عبداتي لبات الرشيد:
” .. شعب كاتلوا أشحم ..”*
* وزير وقيادي بارز سابق وحالي ولاحق إن شاء الله
إهداء ..
إلى ذلك الوزير الذي يعرف نفسه جيدا .. إلى الشيّاتين والحزّارين والمنافقين والصفّاقين والخوافين والشّكامين والمنبطحين والمبطوحين وكل المتمصلحين الذين خدمهم ويخدمهم هذا الواقع .. إلى الذين خيبوا آمالنا وضيعوا أحلامنا .. إلى الذين شيدوا البنيان بعيدا عن مخيماتنا التعيسة وهجروا وجنسوا وأبعدوا عائلاتهم بعيدا عن وجوهنا المحترقة .. الى كل هؤلاء أهدي هذه الخربشة ..
في لحظة شباب طائشة فكرت ذات يوم بأنني أصلح أن أكون مواطنا يطارد الحقيقة في بلد سأكتشف فيما بعد أن الضحية الأولى والأخيرة فيه هي هذه التي اسمها “الحقيقة”، غير أن ذلك التفكير الطائش منحني فرصة التعرف في أكثر من مرة، عن طريق الصدفة أحيانا والفضول وحب الاستطلاع أحيانا أخرى إلى العديد من هؤلاء الذين يجلسون منذ أن فتحت عيني على الدنيا قبل أن أعرف أنهم كانوا يجلسون قبل ميلادي وميلاد كثيرين من أبناء جيلي على كراسي هذا الحكم وربما سيستمرون في الجلوس، نفس الجلوس على نفس الكراسي وفي نفس المكان سنوات أخرى من الزمن إلى أن يرث الله الروح والبدن كما سيرث أرواحنا وأبداننا جميعا والتراب التي منها خلقنا وعليها نعيش والكون الذي من حولنا ذات يوم.
واحدة من تلك الفرص التي لا أراها ثمينة سمحت لي بالتعرف إلى شخص من هؤلاء الذين نسمع عنهم في الإذاعة والتلفزيون ونراهم في الندوات والمؤتمرات، واحدا من هؤلاء الذين يمرون علينا يوميا ونحن واقفون على قارعة الطريق ننتظر حظنا من المحسنين لننتقل من مكان إلى مكان في مخيماتنا البسيطة، في ذلك اليوم تعرفت إلى شخص من المسؤولين الكبار الذي كنت قد سمعت عنه وعن “قبليته” وعن تاريخه الكثير، كان في غاية الأدب حين سلم علي قبل أن يقول بهدوء مشوب بالحذر أنه يعلم عني أنا أيضا الكثير وأنه يقرأ مقالاتي وأن أكثر ما يحيره في شخصي وفي الكثير من الشباب هو الإحباط والتشاؤم وقلة الشجاعة التي تطبع سلوكاتنا دوما، ليمتد التوبيخ الصريح بعد ذلك الى الشعب بأكمله بشبابه وشيوخه وحتى مراهقيه وأطفاله حين قال انه أي هذا الشعب بخير و”انو ألي ما عاجبوا الحال ألا كاتلوا أشحم” و”ماهو حامد نعمتوا إلين يمرقها” .. ولأنني واحد من هذا الشعب “كاتلني أشحم وماني حامد نعمتي” سأحاول أن أطمئن الوزير من خلال بعض الأرقام والتفاصيل البسيطة ليتأكد الى أي حد نحن فعلا شعب “كاتلوا أشحم وماهو حامد نعمتوا إلين يمرقها”.
وقعت بين يدي بالصدفة دراسة أنجزها مؤخرا احد المراكز الإعلامية هنا في المخيمات، الدراسة تكشف ودون قصد وبالأرقام المخيفة التي استنتجتها شخصيا من نفس الدراسة عن إجابة الذين شملهم البحث، إجابتهم عن سؤال محدد وبسيط، هل أنت او أنت – بكسر التاء- أعزب او متزوج، مجرد سؤال من ضمن عشرات الأسئلة التي تضمنتها تلك الدراسة والتي لا علاقة لعنوانها بالجزئية التي استخلصتها شخصيا من إجابة المشاركين على ذلك السؤال والتي سأتحفكم وأتحف السيد الوزير بها ليعرف ويتأكد رسميا ونهائيا الى أي درجة نحن فعلا شعب “كاتلوا أشحم وماهو حامد نعمتوا إلين يمرقها”.
