شطاري-العيون:
– ما قبل الجائحة.. إستيعاب للمشهد الجهوي
“جيت طالب ضيف الله”، جملة أربكت المشهد الجهوي لعيون الساقية الحمراء، وبعثرت الأوراق وأعادت النظر في استراتيجيات الولاة الذين تعاقبوا على رأس ولاية العيون.
كان وقعها قويا على الساكنة كما السياسيين، كيف لا والذي نطقها “عبد السلام بيكرات” والي الجهة الجديد الذي خلف” يحضيه بوشعاب” بأوامر ملكية.
قدم “عبد السلام بيكرات” من أم الوزارات بعد مسار محترم في عديد الأقاليم، ليطفئ بجملة واحدة لهيب النار المشتعلة في الإقليم الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانفجار بسبب تردي الأوضاع المعيشة للساكنة، والتي سببها تعاقب مسؤولين جسدوا مقولة ‘أنا وبعدي الطوفان’.
جملة جعلت الجميع يتوقف، ولتتوقف لحظتها عجلة الزمن عن الدوران لانتظار ما سيقدم عليه الرجل، فقد أبدى حسن نية في أول امتحان شفهي، لم يسبقه إليه أحد في فن التواصل والخطابة.
بدأ الرأي العام بجهة العيون الساقية الحمراء ينتظر ما سيسفر عنه التعامل الجديد للوالي الجديد، وهو يتدارس واقع الأمر بروية وهدوء، كما يؤكد مقربون منه، فكان حسن التواصل والإنصات وعدم وضع حواجز بينه والمواطنين ديدنه بعد أسابيع قليلة من قدومه.
– إعلان حالة الطوارئ.. حكمة وتبصر
منذ إعلان المغرب عن حالة الطوارئ الصحية يوم 19 مارس الماضي، اتخذت السلطات المحلية بجهة العيون الساقية الحمراء كما باقي جهات المملكة حزمة من الإجراءات والتدابير لضمان تطبيق حالة الطوارئ الصحية للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا كوفيد 19 حماية للمواطنين من هذا الوباء الفتاك.
ولم يقف “عبد السلام بيكرات” حينها مكتوف الأيدي، بل عجل بتقييد الحركة في الجهة ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس على الساعة السادسة مساء، للإبقاء على الفيروس تحت السيطرة، وهو ما جنت الجهة ثماره لتصمد أسابيع طويلة في وقت يتساقط فيه المصابون بمختلف أقاليم المغرب.
استنهض والي الجهة همم المسؤولين والمتدخلين في مختلف القطاعات تحسبا لأي طارئ، فالفيروس ماض ويتمدد بالمملكة رغم الإجراءات الاحترازية الاستباقية.
وفي خضم حالة الطوارئ، أشرف “بيكرات” شخصيا على تتبع مستجدات الحادث، وأوضاع الساكنة من خلال جولات يومية بين الأزقة والشوارع، ليقف على مدى إلتزامها بقرارات الرباط التي جسدها بحكمة منقطعة النظير، وبسلاسة جعلت الشارع يستوعب مدى خطورة الوضع دون تخويف ولا ترهيب.
– كورونا بالجهة.. شد الهمم
بعد صمود طويل، تشاء الأقدار أن يعلن عن أول إصابة بفيروس كوفيد 19 بإقليم بوجدور التابع لجهة العيون الساقية الحمراء.
وقع الصدمة على الساكنة لم يكن بالأمر الهين، فالتاجر المصاب القادم من إحدى المدن شمالا سرا، رغم قبضة الحديد على الحدود، له مخالطين، وهو ما عجل بنقله لتلقي العلاج اللازم بمستشفى مولاي الحسن بالمهدي بالعيون.
منذ تلك اللحظة، شدت الهمم وتضاعفت المجهودات وتكاثفت الأيادي، فعدد المصابين وصل الأربعة والمخالطين لا يعد ولا يحصى..
بدأت “التحليلات المخبرية” تتوالى، والنتائج سالبة في سالبة، والأطباء يسابقون الزمن لهزم الفيروس، وهو ما تأتى لهم بعد جهد جهيد وثقة عالية وبإمكانيات حضرت مسبقا تحسبا لأي طارئ.
