سعيد الراعي:
لا أحد يجادل اليوم، أن مختلف العلوم أضحت تقاس بدرجة نفعيتها للإنسان، وفعالية مقاربتها وبجودة نتائجها ومدى قابليتها للتطبيق، مما حتم على الباحثين في مختلف العلوم الانسانية الملائمة والتحيين المستمر لمواضيعهم، وتطوير أدوات اشتغالهم للمساهمة في إثراء النقاش العلمي، وتقديم اقتراحات ومدخلات للتنمية: عبر التشخيص، واقتراح سيناريوهات وبدائل تفيد في صيرورة اتخاد القرار…
وفي هذا الصدد، ومن موقعنا كباحثين في الشأن التنموي بالمغرب بصفة عامة، والمجالات الصحراوية الاطلنتية بصفة خاصة، قررنا مواكبة وإبداء الرأي في مجموعة من المشاريع التي يتم تسطيرها وانجازها بمجموع تراب الصحراء.
لكن قبل هذا، يجب البحث عن أدوات اشتغال تجمعنا وتوحدنا مع باقي المتدخلين خاصة أصحاب القرار الذي يعملون على برمجة وانجاز هذه المشاريع، وأكيد لن نجد عن مفهوم “التراب” بديلا باعتباره مفهوما اجرائيا، له مكانة مركزية داخل النموذج التنموي المتبع لدى جل دول العالم ومن بينها المغرب، فهو يشكل أرضية للتنسيق بين مختلف الفاعلين، وبين مختلف الاستراتيجيات، وبين مختلف مستويات التدخل، لإنجاز مشروع مجتمعي شامل يسعى أولا إلى تحقيق الرفاهية، والرفع من جودة الحياة لمجموع ساكنة هذا التراب بدون اقصاء أو تهميش، ثانيا يحترم الخصوصيات المحلية، ثالثا يضبط التحولات والتطورات الحاصلة، بعيدا عن التلقائية والعشوائية….
العشوائية هي ما يمكن أن نصف بها من “سهر” على انجاز أول مشروع لتهيئة كورنيش مدينة بوجدور. وحتى لا تتكرر الأخطاء السابقة، ومن موقعنا كمتخصصين في تقديم الخبرة لمثل هذه المشاريع، سنعمل من خلال هذا المقال على ابراز مختلف الاختلالات التي عرفتها التهيئة السابقة بهدف تجاوزها، ومحاولة الخروج بمجموعة من التوصيات آملين أن يتم تبنيها في المشاريع القادمة.
يعد مشروع إعادة تهيئة شاطئ مدينة بوجدور، من المشاريع التي أصبحت تستأثر باهتمام الرأي العام المحلي، منذ مدة ليست بالقصيرة، خصوصا في ظل الوضعية البيئية الحرجة التي آل اليها الشاطئ، حيث تحول من شاطئ رملي الى شاطئ صخري، ومن خلال التتبع الكرنولوجي لمورفولوجية الساحل، يظهر انه تأثر بشكل كبير من تداعيات التهيئة السابقة، والمسألة لن تستدعي جهدا كبيرا للتفسير: فشاطئ المدينة وفي ظل غياب أودية تغذي ميزانيته الرسابية (الرمال)، كانت جل وارداته من الرواسب قادمة من القارة باعتبارها ظهيره الخلفي، عن طريق الدينامية الريحية والكل بالمنطقة له دراية بنشاط هذا العامل وكفاءته في نقل الرواسب، لكن مع انجاز الطريق على طول الساحل، واقامة جدار عازل بمحاذاة البحر، حال دون اتصال الساحل بالقارة، وأضحت معه عملية تغذية الشاطئ بالرمال شبه مستحيلة، فأصبحنا أما مجال للتراجع بعدما كنا أمام مجال للتراكم. وللرجوع الى الوضعية “أ” يلزمنا وقت طويل، اللهم اذا نهجنا سياسة التغذية الاصطناعية عن طريق نقل الرمال من مناطق بعيدة، وهذه الاستراتيجية مكلفة في نظرنا.
بتكلفة اجمالية تصل إلى 40 مليون درهم، أعطيت الانطلاقة لبدء الأشغال لإعادة تهيئة شاطئ بوجدور (الكورنيش)، وحتى يكون المشروع صديقا للبيئة وله جدوى اقتصادية واستمرارية، ننتظر من المشرفين على هذا الورش، تطبيق القانون رقم 12-81 المتعلق بالساحل الصادر صيف العام الفائت، وخاصة المادة 15 والتي تنص على أنه “يتم إحداث منطقة محاذية للساحل يمنع فيها البناء يبلغ عرضها 100 متر تحتسب انطلاقا من الحدود البرية للساحل ويمكن تمديد عرضها إلى أكثر من 100 متر إذا اقتضت الضرورة”، حتى لا يتم التأثير على ميكانزمات الدينامية الساحلية، فالنظام الساحلي كما يعلم أهل الاختصاص نظام هش، نشأ عبر عمليات ميكانيكية وكيماوية معقدة، ولفترات زمنية طويلة، وفي شروط هيدرومناخية دقيقة، هذه الدينامية الساحلية هي الضامن الوحيد لبقاء الرمال على الشاطئ التي تعد بالتأكيد الرأسمال الحقيقي للمشروع. كذلك الوعي بالأخطار التي أصبحت تهدد عدد من الشواطئ، ولعل من اهمها خطر التغيرات المناخية ولهذا الغرض يلزم تبني مقاربة تدمج هذا البعد في مشروع تهيئة شاطئ بوجدور، من خلال انجاز تجزئات سكنية ومحلات تجارية تبعد بمسافات آمنة عن البحر، لتلافي خطر “الميني تسونامي” الذي أصبح يضرب عدد من الشواطئ المغربية. العمل على أجرأة المخطط الجهوي لحماية الساحل وخاصة المادة 44 عبر “دعم برامج البحث العلمي والابتكار بهدف تعميق المعارف حول دينامية الاوساط الساحلية، وحول التدبير المندمج والمستدام للمناطق الساحلية”.
وأخيرا إشراك جميع الفاعلين، كقوة استشارية واقتراحية بهدف تعزيز المقاربة التشاركية في انجاز المشاريع المحلية، وهنا الدعوة مفتوحة لهيئات المجتمع المدني التي تعنى بالبيئة للقيام بدورها الرقابي لحماية البيئة الساحلية ببوجدور.
وعلى الرغم من أن ساحل بوجدور- الذي يعتبر تراثا طبيعيا فريدا- أصبح مجالا لجذب العديد من الأنشطة الاقتصادية والترفيهية، الا أن الجميع يجب أن يعي بالمكانة البيولوجية والايكولوجية لهذا المكون الطبيعي في المنظومة المجالية بالمنطقة.