هل أنت او أنت – بكسر التاء – متزوج او أعزب، وصدقوا أو لا تصدقوا أن 90 % من الذين أجابوا عن ذلك السؤال المحدد والبسيط رجالا ونساء غير متزوجين، عزّاب “متسكّحين”، 90 % يا ناس، ولكم أن تتخيلوا أن من بين هذه النسبة المخيفة من تجاوز سن الأربعين ولم يتزوج ولكم أن تتخيلوا – تخيلوا فقط- حتى لا أصيبكم بهاجس الخوف أن هذا الشعب قد يكون مهددا بالانقراض فعلا بعد اقل من خمسين سنة إذا ما كانت تلك النسبة شاملة وواقعية او حتى قريبة من الواقع، 90 % من الذين شملتهم الدراسة وأنا واحدا منهم غير متزوجين، عزاب “متسكّحين” الى اجل غير مسمى، .. يا سيدي الوزير .. إسمح لي أن أقول لك وبكل صراحة ووضوح أن أغلبية هذا الشعب المسكين الذي تتحدث عنه و”ألي كاتلوا أشحم وماهو حامد نعمتوا إلين يمرقها” وأنا واحد منهم أصبح يحسد الإبل والغنم وحتى الفئران والصراصير لأنها قادرة على ممارسة هذه الحالة البيولوجية والفطرية “التناسل والتكاثر” دون عوائق ولا صعوبات بالقرب منا وحتى داخل خيمنا وتحت جدران بيوتنا.
نسبة مشابهة او تقارب يا سيدي تتعلق بحالات الطلاق فالمحظوظين الذين يتزوجون سرعان ما يعودون الى حياة العزوبية و”التسكّح” لأنهم سيكتشفون أنهم وبدل أن يدخلوا الأقفاص “الطينية” معززين مكرمين سيدخلونها “شحّاتين”، “طلاّبين، مادّين ايديهم” والسبب حسب رأي “حكومتك” و”أمانتك” هي الظروف الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والمناخية “الاستثنائية” التي “نمر بها”ولا احد يا سيدي يرغب في أن تمتهن كرامته وكرامة زوجته وكرامة أبناءه أكثر من ذلك.
على ألسنة الناس تروى هذه الأيام تفاصيل مثيرة عن جلسة وقعت أطوارها بإحدى المحاكم بطلها شاب وشابة تزوجوا على بركة الله وسنة رسوله وبعد أن أنفق ذلك الشاب كل الذي يملك والذي لا يملك في سبيل ذلك الزواج وبناء منزلا من اجل العائلة الصغيرة اكتشف أن زوجته تريد الطلاق، لماذا؟، ارجوا أن تسال زميلك وزير العدل لتعرف يا سيدي الى أي درجة نحن فعلا شعب “كاتلوا أشحم وماهو حامد نعمتوا إلين يمرقها”.
نسب أخرى يا سيدي سأتحفك بها وأرجوا أن يتسع صدرك وصدر زملائك و”خلونا انفشوا اطعاين” بالحديث عن ما بداخلنا على الأقل، البطالة وما أدراك ما البطالة أكثر من 70 % من الشباب بطّّالين “أمسندين لحيوط شومارة، طايحة بيهم” ولن أخوض في التفاصيل لأنها دائما وأبدأ حسب رأيكم بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والمناخية “الاستثنائية” التي “نمر بها”.
