق الحواجز والعقبات مسمياً موقعاً بعينه بلدة بلا اسم، أو مدينة واق الواق، إنه يصف مدينة بوجدور القابعة على شاطئ المحيط بعينها واسمها، ببشرها وخريطتها المعمارية وطرقها، وما وقع فيها.

يدخل معركة تحدٍّ اجتماعية، إذ يعري مجتمعاً محافظاً شديد التكتم، خفياً، غامضاً، لا يظهر منه للعيان إلا صورة نموذجية، مثل جبل الجليد، ما خفي منه أكبر مما برز، ولعل تلك المكاشفة والتعرية لم تكن حكراً عليه، فسبقه لها كتّاب عرب ألمحوا بوقار إلى حياة سرية ماجنة في العتمة، بل وإن بعض الأعمال ، بالتحديد التي كتبتها النسوة وعالجت الحياة السرية الفاضحة لمجتمعها، نالت شهرة طبقت الآفاق بناءً على كشف جزئي، فوُصفت الكاتبات بالجرأة والمغايرة، وتم صرف النظر عن القيمة الفنية.

 
لا أسمي ما قام به ازريبيع كشفاً للواقع وتشوهاته فحسب، إنه تدمير مذهل لذلك البنيان الذي ينخره السوس، تمزيق لستائر التقنع والتحجب والمداراة والادعاء، وتعرية شاملة ودقيقة لموقعين في الحياة، موقع الجاني، وموقع المجني عليه،

 
هناك إقدام من الكاتب على تشريح ثنائيات مسكوت عنها، مثل الغنى والفقر، التدين والانحراف، كما أن هناك رصداً لما يوقعه الفقر بكل بشاعته في نفس الإنسان فيخربها ويدفع بها إلى هاوية تخالها الجنة فإذا بها قعر الجحيم.

 
هي جهد ينضم إلى جهود المفكرين في إعادة تأهيل المجتمع، في خضّه وهزه وإدانته، دون التخلي عن جمالية الفن.

 
يبرع الكاتب في رسم الشخصيات، ليست المسألة وصفاً خارجياً للشخصية في لونها وطولها وهندامها، ولا مجرد سرد الوقائع التي حدثت لها فصاغت حياتها وقادتها إلى مصيرها، بل هناك قدرة على ولوج الروح من زوايا عديدة، ورصد تلك المتغيرات والأمواج المتتابعة التي تضرب شطآن النفس، لعل التكرار اللغوي لبعض الوقائع يأتي من هذه الزاوية، حيث تفتح فجوة لا تبدو واضحة تماماً في أعماق الإنسان، هناك حيث تتصارع القيم والعادات والرغبات، حيث يهدهد الضمير، ويعلى من شأن النرجسية والفردانية، وحيث تلعب المصالح عاكساً ذكياً لكل المفاهيم، باقتدار يلج الروائي تلك البقعة الخطرة، وينجح في إحياء أنماط من شخصيات غير مسبوقة، وأخرى معروفة أجاد في الإلمام بها، مثل اغلانة وشخصيتها المتفردة، وآخرين من أطراف اللعبة، لكنها الشخصية التي علقت في ذهني مثل شيطان، إنها تستحق الوقوف عندها في دراسات مطولة، شخصية لم ألمس شبيهة لها في حدود ما اطلعت عليه من الأدب في الصحراء، المرأة المضيافة التي تقرئ الضيوف حق ما يكون الإقراء، الأرملة التي تربي بناتها، المحافظة التي تنهى عن المنكر فكأنها تحرض عليه بسيجارتها، المتمردة بطوبتها التي لا تمثل ضميراً للمجرم ولكنها تقلق راحته، موقع ضعفه الفريد، المتشبثة بالحياة مثل حيوان خرافي قادر على التمثل أمامك كلما غيبته.

إذا كانت الرواية على هذا النحو، فهل من الممكن التعاطف مع شخوصها الغرباء؟ لا يحدث هذا على الصعيد القيمي، إنك تنشدّ جمالياً للفن، ولكنك تظل واعياً بالتهاوي العجيب للخلق، حتى لو لم تتم إدانته صراحة في النص، ذلك إن الكاتب يخبئ الإدانة للجلسة الأخيرة، هناك إدانة مخيفة تنسلّ في خاتمة النص، عندما يكتشف أيّ علاقة تربطه بأبيه المهاجر الذي غادر عائلته الصغيرة منذ ما يربو عن الإثتنتي عشرة سنة، لا أرغب في كشف المزيد، ولكن أقول إنه كان واعياً عندما ختم بالإشارة إلى هول العقاب الاجتماعي الذي قد يحسب عقاباً ربانياً أو عدلاً لا بد من استحقاقه.

