د. محمد سالم بداد:
يتوهم المتابع لما يقع في عالمنا الافتراضي في الآونة الأخيرة أنه حرب للكل ضد الكل، لكنه في الحقيقة ليس سوى حربا للآنا الدنيء ضد الآنا الطموح، أو كما نقول بالحسانية: “حرب بين حد يخرص عند افريسناتو وحد يخرص بعييد”،
لاحظنا مؤخرا حركة هنا وحركة هناك، مناضل هنا ومناضل هناك، لقطات متلفزة لاحتجاجات, وسيول من التسجيلات الصوتية والتهديدات في اطار” تجمعات” لا يتعدى أثيرها مجال الفضاء الاخضر (الواتساب) ، كلها هذه الحركات أو التحركات إن صح التعبير تسعى فقط لاثبات الوجود، والفعل والتأثير في قضية الصحراء.
يقودنا هذا الواقع الافتراضي طبعا لمجموعة من التساؤلات الفرعية من قبيل:
من يقوم بهذا ؟ ولصالح من ؟ وأي هدف معلن لها؟ وأي هدف مبطن؟ ومن المستفيد منها؟ ومن المتضرر؟ وهل هناك فعلا حراك؟ وهل لهؤلاء وجود على أرض الواقع أم أننا أمام المقولة العربية ” اسمع جعجعة ولا أرى طحين” ؟
كل هذه الأسئلة وغيرها ليس لها من مفتاح سوى أن نحدد الفاعلين المفترضين، ونفترض وجودهم لعلنا نجيب عن السؤال المحوري:
ماذا يقع في “ساحة المعركة الافتراضية” ؟
من عادتنا في الكتابة أن نبتعد عن الشخصنة لأننا ندرس الظواهر في شموليتها ولا ندرس الأشخاص لذواتهم او انتماءاتهم أو ولاءاتهم سياسية كانت أو إثنية.
لكن رغبة منا في التوضيح أكثر للقراء الكرام نقوم بعملية تطبيقية حول حركة افتراضية لاحظناها مؤخرا ، وليست سوى نموذج لكثير من التحركات، نتناولها لإزالة الغموض فقط وليس لكونها أصل الظاهرة، أو أنها أكثر تأثيرا من شقيقاتها.
ظهرت مؤخرا حركة تدعي تمثيل الصحراويين وليست الأولى من نوعها، لكنها حملت هي الأخرى شعارا “نحن هم الصحراويين الحقيقيون ونحن من نمتلك التأثير الحقيقي، لذا على الجميع أن يعيد حساباتها و يعتبرنا نحن المخاطبين بالنزاع وليس من يدعي ذلك…”
نضع هذه الحركة قيد التحليل، في اطار الحرب الافتراضية الرائجة في الفضائين الأخضر والأزرق على منصات التفاعل الاجتماعي.
ونبدأ أولا بتحديد الفاعلين المركزيين في النزاع، وهما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو.
وعندما يظهر هاذان الفاعلان في أي معركة يكون الأمر مفهوما ومنطقيا ولا يثير ذلك حفيظة أي متتبع أو محلل. لأن قواعد الاشتباك كما هو معلوم لم تُفَكَ بَعْد.
لكن من غير المنطقي أن نجد معركة من نوع أخر يحاول فيها فاعلون غير رسميون من قبيل هذه الحركات المستحدثة في منصات التواصل الاجتماعي، أن يُوجِهوا بوصلة صناعة القرار خاصة لدى المملكة المغربية من أجل الاعتراف لهم بشرعية التمثيل.
فتظهر هذه الأدوات كما لو أنها في مواجهة البوليساريو ، شأنها شأن باقي التحركات التي تعمل لصالح المملكة المغربية. أو لصالح جبهة البوليساريو في اطار إدارتها لمرحلة اللاحرب واللاسلم في الجانب المقابل.
لكن الحقيقة هي شيء آخر تماما ، إنها ليست سوى “معركة الصغار لإثبات الوجود” في كل ضفة.
