بابا خيا-بوجدور:
إن المتتبع للشأن الدولي، المحلي فالإقليمي وكل المتغيرات في العالم؛ سيدرك –حتما- أنه أصبح من اللازم وبقوة القواعد القانونية، العمل على إرساء مفاهيم وقيم وأسس الديمقراطية التعددية، التي ضحّت شعوب العالم، ومازالت تبذل عبر أجيال ومراحل مديدة من أجلها، فكان لها أن تتوّج بثورات مفصلية عارمة يُراد من خلالها تكريس أهدافها ومبادئها، إذ تسعى جميع الدساتير والمواثيق العالمية على حمايتها مما يجعلنا لانستثني الدستور المغربي الجديد؛ الذي تنصّ كافة مقتضياته على ترسيخ قيم المساواة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وترشيد وعقلنة الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وضرورة تقريب المواطن من الإدارة عن طريق ديموقراطية تشاركية تهدف إلى الرقي بتدبير الشأن المحلي وتخليق الإدارة ونجاعة السياسات العمومية للبلاد، فضلا عن إقرار مبدأ تكافئ الفرص وإنجاح تجربة الحكامة الترابية.
جرت العادة، كماهو متعارف عليه داخل الوسط البوجدوري؛ أن أرباب السياسة ومعظم سلطات مدينة التّحدّي، لاتتحمّلُ مسؤولياتها قصد تحقيق جزء –ولو النّزر اليسير- من التّنمية الشاملة، بل تتحدى من خلال استهتارها كلّ الأعراف والمواثيق الدولية، بالاعتماد على تشريع الريع السياسي والاقتصادي ومزاولة السياسات العمومية المحلية المخترقة بجميع أنواع الزبونية والمحسوبية، علاوة على الضرب في أسس العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية والحماية البيئية التي تعتبر حسب مؤتمر “بروتلاند”، من مقومات التنمية المستدامة وأساسها، ولعل أنّ أكبر دليل على ذلك؛ هو الاحتكار للمناصب السياسية والمسؤوليات المحلية واحتقار هبة النّصوص الدستورية، وكذا المساهمة في تقسيم ما يُجنى من النّهب تحت مُسمّى الكعكة، والتورط في جملة من الملفات العالقة؛ كملف الإنعاش الوطني الذي أزكم الأنوف بنتانته، وخبايا ميزانيات سكان المخيمات والثكنات العسكرية، علاوة على لائحة بأسماء حظيت باستفادتها من الحي الصناعي، إضافة إلى تدعيم أصحاب المناصب الكبرى بالهكتارات التي تمّ توزيعها مؤخّرا، والتفرّد بالميزانيات وعائدات القطاع الحيوي الأول بالاقليم، والاستحواذ على المشاريع الوهمية الكبيرة المدرة للدخل لفائدتهم وعلى حساب المستضعفين، ثم تعتيم أدوار الإعلام والمجتمع المدني المحلي وطمس الحقائق المشينة للمساطر القانونية، زيادة على نمطيّة مواصلة السّياسة نفسها؛ التي كانت وماتزال ترمي إلى الإقصاء الممنهج لكافة الفئات الاجتماعية سواء المقصيين أو المعطلين أو المعاقين أو الأرامل والمحتاجين، ضف إلى ذلك سياسات التجويع والقمع والتطاول المكشوفة، مقارنة مع الميزانيات وأرقامها المهولة والخيالية للمدينة، ثم الشّطط في استعمال السّلطة وتسخيرها لصالح المآرب الشخصيّة؛ للتّـمتّع بلذة هبة القانون الذي أصبح لا يسري ولا يُمارسُ، سوى على الضعيف المغلوب على أمره ليس إلاّ.
كلّ تلك الأمور، تدفعنا إلى أن نُسائل كافة الجهات المعنية والمسؤولة، عن أدوارها وقواها المنوطة بها، حول تطبيق جزرية القانون وصرامته وكلمته، يأتي ذلك في الوقت الذي أصبح يُصفع فيه مسؤول أمني، أو يهان أمام الملأ، كواقعة شرطي المرور التي مرّ عليها شهر من الآن، أو أحد عمداء الشّرطة مسبقا ؟ أم أن منطق المنصب والمال أخضعا رجال الأمن والسلطة تحت رحمة رجال السياسة ؟
على نحو السّياق نفسه، لن تفوتنا الفرصة لرسم لوحة واقعيّة عن الوضع الحالي للمدينة، وذلك بالموازاة مع الاستعدادات الماراثونية للمهرجان في نسخته السادسة، حيث لايخفى على أحد ماتقوم به السلطات البوجدورية من حلول آنية وترقيعية لاستقبال هذه التظاهرة؛ بدءا بحملات اللنظافة وطلاء الأرصفة والجدران، وتجديد خطوط التشوير الطرقية والعديد من الإصلاحات البسيطة، مع العلم أن الميزانية المرصودة لهذا المهرجان كفيلة بحل أزمة أو اثنتين من الأزمات التي تلوح بالمدينة إلى حيث مستقبل لا يحمد عقباه، خصوصا وأنّ قريحة الشارع البوجدوري لم تعد جوفاء؛ لما باتت تعرفه من وعي وادراك تام للخروقات التي تسود المدينة أمام أعين الجميع، وهذا ما أضحى جليّا تُجسّدهُ الوقفات الاحتجاجية المتتالية لجميع شرائح المجتمع كالمعطلين والمقصيين وذوي الاحتياجات الخاصة؛ فعلى الرغم من محاولات إقبار الحس النضالي، لهذه الفئات إلا أن عزيمتهم وصمودهم وإرادة الحق، كلّها ستتوّج بقول كلمتها في المقبل من الأيام ..
ولئلاّ نطنب في الحديث، ولكي لا نغوص أكثر في المعاناة والجحيم الذي أصبح يندى له جبين كل مواطن بوجدوري؛ فإننا كمتتبعين للشأن المحلي وكغيورين على مصلحة وآفاق بوجدور باعتبارها موطننا الحبيب، نتمنى وبكل التطلعات وصول تقلبات موجات الزلزال السياسي لردع هاته السلوكات المتناقضة مع المبادئ العامة للتشريع الوضعي، كما نطالب الجهات العليا بفتح تحقيق عادل لمحاسبة مصاصي دماء الشعب البوجدوري، وكذا السعي إلى تحقيق العدالة الإجتماعية وحسن تدبير الشأن المحلي والرقي بالمساواة وضمان الحقوق كالصحة والتعليم والمرافق العمومية من خلال إنشاء بنية تحتية ذات سياسة هادفة، وتفعيل آليات الديمقراطية التشاركية وإنشاء هيئة للمصالحة بين السلطة والمواطن وتفعيل أدوار المجتمع المدني، لذا وجب على أصحاب القرار في الإدارة المركزية التسريع في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن يكون لهذه العبارة تجسيد فعلي وحقيقي على أرض الواقع حتى تكون يتعقّل المفسدون، وتدقّ متابعتهم ناقوس إنذار وحكما بالنفاذ المعجل، وفي ظلّ هكذا تكالب وضع، لا يسعنا إلاّ التّساؤل؛ حل نحن حقّا في حاجة إلى مهرجان أم إلى زلزال سياسيّ يمتدّ حساب سلّمه إلى مدن الصّحراء ؟