 
ليست رواية أوزيوالت خالية من الهنات، وذلك منطقي، قد يتعلق الأمر بذائقتي أو بواقع الرواية كعمل إبداعي، إذ بدا لي الإغراق في شرح مفردات الحسانية في كل مناسبة مقحماً، إذ كان بوسع الكاتب أن يمرر المعنى بشكل أكثر رشاقة دون اللجوء إلى التوقف مطولا عندها مفردة مفردة مما يجعله يغامر أحياناً بالمتعة التي تشكل عصب الرواية.

الرواية مضت دون أن تؤشر إلى آفة العصر من سقوط سياسي، فراح يضع بعض الإشارات التي لو لم توضع لما أخلّت بالرواية وفنيتها العالية، لأننا كروائيين، لسنا ملزمين بالكتابة وفق منطق فكري يحتم إبراز مواقف إيديولوجية متقدمة أو منحازة، أو يعالج وضعاً سياسياً، إلا عندما يكون النص لهذه الغاية. إقحام السياسي براءة لم يكن من اللازم طلبها للنص،

 
هل نقول إن الكاتب وقع -رغم تحرزه- في فخ الرسالة الأخلاقية الاجتماعية؟ أم إنه أوفى الفن حقه، وفي الوقت نفسه أوفى المنطق حقه، من حيث استشراف الدمار والتأشير على جبروت العدالة حين تقتصّ من البشر، وحدّة العقاب حين يحل!… إنها مجرد تأملات.

– الحبكة :

 
تنقسمُ أوزيوالت إلى متنٍ رئيسي يرويه خطري، الشخصية الرئيسية في الرواية، في فضاء يمتد من بوجدور ليصل إلى شاطئ أوزيوالت . اختار سعيد ازريبيع التوقف عند محطات ثلاث أسماها : الشعور الأول، الثاني والثالث
مغامرة استكشاف البحر رفقة رشيد والوصف الفريد والممتع للرحلة، تلاه لقاؤه بصديق طفولته زير النساء أيوب، أيوب رمز لابن شرعي لغشق ممنوع جمع والديه المحفوظ ولالة المنتميين لقبيلتين كانتا تعيشان صراعا رهيبا، فكان صلة الوصل وغصن الزيتون في وجه البندقية. رغم كل تُرهاته التي يُثرثر بها طوال الرواية محاولاً إقناع القارئ بأنه ضحية للظروف المحيطة – مخلوقٌ بهيمي شرير، يتحركُ وفقاً لغريزة حفظِ الذات فحسب. فهو يرفض أن يتعامل مع رشيد ويصفه بالحمّال، يدعي حبّ فاطمة ويغازل نصف بنات الكون في نفس الوقت، رغم محاولات خطري أكثر من مرة ثنيه عن ذلك. وهو في كل مرة يختارُ أن يسلكُ سلوكاً فاسداً، وينسبَ هذا السلوكَ لنشأته.

كاميرا الروائي سعيد ازريبيع تصل إلى خيمة اغلانة السيدة المضيافة والجريئة في آن، وبناتها الهمباتة وفاطمة، وكذا اعزيزة العمياء التي سيقع خطري في شباك حبها، لم يستطع أن يحدد نوع مشاعره نحوها إن كان حبا أو شفقة، تموت اعزيزة في حادث مروري خلال سفرها في اتجاه مدينة الداخلة مخلفة أثرا غائرا في قلب خطري.
ماريا السائحة الاسبانية التي قدمت رفقة غونزالو تلقيا حفاوة ليست غريبة على أهل الصحراء، عادا ليجددا الصلة مع أوزيوالت بعد غياب ناهز تسعا وثلاثين سنة ، ستكون العائلة الاسبانية على موعد مع رد الجميل حين تستقبل أيوب وعائلته خلال فترة علاجه إثر غرقه وهو محاطٌ بالحسناوات الاسبانيات.

– تصور النهاية :

 
مشكلةً النهايةً التي يقترحها سعيد ازريبيع أنها تبنت خيار النهاية السعيدة the happy end وهو الخيار الذي صار متجاوزاً في الرواية الحديثة التي تلعب على خيارات أخرى تعتمد على دور القارئ التأويلي الذي ينطلق مع نهايات مفتوحة ويقيد بأخرى مغلقة، النهاية هي تعبير إبداعي مكثف تختزل فيه كافة أحداث الرواية وتفاعلاتها، وتتجلى أهميتها في محاولة قراءتنا الثانية لرواية ما بعد معرفتنا نهايتها في كوننا نسعى جادين إلى التعرف على العلامات والطرق التي أوصلتنا إلى تلك النهاية التي رسخت في أذهاننا

رابط مختصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

شطاري "خاص"