د. حسين مجدوبي:
كشفت شركة كاسبرسكي الروسية المتخصصة في محاربة التجسس الرقمي والفيروسات، عن وجود نظام تجسس جديد يحمل اسم زوبارك، يستطيع الاطلاع على مضمون مكالمات ومراسلات واتساب، وكالعادة، قامت معظم الدول العربية من المحيط مثل المغرب إلى الخليج مثل الإمارات والسعودية بشراء هذا النظام التجسسي.
ولم تقدم كاسبرسكي الكثير من المعطيات حول نظام التجسس هذا، باستثناء استهدافه مستعملي برنامج أندرويد في الهواتف النقالة. ويعترف خبراؤها بمحدودية تأثير هذا النظام في التجسس بشكل كبير على الهواتف النقالة. وطرح خبراء كاسبرسكي التجسس من باب الاحتمال الكبير، وليس من باب اليقين والتأكيد. والمتعارف عليه أن نظام واتساب للاتصالات أو التواصل والمراسلة من أعقد البرامج المشفرة، ولا يتفوق عليه سوى القليل من برامج التواصل، وعلى رأسها سينيال، هذا الأخير الذي لم يحظ بعد بانتشار واسع حتى الآن، خاصة في العالم العربي، رغم توصية العميل الهارب من وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن باستعماله والتخلي عن باقي البرامج.
وعملية فك شيفرات برامج التواصل والدردشة ليست بالعمل السهل، وتعجز دول ذات باع كبير في العالم الرقمي في حل شيفرة واتساب أو برامج أخرى. وتعتبر الصين رائدة في التجسس الرقمي، وتتحدى الولايات المتحدة في هذا الشأن، ولكنها تقف حائرة أمام برامج التواصل، وهو ما أدى بها الى منع استعمال واتساب ضمن برامج أخرى. وتتوفر إيران على تجربة مهمة في هذا المجال، لكنها فضلت حظر استعمال تلغرام بعدما عجزت عن التجسس على مستعمليه. ورغم اقتناء دولة الإمارات العربية كل برامج التجسس، فهي تقف عاجزة أمام مستعملي نظام الشبكة الافتراضية الخاصة VPN وهو برنامج مجاني في شبكة الإنترنت ويناور أغلبية برامج التجسس، فأقدمت هذه الدول الخليجية على منع تحميله، وتبني عقوبات سجنية ومالية في حق كل من يثبت في حقه استعمال هذا البرنامج.
وهذه البرامج هي من المميزات الإيجابية التي حملتها شبكة الإنترنت، وبقدر ما تبدو نعمة على الشعوب، فهي نقمة على الأنظمة، خاصة تلك التي تستمر في انتهاك حقوق شعوبها ومنها خصوصيات الفرد والجماعة. ويكفي الاطلاع على التغييرات الاجتماعية التي تساهم فيها هذه البرامج إلى جانب شبكات التواصل مثل الفيسبوك لمعرفة دورها الكبير الذي سيتضح مع السنوات المقبلة.
وهكذا، فقد كشفت شركة كاسبرسكي عن لائحة من الدول العربية ضمن زبائن الشركة التي صنعت نظام التجسس زوبارك. ولا تحمل اللائحة أي مفاجأة بحكم قيام الدول غير الديمقراطية بالبحث عن كل السبل لتحويل بلدانها إلى أشبه بالضيعة، التي جاء ذكرها في رواية «1984» لجورج أورويل. لكن هذه الدول خاصة العربية منها تعتبر غبية للغاية لسببين وهما:
في المقام الأول، الدول المتقدمة لا تعتمد على برامج تجسس أجنبية، بل عادة ما تعمل على تطوير البرامج الخاصة بها بنفسها، فهي تخشى من عدم التحكم في البرامج الأجنبية. ولهذا، تجد معظم الدول تقوم بتطوير برامج مضادة للفيروسات والتجسس الرقمي والإلكتروني من صنع خبرائها، وتمنع استعمال برامج أجنبية. ومن ضمن الأمثلة، تعتبر إسرائيل متطورة في عالم التجسس الرقمي، لكن كل الدول الغربية ترفض شراء برامج منها. وفي مثال آخر، منعت كل الدول الغربية تقريبا على مؤسساتها استعمال نظام كاسبرسكي المضاد للفيروسات تحت ذريعة استعمال المخابرات الروسية للمعطيات التي يتم الحصول عليها من طرف مستعملي هذا البرنامج.
في المقام الثاني، الدول العربية التي تقتني برامج التجسس، لا تتوفر على خبراء لتغيير الشيفرة المعمول بها، وبالتالي تقع ضحية التجسس من طرف الدول التي تقف سرا وراء الشركات التي تبيع هذه البرامج. وتبقى قمة الغباء أنه في الوقت الذي تقوم فيه الأنظمة العربية بالتجسس على مواطنيها، تكون هي كذلك عرضة للتجسس من طرف هذه الشركات من خلال البرامج نفسها التي باعتها إياها.
وعلاقة بالنقطة الأخيرة، تعتقد الدول العربية أن الشركات المتخصصة في التجسس الرقمي ستبيعها البرامج المستقلة تماما، التي لا يمكن التحكم فيها. هذا الاعتقاد هو سذاجة حقيقية، لأن بيع برنامج التجسس بكل شيفراته كنظام مستقل يتعارض مع قوانين كل الدول المتقدمة، فهو يدخل في خانة تفويت التكنولوجيا التي يعاقب عليها بالسجن والغرامة.
ولا توجد أي دولة عربية تتحكم في أمنها الرقمي، بل كلها مخترقة من طرف الاستخبارات الكبرى، كما لا توجد أي دولة عربية تسيطر أو تطلع على برامج التواصل من نوع واتساب وسينيال وتلغرام، فهي لا تتوفر على القدرة، رغم أن استخبارات هذه الدول العربية تروج لقدراتها الرقمية لتهريب الناشطين السياسيين والإعلاميين والمجتمع المدني. ونسوق مثال دال في هذا الشأن: تعتبر الشركة الإيطالية Hacking Team رائدة في التجسس في الإنترنت، وباعت برامج لمعظم الدول العربية، لكن خلال يوليو 2015، قام ناشطون باختراق هذه الشركة نفسها ونشر فواتيرها المالية، ومنها فواتير بعض الدول العربية وكل محادثاتها.
الكثير من دول العالم تسير نحو إنشاء برامج تواصل رقمي خاصة بها للحفاظ على أمنها القومي، نظرا لما تشكله الإنترنت والتواصل الرقمي من أهمية في الوقت الراهن، خاصة المستقبل. لكن الأنظمة العربية لن تسير في هذا الركب، فهي لم تدعم البحث العلمي واكتفت باستيراد كل شيء من الخارج.