إصابة ثانية لسائق سيارة أجرة بعثرت الأوراق من جديد بمدينة العيون بعد الشفاء التام للحالات الأولى، لكن إخضاعه مسبقا لفترة الحجر الصحي، جنب المدينة كارثة كبرى، فعدم وجود مخالطين له سهل مأمورية الأطقم الطبية المرابطة في الصف الأول، لتتفرغ له، وتعلن جهة العيون الساقية الحمراء خلوها من أية إصابة، منتصرة على الفيروس.
– في عمق الأزمة.. المواطن أولا
لم تبقى جهة العيون الساقية الحمراء نشازا عن باقي مبادرات الدولة التي همت مختلف الجهات والأقاليم إبان حالة الطوارئ الصحية، فالمواطن الضعيف كان الأولى بمبادرات اجتماعية وإنسانية بالدرجة الأولى، حتى خيل إليه أن الأمر تجاوز التضامن في عز الأزمة بعد عديد القرارات الحاسمة التي لامست معيشه اليومي.
وقف والي الجهة هنا على كل صغيرة وكبيرة تهم المواطنين، ليصل لكل ذي حق حقه، حتى تضاعفت الاستفادة من صندوق جائحة كوفيد وصولا إلى دعم مجلس الجهة، ومبادرات هيئات المجتمع المدني والمتطوعين..
ملايين الدراهم وآلاف القفف خففت من الأضرار الناجمة عن توقف البسطاء من العامة عن العمل، ووصلت منازل من لا عمل لهم ولا أجرا.
إجراءات أعادت للأذهان الجملة الأولى لوالي الجهة خلال حفل تنصيبه “جيت طالب ضيف الله”، فتعالت الدعوات له بالنصر والتمكين وبالنجاح في القادم من المهمات.
– تخفيف الحجر الصحي.. تنفس الصعداء
بعد حزمة الإجراءات الاستباقية والقرارات الفعالة التي أقدم عليها والي جهة العيون الساقية الحمراء “عبد السلام بيكرات” خلال أشهر الأزمة، كان من المتوقع والطبيعي أن تنفرج بوادرها، لاسيما بعد تصنيف الجهة ضمن المنطقة 1 في بلاغ مشترك لوزارتي الداخلية والصحة.
تموقع الجهة ضمن المنطقة 1 غير الخطيرة، جعل من “بيكرات” أن يعجل بالرفع التدريجي للحجر الصحي ليلة الخميس الماضي، مع احترام باقي الإجراءات، لتتنفس الجهة الصعداء وتخرج الساكنة أفواجا أفواجا لاستنشاق هواء النصر والحرية، مع الأخذ بعين الاعتبار الحيطة والحذر في كل خطوة يخطونها.
و لتمتلئ الشوارع والفضاءات العمومية بالمارة، ويعود التجار إلى ممارسة أنشطتهم بشكل طبيعي.
– ما بعد كورونا.. إعادة ترتيب الأولويات
يتجسد هنا المثل القائل “رب ضارة نافعة”، ولعل أزمة الفيروس الذي ضرب البلاد والعباد، ستعجل بتغييرات جمة، لإعادة ترتيب أولويات الدولة.
فالفجوة التنموية بين العالمين، المتقدم والنامي، قد بدأت فى التناقص نتيجة لانخفاض انتشار كورونا وانخفاض كلفته الاقتصادية لاسيما عندنا مقارنة بالعالم المتقدم كما يصفونه.
هذه المتغيرات توفر فرصة نادرة لصياغة نظام عالمي جديد أكثر عدلا؛ إذ أن التفاوض فى هذه الحالة لن يكون بين منتصر ومهزوم، كما كانت الحال عند صياغة النظام العالمي الحالي، بل سيكون بين مهزوم ومهزوم جدا. هذا الوضع يوفر فرصة نادرة لنا بالمملكة.
وهذا التفاوت بين العالمين المتقدم والنامي يمكن إسقاطه أيضا على مختلف جهاتنا شرقية كانت أم غربية، شمالية أو جنوبية.
ولعل والي الجهة المتمرس سياسيا وإداريا يدرك تمام الإدراك ما عليه فعله خلال المستقبل القريب، فخصوصية المنطقة وواقع أهلها الاجتماعي أعمق من أي تحليل، فهم أهون للسماع والتواصل والتطبيق وأقوى من أي متاجرة بمعاناتهم.
