شطاري-متابعة
أعلنت وكالة الأدوية البريطانية السبت أن سبعة أشخاص تلقوا لقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا توفوا بسبب جلطات دموية، من إجمالي ثلاثين حالة تم تسجيلها حتى الآن.
وقالت الوكالة إنها تلقت حتى 24 مارس تقارير عن 22 حالة تخثر دموي وريدي دماغي وثماني حالات أخرى لجلطات مرتبطة بنقص الصفائح الدموية من إجمالي 18,1 مليون جرعة تم إعطاؤها.
من جهتها، علقت هولندا الجمعة التطعيم بجرعات أسترازينيكا للذين تقل أعمارهم عن ستين عاما بعد خمس حالات جديدة بين النساء، توفيت إحداهن. واتخذت ألمانيا قرارا مماثلا في وقت سابق من الأسبوع الجاري.
ويفترض أن تعلن وكالة الأدوية الأوروبية التي ذكرت من قبل أن لقاح أسترازينيكا آمن، مثل منظمة الصحة العالمية، نصائح محدثة بشأن هذه المشكلة في السابع من أبريل.
وقالت وكالة الأدوية الأوروبية مجددا الأربعاء إنها تعتقد أن اللقاح آمن وأن الخبراء لم يجدوا أي عوامل خطر محددة مثل العمر أو الجنس أو التاريخ الطبي.
وأفادت الهيئة التنظيمية في بريطانيا أن التقارير الثلاثين عن تجلط الدم التي قدمها مسعفون أو أفراد من الجمهور عبر موقع إلكتروني حكومي، جاءت بعد إعطاء 18,1 مليون جرعة من اللقاح في البلاد.
ولم تعلن أي معلومات عن حدوث جلطات دموية بعد تلقي لقاح فايزر/بايونتيك.
وأكد جون راين مدير الوكالة في بيان أن “مراجعتنا الشاملة لهذه التقارير مستمرة”.
ومع ذلك يؤكد الموقع للهيئة أنه بناء على البيانات الحالية، ما زالت فوائد اللقاحات ضد كوفيد-19 “أكبر من أي مخاطر”.
تفسير مشاكل تخثر الدم
كيف يمكن تفسير مشاكل الدم الخطيرة والنادرة التي ظهرت على أشخاص تلقوا لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19؟ لا يزال هذا السؤال الملحّ دون إجابة قبل الاجتماع الجديد لوكالة الأدوية الأوروبية الأسبوع المقبل.
المشاكل التي لوحظت على بعض من طعّموا بلقاح أسترازينيكا ليست تخثرات عادية (تكوّن جلطات دموية) كما تم الإبلاغ في البداية، ولكنها ظاهرة “غير مألوفة للغاية”، وفق ما تؤكد وكالة الأدوية الفرنسية.
يتعلق الأمر بـ”جلطات في الأوردة الكبيرة، غير مألوفة في مكان وقوعها (الدماغ في الأغلب، ولكن أيضًا في الجهاز الهضمي)، يمكن أن تقترن بنقص الصفائح (الدموية) أو اضطرابات تخثر” مع حدوث نزيف، وفق الوكالة.
كان معهد بول إيرليش الطبي الذي يقدم المشورة للحكومة الألمانية، أول جهة أشارت منتصف مارس إلى “تراكم لافت لشكل محدد من الخثار الوريدي الدماغي شديد الندرة، مرتبط بنقص الصفائح الدموية”.
وفقا للمتخصصين، يذكّر ذلك بظاهرة تسمى التخثر المنتشر داخل الأوعية.
أوضح مؤخرا لوكالة فرانس برس أخصائي الأمراض المعدية أوديل لوناي، عضو لجنة لقاحات كوفيد التي أنشأتها الحكومة الفرنسية، أنها “متلازمات استثنائية للغاية، تظهر في حالات تعفن الدم الخطيرة” (التهابات شديدة) ويمكن أن تؤدي إلى “جلطات ونزيف”.
هل من رابط مع اللقاح؟
أكدت وكالة الأدوية الأوروبية الأربعاء أنه “لم يتم إثبات أي صلة سببية (مع اللقاح)، لكنها ممكنة ويتم حاليا إجراء تحليلات إضافية”. وستجتمع الوكالة مجددا للنظر في المسألة بين 6 و9 أبريل.
لكن أصدر مختصون آخرون في أنحاء أوروبا آراء أكثر قطعيّة.
وصرّح أندريه هولمي، وهو مسؤول في مستشفى أوسلو الوطني يعمل على هذه الحالات، في تصريح لتلفزيون “تي في2” النروجي في 27 مارس أنه “يجب أن نوقف التكهن بما إذا كان هناك ارتباط أم لا. جميع الحالات ظهرت عليها الأعراض بعد ثلاثة إلى عشرة أيام من تلقي لقاح أسترازينيكا. لم نجد أي عامل سببيّ آخر”.
وقال المسؤول الصحي النروجي شتاينار مادسن لفرانس برس “تقدّر وكالة الأدوية النروجية أنه توجد صلة محتملة باللقاح”.
وأكدت وكالة الأدوية الفرنسية في 26 مارس أن ذلك احتمال “نادر” بناءً على “الطبيعة غير النمطية لهذه الجلطات، وأعراضها السريرية المتشابهة والوقت المتقارب لظهورها”.
ما هو حجم التهديد؟
هذا هو السؤال الأساسي.
وفق الأرقام التي نشرتها وكالة الأدوية الأوروبية الأربعاء، أحصيت حتى الآن 62 حالة تخثر وريدي دماغي في العالم، 44 منها في 30 بلدا ضمن المنقطة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي وأيسلندا والنروج ولشتنشتاين) على 9,2 مليون جرعة لقاح مستعملة.