نأتي الى الأمراض ولن استعمل رقما هذه المرة لأن الأمر مخيف فعلا لكن تصوروا معي كم مواطنا منا صغيرا كان او كبيرا “كاتلوا أشحم ولاهو حامد نعمتوا” غير مصاب إما بالسكري أو بضغط الدم أو بالسرطان أو بالكلى آو بأمراض القلب والرئة والسل والكبد والحساسية وضيق التنفس ودعك من الأمراض دائمة الحضور في حياتنا التعيسة كالحمى والأنفلونزا و الصداع والإسهال والإمساك والمعدة وضعف وفقدان البصر وسوء التغذية والآنيمياء وحتى الأمراض الجلدية والجنون والأمراض النفسية وانعدام الثقة في النفس والإحباط و”أطياح المعنويات” وعدم “القدرة” وعدم وعدم وعدم .. ولن أخوض في التفاصيل لأنها دائما وأبدأ حسب رأيكم بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والمناخية “الاستثنائية” التي “نمر بها”.
هل تريد نسب أخرى .. إذا إليك .. لا توجد أرقام يا سيدي لأنه ومع الأسف ليس لدينا مراكز دراسات محلية حتى نعتمد عليها في القراءة والتحليل من اجل الناس وللأسف نحن أيضا غير مصنفين إقليميا ولا دوليا حتى تشملنا إحدى الدراسات التي تنجزها مؤسسات مستقلة حتى نعتمد عليها في القراءة والتحليل من اجل الناس دائما .. مع الأسف .. ولكنني متأكد أن آلاف المواطنين “ألي كاتلهم أشحم” بدون مأوى والذين بمأواهم إما متصدع أو آيل للسقوط، يعني آلاف المواطنين “ألي ماهم حامدين نعمتهم” معرضين لسقوط بيوتهم الطينية على رؤوسهم، مئات التلاميذ يتسربون من المدارس سنويا والى أين؟ الى الشارع والبطالة و”التّركال” و”تكصار لصباع” او الى “الربط”، الى الجدار العازل في اتجاه العدوا والله يعلم الى أين أيضا.
لا توجد أرقام يا سيدي ولكن الله وحده يعلم كم نسبة التلوث والتسمم في الماء الذي نشرب وفي الغبار وليس الهواء الذي نستنشق وفي الأكل الذي نغتني أو الذي يوزع علينا ولن أخوض في الأسباب لأنها ودائما وأبدا حسب رأيكم بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والمناخية “الاستثنائية” التي “نمر بها”.
يا سيدي الوزير يجب أن تعرف أن أكثر من 90% من هذا الشعب “ألي كاتلوا أشحم وماهو حامد نعمتوا” يعيش على اقل من نصف دولار في اليوم وهو رقم قياسي عالمي نستحق به دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية وهو أيضا رقم مرجح للانخفاض نحو الصفر وما تحت الصفر مع تداعيات الأزمة المالية العالمية وفقدان الكثير من اللاجئين الصحراويين في الدول الأوروبية لوظائفهم وقد ساهموا يا سيدي طيلة السنوات الماضية في التخفيف من معاناة عائلاتهم هنا في المخيمات، وسأخبرك شيئا آخر سيصعب عليك تقبله لكنه ومع الأسف حقيقة وواقع فأغلبية العائلات البسيطة لا تجد صدقني في بعض الأحيان “بطّة أتون تيدم بها أعشاها”، ولن أخوض في التفاصيل لأنها دائما وأبدا وحسب رأيكم بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والمناخية “الاستثنائية” التي “نمر بها” نحن الشعب ولا تمر بها أنت وزملائك ولا تشملكم ولا تضركم “استثنائية” وضعنا بكل تأكيد.
هل يكفي يا سيدي .. نعم .. سأرحمك وأتوقف فيما الأرقام والنسب المحزنة والمزعجة ما زالت تطاردني .. ورجاءا إرحمونا، إرحمونا بأقوالكم وأفعالكم لأن هذا الشعب المسكين والبعيد عن “أشحم” وعن “النعمة” لا تنقصه تصريحات استفزازية بعد أن فعلتم به وفيه ما فعلتم ولا زلتم .. فارحمونا الله يرحمكم ويرحم والديكم..