«إيتا، المنظمة الاشتراكية الثورية الباسكية للتحرير الوطني، تريد إخبار الشعب الباسكي بنهاية مشوارها بعدما صادق مناضلوها على مقترح إنهاء المرحلة التاريخية ومهمة المنظمة»، بهذه الفقرة الأولى من البيان التاريخي أعلنت إيتا المسلحة أمس الخميس حل نفسها بعد عقود من الاغتيالات والتفجيرات في إسبانيا.

وتضمن البيان الخطوات التي أقدمت وستقدم عليها المنظمة، ومنها حل جميع بناها التنظيمية ووقف جميع أنشطتها السياسية، وطالبت أعضاءها السابقين باستمرار النضال السلمي في هيئات سياسية أخرى وفق قناعاتهم وبكل مسؤولية.

ويبرز البيان أن «إيتا جاءت في سياق معاناة بلد الباسك من براثن الفرانكوية (نظام الجنرال فرانسيسكو فرانكو) والدولة التي أعقبته، والآن بعد ستين سنة، هناك شعب حي يريد أن يمتلك مستقبله بفضل العمل المحقق ونضال عدد من الأجيال».

ويعتبر البيان منعطفا تاريخيا في حياة اسبانيا السياسية خلال العقود الأخيرة، واستقبلته الحكومة المركزية في مدريد بتحفظ. وقال رئيس الحكومة ماريانو راخوي إن ما قامت به «إيتا» هو بروباغندا، وهذا لا يعني إفلاتها من العقاب القانوني عن الجرائم التي ارتكبتها. وتترقب باقي الأحزاب السياسية الوضع، بينما قال حزب بيلدو الذي يوصف بالجناح السياسي للمنظمة، إن البيان يعتبر تاريخيا، مطالبا بإجراءات من طرف الدولة الإسبانية ومنها العفو عن باقي الملاحقين وتقريب معتقلي «إيتا» إلى مدن بلد الباسك شمال اسبانيا.

ويوجد رهن الاعتقال حاليا المئات من أعضاء منظمة «إيتا»، ويطالبون بتقريبهم من سجون بلد الباسك، كما يوجد أكثر من مئة ملاحقين من طرف القضاء الإسباني. ورغم تشدد الدولة الإسبانية في هذا الملف، فقد تتبنى إجراءات تسهيلية لتفادي ظهور حركات يسارية مسلحة في هذا البلد. وتؤكد حكومة الحكم الذاتي في بلد الباسك أن اسبانيا اعتقلت 40 ألف شخص بتهمة الانتماء إلى «إيتا»، بينما يؤكد تقرير على اعتقال عشرة آلاف فقط ما بين 1960 إلى 2013.

وتأسست «إيتا» وتعني بالباسكية «الشعب الباسكي والحرية» سنة 1958 مطالبة باستقلال بلد الباسك عن اسبانيا، وبدأت مسيرة العنف والإرهاب يوم 17 تموز/ يوليو 1961 بإخراج قطار عن سكته في سان سيباستيان كان يسافر على متنه عدد من أنصار الجنرال فرانكو الذي حكم البلاد ما بين سنتي 1939-1975، ولكنها بدأت عمليات الاغتيال يوم 7 حزيران/يونيو 1968 باغتيال ضابط في الحرس المدني (الشرطة العسكرية) لتستمر في سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات بلغت 853 قتيلا، أبرزها اغتيال رئيس الحكومة الإسبانية كريرو بلانكو خلال كانون الأول/ ديسمبر 1973. وكانت «إيتا» تتمتع بشعبية كبيرة في بلد الباسك، لكنها تراجعت خلال العقد الأخير، حيث يرفض أغلبية الباسك استمرار هذه المنظمة.
واختلف تعاطي الغرب مع هذا التنظيم، فقد أدرجتها الولايات المتحدة مثلا في لائحة المنظمات الإرهابية سنة 2002 أي بعد تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، بينما قبل هذا التاريخ كانت حركة مسلحة ذات طابع سياسي يتم التسامح معها. وأعلنت «إيتا» التخلي نهائيا عن استعمال السلاح خلال أغسطس/آب 2011.

ومن شأن إعلانها حل نفسها منح الأحزاب القومية التي تطالب بانفصال بلد الباسك عن اسبانيا شحنة كبيرة بعدما شكلت عائقا أمام مشاريعهم السياسية بسبب الإرهاب. ويطالب أغلب سكان بلد الباسك ومن المدن الشهيرة سان سيباستيان وبيلباو بالاستقلال عن اسبانيا.

وبإعلان «إيتا» حل نفسها، تكون اسبانيا قد دخلت منعطفا سياسيا جديدا، وتكون أوروبا قد شهدت نهاية آخر منظمة مسلحة.