شطاري-نوفل البعمري:
أصدر مجلس الأمن بلاغا يتعلق بتطورات ملف الصحراء على الصعيد الأممي، حدد فيه رؤيته لهذا النزاع، وتأتي أهميته أنه يأتي بعد انتهاء المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة من تحركاته التي كانت موضوع إحاطته لمجلس الأمن؛ و قبيل استصدار قرار مجلس الأمن في أبريل المقبل و معه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، كما أن أهمية هذه الوثيقة لا تكمن فقط في توقيت صدورها و لا في زمنها، بل أيضأ في مضامينها القوية، الواضحة، التي حددت بشكل صارم القواعد المؤطرة لهذا النزاع المفتعل حول الصحراء، و وضعت النقط على الحروف كما أنها وضعت مختلف تحركات المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة في إطارها الحقيقي و حددت مسارها المستقبلي.
فكيف اذن يمكن قراءة هذا البلاغ بالمضامين التي أعلن عنها؟ و كيف يمكن قراءتها؟ ارتباطا بالتحركات الأخيرة التي قام بها هانس كوهلر خاصة منها طبيعة اللقاءات التي نظمها، و محاولات إقحام الاتحاد الإفريقي في النزاع، و إعطاء تفسير واسع لمسار الملف غير الفهم الذي أعطاه له مجلس الأمن منذ سنوات، وعليه فهذا البلاغ يمكن قراءته من خلال المحاور الثلاثة التالية، نقدمها كما يلي:
أولا: تستشف من الفقرة الأولى و الثانية من البلاغ التي ثمن فيهما مجلس الأمن تحركات هانس كوهلر و شجعتا على إحياء المسلسل السياسي، و هذه النقطة من خلال تأكيده على ضرورة إحياء المسلسل السياسي إشارة واضحة على كون أية مقاربة للملف لا يمكن أن تتم إلا من خلال الحل السياسي، و هو الحل المتجسد في المبادرة التي قدمها المغرب منذ سنة 2007 و فتحت الآفاق نحو حديث الأمم المتحدة عن الحل السياسي، خاصة عندما أكد على أن إحياء هذا المسلسل السياسي فهو من جهة يدين تحركات الأمين العام السابق للأمم المتحدة و مبعوثه الشخصي كريستوفر روس عندما حاولا تحريف مسار الحل السياسي و العودة بالملف لما قبل سنة 2007 أي السنة التي طرح فيها المغرب مبادرته السياسية، حيث يظهر جليا ذلك من خلال تأكيد البلاغ على عزمه إحياء المسلسل السياسي بروح و دينامية جديدتين، مع ما يعني ذلك من الدفع في اتجاه إعطاء معنى قانوني و سياسي جديدين لتقرير المصير، الذي تختزل سابقا في استفتاء تقرير المصير، بمعنى أن الحل السياسي الذي اقترحه المغرب يشكل هذا المعنى الجديد و هذا القصد من خلال دفع الأمم المتحدة إلى إعطاء معنى جديد لمفهوم تقرير المصير التي وضعت بذلك الاستفتاء وراء ظهر مجلس الأمن و خارج رؤيته للحل السياسي، و يؤكد اقتناع الأمم المتحدة بضرورة إعطاء روح للحل السياسي من خلال هذه المقاربة الجديدة و هذه الرؤية التي ستؤطر عمل المبعوث الشخصي و قرار مجلس الأمن و سيؤكد على عودته للأخذ بجدية للحل السياسي المغربي الذي يعتبر الحل المجسد لتقرير المصير و لمعناه السياسي و الديموقراطي، و لربما اقتران دعم المبعوث الشخصي بهذه الاشارة و هذا الإعلان الواضح لتبني مجلس الأمن لفكرة الحل السياسي المتفاوض بشأنه الذي سبق لمجلس الأمن أن قدم هذا الوصف للحكم الذاتي واصفا إياه بالجدي و ذي المصداقية، أي الجمع بين هذين الفكرتين هي اعلان على أن دعم عمل و تحركات هانس كوهلر تأتي في هذا الإطار و ضمن هذه المرجعية و الرؤية الواضحة لتبني فكرة الحل السياسي كإطار مرجعي لأي تحرك و لأي خطة حل مستقبلية.
