شطاري-متابعة:
في وقت تتسارع فيه وتيرة التحولات الدولية والإقليمية، قام وزير الخارجية والتعاون هذا الأسبوع بجولة قادته إلى عواصم تعتبر بمثابة مجالات جديدة للدبلوماسية المغربية. بوريطة زار كلا من صربيا، في قلب منطقة البلقان الحسّاسة، إلى جانب رومانيا وبلغاريا.
المعركة الدبلوماسية للمغرب لحماية وحدته الترابية هيمنت على هذه الجولة الأولى من نوعها لوزير خارجية مغربي منذ 15 عاما، حيث كرّس المغرب اختراقه لمنطقة البلقان، والذي كان قد استنفر الجزائر شهر مارس الماضي، كما أسفرت الجولة عن تبادل براغماتي للمصالح، خاصة مع رومانيا الساعية إلى ضمان دعم المغرب في ترشيحها لعضوية مجلس الأمن الدولي، والمقبلة على ترؤس مجلس الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من العام المقبل.
المحطة الأولى في جولة بوريطة كانت العاصمة الصربية بلغراد، حيث تأكد حصول المغرب على موقف صربيا الجديد في ملف الصحراء، والذي كانت قد أعلنته شهر مارس الماضي مثيرة استنفار الدبلوماسية الجزائرية. الرئيس الصربي، ألكسندر فوسيتش، جدد تأكيده يوم الثلاثاء الماضي خلال استقباله بوريطة، للوحدة الترابية للمغرب. جل المسؤولين الصرب، الذين التقى بهم بوريطة خلال هذه الزيارة، أكدوا الموقف نفسه، داعمين بذلك جهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي وسلمي لنزاع الصحراء. وزير الخارجية الصربي إيفيكا دازيتش، قال في تصريحات للصحافة بعد لقائه بوريطة، إن البيان المشترك الذي صدر يتضمن دعما متبادلا للوحدة الترابية للبلدين. فيما نقلت وكالة الأنباء الصينية، شينخوا، عن بوريطة قوله إن المغرب لم ولن يعترف باستقلال إقليم كوسوفو عن صربيا، وهو الاستقلال المعلن من جانب واحد ولا تعترف به بلغراد. بوريطة أوضح، حسب المصدر نفسه، أن المملكة تتفهم قلق صربيا تجاه التهديدات المحدقة بوحدتها الترابية، وأن المغرب يرفض أي قرارات أحادية.
الدخول القوي للمغرب إلى قلب البلقان عبر صربيا، كان قد برز شهر مارس الماضي، حين أدلى النائب الأول للوزير الأول ووزير الشؤون الخارجية بجمهورية صربيا “إيفيكا دازيتش”، بتصريحات خلال زيارته للمغرب، لمح فيها إلى تغير في موقف “بلغراد” من الصحراء، إذ قال خلال ندوة صحافية بالرباط، عقب لقائه برئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، إن المغرب وصربيا يشاركان وجهات النظر نفسها بخصوص “أهمية احترام الوحدة الترابية للدول”، وأشاد بالمقاربة المغربية في التعاطي مع نزاع الصحراء، والتي وصفها بـ”الجدية.”
تصريحات أزعجت الجزائر حينها، والتي سخرت آلاتها الإعلامية للاحتجاج على تصريحات المسؤول الصربي، قبل أن تخرج وزارة الخارجية الصربية ببيان، يوم 20 مارس للتوضيح. البيان قال إن “التصريحات التي نُقلت عن إيفيكا دازيتش في التقارير الإعلامية الأجنبية حول موقف صربيا من الصحراء الغربية قد فُهمت بطريقة خاطئة وأُسِئَ تأويلها، مضيفا”، أن “موقف الجمهورية الصربية من النزاع يبقى ثابتا، ويستند إلى أحكام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”. وبالرغم من صدور هذا البلاغ، قرر رئيس الدبلوماسية الجزائرية “عبدالقادر مساهل” التوجه بشكل مستعجل إلى العاصمة الصربية بلغراد، يوم السبت الماضي، من أجل لقاء الوزيرة الأولى الصربية “أنا برنابيتش”، في خطوة لاحتواء أي تغيرات محتملة في موقف صربيا من الصحراء. فيما كانت برنابيتش أواخر السنة الماضية، في صدارة الضيوف الكبار لمنتدى فكري نظمه مركز المكتب الشريف للفوسفاط بمدينة مراكش.
ثاني أبرز المحطات التي شملتها جولة بوريطة هذا الأسبوع، كانت العاصمة الرومانية بوخاريست. هذه الأخيرة سوف تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من السنة المقبلة، كما تسعى إلى الترشح لعضوية مجلس الأمن الدولي ضمن الأعضاء غير الدائمين. وكالة الأنباء الرومانية عنونت مقالا خصصته لهذه الزيارة، بالقول إن “أصوات” المغرب ستدعم ترشح رومانيا لعضوية مجلس الأمن الدولي. دعم عبّر عنه بوريطة بالقول إن المملكة معجبة بالدور الذي تلعبه رومانيا على المستويين الإقليمي والدولي. وحرص بوريطة على التذكير بكون المغرب هو الشريك الاقتصادي الأول لرومانيا في إفريقيا والعالم العربي. فيما وعد وزير الخارجية الروماني بجعل دعم التنمية في منطقة المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، ضمن أولويات الاتحاد الأوروبي خلال فترة رئاسة بلاده لمجلسه.
المحطة البلغارية صوفيا شهدت بدورها العزف على اللحن نفسه، حيث عبّر البيان المشترك الصادر في نهاية زيارة بوريطة، عن تقدير بلغاريا للجهود التي يبذلها المغرب، والرامية إلى إيجاد حل سياسي ومستدام لقضية الصحراء المغربية. وأضاف البيان أن “بلغاريا تدعم البحث عن حل مستدام ومنصف” لهذا النزاع الإقليمي عن طريق المفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة، ووفقا لقرارات مجلس الأمن، وهي العبارات التي تضمن الحد الأدنى من الحياد الذي يحمي المصالح المغربية.