سجلت 14 وفاة، دون أن تُعزى دائما بشكل موثوق إلى الجلطات غير النمطية، وفق ما صرّحت مديرة الوكالة إمير كوك خلال مؤتمر صحافي عبر الانترنت الأربعاء.
وأوضحت الوكالة أن تلك المعطيات جزئيّة.
سجلت في ألمانيا 31 حالة يشتبه في إصابتها بالتخثر الوريدي الدماغي (19 منها مصحوبة بانخفاض في عدد الصفائح الدموية) وتسع حالات وفاة، وفق معهد بول إيرليش.
يمثل ذلك معدل حالة واحدة لكل 100 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا (استعملت 2,8 مليون جرعة).
أبلغ أيضا عن حالات في فرنسا (12 بينها أربع وفيات، من أصل 1,9 مليون جرعة وفق وكالة الأدوية الفرنسية)، وفي النروج (خمس حالات بينها ثلاث وفيات، من أصل 120 ألف جرعة) وكذلك في هولندا.
أما في المملكة المتحدة التي تستعمل لقاح أسترازينيكا على نطاق واسع، أعلن السبت عن 30 حالة بينها سبع وفيات، من بين 18,1 مليون جرعة مستعملة.
لكن كما هو الحال مع أي دواء، فإن معرفة المخاطر لا تكفي،إذ يجب مقارنتها بالفوائد التي يوفرها المنتج.
كررت الوكالة الأوروبية للأدوية الأربعاء موقفها الذي أعلنته في 18 مارس إثر رصد أولى الحالات، وقالت إن “فوائد لقاح أسترازينيكا في الوقاية من كوفيد-19 الذي يؤدي إلى حالات الاستشفاء والوفيات، تفوق مخاطر الآثار الجانبية”.
هل توجد عوامل خطر؟
حتى الآن، ظهرت معظم الحالات على أشخاص دون سن الخامسة والستين، وغالبيتهم نساء. لكن لا يمكن استخلاص أي استنتاج من ذلك، لأنه قد يكون نتيجة تطعيم الشباب به بشكل أساسي في بداية حملات التلقيح.
إضافة إلى ذلك، قد يكون ارتفاع نسبة النساء بين الحالات المبلغ عنها مرتبطا بكثرة استعمال اللقاح في تطعيم الموظفين الصحيين، وهي فئة ذات أولوية، ويكثر حضور النساء في أوساطهم.
وتعتبر وكالة الأدوية الأوروبية أنه “حتى الآن، لم تحدد الاختبارات أي عوامل خطر معيّنة لهذه الحالات النادرة جدا، مثل العمر أو الجنس أو التاريخ الطبي بما في ذلك مشاكل تجلط الدم”.
مع ذلك، وبعد الموجة الأولى لتعليق استعمال اللقاح منتصف مارس، قررت بعض البلدان عدم إعطاء هذا اللقاح لأشخاص دون سنّ معينة.
ألمانيا هي آخر الدول التي قررت الثلاثاء تقييد استخدام اللقاح لمن هم دون سنّ الستين، فيما علقت كندا استخدامه لمن هم دون سنّ الخامسة والخمسين. وكانت قد سبقتهما فرنسا (55 عاما) والسويد وفنلندا (65 عاما).
قالت عالمة الفيروسات في جامعة غوته في فرانكفورت ساندرا سيسيك في مجلة “ساينس”، “ليس لدينا لقاح واحد فقط، بل عدة لقاحات. لهذا السبب يبدو لي تخصيص أسترازينيكا لكبار السن أمر منطقي”.
واتخذت النروج والدنمارك خيارا أكثر جذرية من خلال تعليق استعمال لقاح أسترازينيكا بشكل كامل في الوقت الحالي.
ما هي الأسباب؟
لا نزال في مرحلة الفرضيات وهذه واحدة من النقاط التي يجب أن توضحها وكالة الأدوية الأوروبية.
في دراسة نُشرت على الإنترنت في 28 مارس، لم يتم تقييمها بعد من علماء آخرين، قارن باحثون ألمان ونمسويون المسألة بظاهرة أخرى معروفة.
وقال الباحثون الذين قادهم أندرياس غرينشر (جامعة غرايفسفالد) إن الظاهرة المرتبطة بلقاح أسترازينيكا “تشبه سريريا ضعف الصفائح نتيجة دواء هيبارين”.
وضعف الصفائح نتيجة هيبارين هو رد فعل مناعي غير طبيعي وشديد ونادر يحدث لدى بعض المرضى عند تلقي عقار هيبارين المضاد للتخثر.
وكان فريق في مستشفى أوسلو الوطني قد قدر في 18 آذار/مارس أن تلك الحالات يمكن تفسيرها بأنها نتيجة “استجابة مناعية قوية” تجاه اللقاح.
بدوره يعتبر تجمّع الأطباء والباحثين الفرنسيين الذي يحمل اسم “دوكوتي دو لاسيونس” (في صفّ العلم) أن الحالات ناتجة عن “رد فعل مناعي شديد”، ويطرح فرضية مبتكرة.
يعتبر التجمّع أنه من الممكن أن تكون نقطة البداية “الحقن العرضي للقاح في وريد في العضلة الدالية” (في الكتف).
ويضيف في منشور على موقعه الإلكتروني أنه “في ظل وجود عوامل لم يتم تحديدها بالكامل” فإن “الحقن الوريدي العرضي(…) من شأنه أن يولد رد فعل مناعي متباين”.