ثانيا: البلاغ أعلن بشكل صريح عن رفض الأمم المتحدة لأي تحرك لتنظيم جبهة البوليساريو و مليشياته العسكرية داخل المتطقة العازلة، إذ أكد على ضرورة عدم المس بالوضع الحالي ميدانيا ليس فقط في الكركارات التي تعتبر ضمن المنطقة العازلة، بل حذر من أي تغيير في كل المنطقة العازلة، و عندما يتحدث مجلس الأمن عن جل المنطقة العازلة فهو يقصد مختلف التحركات التي تقوم بها الجبهة في تيفاريتي و بئر لحلو بشكل خاص حيث صدر قبل أيام قليلة قرار بتحريض و توجيه من الجزائر بنقل بعض ”المنشآت” المليشياتية لمنطقة بئر لحلو من خلال خطة تهدف من وراءها الجزائر إلى نقل ساكنة المخيمات لهذه المنطقة للتخلص من الضغط و الإدانة الدولية على حمايتها و صمتها للخروقات اليومية الحقوقية التي تتم بالمخيمات خاصة منها رفضها إحصاء سكان المخيمات، و هو ما تفطن له مجلس الأمن سواء من خلال تأكيده على عدم تغيير الوضع الحالي او من خلال إشارته القوية لقرار مجلس الأمن الصادر في ابريل الماضي و الذي أدان تحرك الجبهة في الكركارات و كان قد طالبها بالانسحاب الفوري منها، وهو ما استجابت له البوليساريو بشكل مهين و مذل، مبررة إياه داخل المخيمات بإعادة الانتشار ليتحول لمجال للتنكيت و الإدانة داخلها لقيادة الجبهة، ومجلس الأمن عندما يذكر بهذا القرار فهو يذكر بالإدانة الأممية للبوليساريو و يعلن عن عدم تساهله معها و مع أي محاولة لتغيير الوضع الحالي، إذ أن تغييره يشكل خرقا سافرا و واضحا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي جعل هذه المناطق، مناطق عازلة لتفادي أي تماس عسكري بين طرفي الاتفاق و للحفاظ على السلم بالمنطقة، و هو ما تجسد من خلال رفض المبعوث الشخصي الكندي الذي زار المخيمات مؤخرا استقباله في بئر لحلو، و كان هذا تجسيدا قبليا لهذا الموقف.
ثالثا: مجلس الأمن ذكر بكونه هو المسؤول الأول على الملف، و أنه هو المعني بالحل و بالتوصل إليه، إذ أشار إلى أن أية عملية سياسية لن تتم إلا تحت إشرافه المباشر، و هو بذلك يجيب على مختلف الدعاوي التي تريد إقحام الاتحاد الإفريقي لتتحول كطرف في الملف و هو ما رفضه المغرب في إبانه و زكاه اليوم مجلس الأمن من خلال هذا الرفض الواضح لتغيير مسار الوصول للحل السياسي و تحويله من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأفريقي أو الاتحاد الأوروبي التي تظل كيانات للتكتل الإقليمي و ليس لمباشرة هكذا نزاع خاصة و أن أي تغيير في أطرافه سيتسبب في إجهاض التراكم الذي تحقق داخل مجلس الأمن و قد يؤثر على مقاربتها التي أعلنت عنها و حددت رؤيتها للحل السياسي منذ أن أقر بجدية و مصداقية الحل السياسي الذي تقدم به المغرب، و تم التأكيد عليه في قرار مجلس الأمن السابق و في هذا البلاغ ، و هو إعادة تأطير تحركات هانس كوهلر الذي أراد توسيع دائرة اللقاءات التي نظمها لتتسع و تشمل الاتحاد الإفريقي و هو ما هلل له البوليساريو آنذاك قبل أن يخرج مجلس الأمن في هذا التوقيت الغير الاعتباطي ليضع النقط على الحروف و يؤكد أنه غير معني بأي لقاء خارج الأطراف المعنية به مباشرة على رأسها الجزائر ، و هنا تجدر الإشارة إلى الوصف الذي قدمه لمختلف التحركات الأخيرة لهانس كوهلر حيث اعتبرها لقاءات ثنائية، و هو نفسه ما أكد عليه المغرب قبل توجهه للشبونة للقاءه على اعتبار أن الأمر لا يتعلق بمفاوضات بل بلقاءات تشاورية ثنائية أكد فيها المغرب على رؤيته للحل و لمستقبل النزاع الذي جاء في أغلبه متطابقا مع ما أعلن عنه مجلس الأمن في بلاغه ليؤكد أن المغرب على الصعيد الرسمي يسير بثبات لدعم وجهة نظره و اتساع رقعة الدعم الذي تحضى به نظرا لواقعيتها و لأنها تعطي معنى ديموقىاطي و سياسي لتقرير المصير متجاوزة القراءة الكلاسيكية لفكرة تقرير المصير التي اختزلها الخصوم في الإستفتاء الذي أصبح اليوم متجاوزا بفعل مختلف التطورات التي عرفها الملف.
هذا البلاغ بقوة مضامينه و وضوح لغته و مصطلحاته سواء القانونية منها أو السياسية يؤكد على أن رؤيته تتطابق مع رؤية المغرب التي راكمها منذ سنة 2007 و أنها صمدت في وجه كل المحاولات التي عمل فيها خصوم المغرب الحقيقيون ” الجزائر” من أجل الحفاظ على الوضع الحالي، وضع اللاحل إذ تأكد للجميع أننا امام طرفين الاول و هو المغرب يبادر ز بقدم النقترحات السباسية لانهاء معاناة ساكنة المخيمات و طرف يستغل الوضع الحالي لدفع الملف للمزيد من التأزيم و المزيد من الاحتقان.