بدأت هذه المعركة داخل المغرب أولا، وسبق أن أشرنا في تدوينة سابقة لارهاصاتها عندما تحدثنا على “أن كل الأنظار في هذه الايام تتجه نحو الرباط لإثبات الولاء لها تحت شعارات:
” نحن هم الصحراويون المعول علينا . لأن ولاءنا ليس في إطار افكَايع على الجبهة ، أو نتيجة تقييم جديد لمعدل الربح والخسارة من العملية”
” لا تثقوا في من يدعون أنهم سكان اصليون للساقية الحمراء وواد الذهب ( تركة الاستعمار الإسباني) فولاء هؤلاء مذبذب”.
لكن سرعان ما انضاف إلى هؤلاء أقلية لا طالما أُحترِمَ تمثيلها داخل المكون الصحراوي سواء تحت الادارة المغربية او تحت سلطة البوليساريو وذلك لأهداف يعلمها صناع القرار في الطرفين جيدا، لكن ما زكاها وضمن لها الاستمرارية هو” كَبَرْ خِيمْ أهل الساقية الحمراء وواد الذهب، وحسن ظنهم بأهلهم، أغلبية كانوا أو أقليات” ، وليس صناع القرار بكل تأكيد.
يظهر اختلاف هذه التحركات عن غيرها في كونها تخاطب الفاعلين المركزين ليس من أجل دعم طرف منهم على حساب الآخر، في اطار الحرب الباردة بين بينهما، كما قد يظهر في أهدافها المعلنة لهذه التحركات.
لكن هدفها الحقيقي هو دعم جناح ضد جناح آخر داخل المنظومة الواحدة نفسها، يحدث ذلك داخل صناعة القرار قي كل ضفة، مع اختلاف في التأثير والأدوات والإمكانيات طبعا.
لأننا في حالة المغربية نتحدث عن صراع تيارات و جماعات ضاغطة وربما مؤسسات في بعض الاحيان، بينما في حالة البوليساريو فإننا نتحدث عن صراع أشخاص وتمثيليات داخل السلطة نفسها.
إن الهدف المبطن هو تعزيز مكانة وحظوة هؤلاء الأفراد او الجماعات داخل المنظومة التي يسترزقون داخلها، وليس خدمة النظام في حربه المعلنة.
عندما تكون الأهداف والوسائل غير مشروعة فمن الطبيعي أن يكون المتضرر هو الهدف المشروع بالنسبة للدولة وهو تحطيم الخصم.
لأن من ينتصر هو من يعرف ساحة المعركة جيدا، ويعرف خصمه ويعرف قدراته، و ليس شرطا أن يعترف له بها. لكن إن جهلها فإنه يخطو أول خطوة في اتجاه انهاء المعركة لصالح الخصم.
ينضاف إلى لائحة المتضررين المشاركون والفاعلون الثانويون الذين لا يدركون خيوط اللعبة، وينساقون خلف شعارات القبلية تارة والوطنية تارة والمصالح البارغماتية تارة أخرى، وكل هذه الشعارات بريئة من الهدف الحقيقي براءة الذئب من دم يوسف.
فلن يستفيد الوطن ولا القبيلة ولا العوام من أي حصاد مفترض، بل هم أول المتضررين، لأنهم سيعودون خطوات بل سنوات إلى الوراء، ليرمموا ما خلفه أصحاب الآنا الدنيء من خراب نفسي بالدرجة الأولى، في مواجهتهم ضد أصحاب الآنا الطموح الحالمين بغد أفضل لشعوبهم واوطانهم وعائلتهم و لأجيالهم قادمة.
هذا إن إفترضنا أن للجعجعة طحينا أصلا، وتجاوز صداها وتأثيرها منصات التواصل الاجتماعي.
وعلى رأي المثل الحساني ” يشوف الشيباني التاكي لما شاف العزري الواكَف”.
وعلى كل حال وعلى رأي المثل الحساني أيضا ” فارس من اركب اليوم”
يتبع…