شطاري-العيون
لم يطرأ تغيير يذكر على المجالس المنتخبة للعيون ما بعد انتخابات الثامن من شتنبر، الجهة والبلدية وما يدور في فلكهما في قبضة “أهل الرشيد” مجددا وبأغلبية ساحقة، لم تترك لأصابع من اختاروا المعارضة -مكرهين- النفاذ..
ولعل هذا السيناريو كان متوقعا، بالنظر للشعبية التي راكمها “حمدي ولد الرشيد” منذ توليه قيادة بلدية العيون وأهلها وانعكاس إنجازاته على الأرض؛ لكنه لم يكن كذلك لولا الدور المحوري الذي قاده ابنه الوحيد محمد أو بيگاسوس الميزان كما لقبته “الصحراء أنتليجنس”.
لقد كان لمحمد ولد الرشيد أكبر دور في استحقاقات الثامن من شتنبر للحفاظ على مكتسبات حزب الاستقلال بجهة العيون الساقية الحمراء، وليس هذا بالأمر الهين، لاعتبارات كثيرة، فمجهود الوصول إلى القمة، يفوقه الحفاظ عليها أضعافا مضاعفة، فكان الشاب أهلا لهذا التحدي الذي وجد نفسه فيه، فأعلنه انتصارا مدويا..
- محمد ولد الرشيد .. رجل الظل
نادرا ما تجد لهذا الشاب تصريحات لوسائل الإعلام، في وقت يهرول إليها جل السياسيين لتسويق ذواتهم، وقد يدفعون لأجل ذلك ما يملكون، حتى أضحوا ماركات متجاوزة للتعليق على كل حدث بسبب أو بدونه، وإن لم يكن في مجال عملهم، المهم أن يظهروا للعيان متأبطين ذات المصطلحات التي صمت الآذان، والتي ما ملوا من تكرارها في كل مناسبة؛ وإن لم يجدوا لها أسبابا للنزول.
يخرج ولد الرشيد في الوقت المناسب فقط، يضرب بقوة ثم يختفي ليباشر عمله بعيدا عن الأضواء، ولعل هذه السمة وحدها عجلت بتداول اسمه وبروزه سريعا كقامة سامقة بين أنصار الميزان؛ و كعقل مدبر لكل انتصارات الحزب مركزيا وجهويا في الآونة الأخيرة.
اختيار ولد الرشيد النأي بذاته في هكذا موقع في مرحلة من المراحل، عجل ببعثرة أوراق مختلف الفرقاء السياسيين بجهة العيون، وصعوبة فهم ودراسة ما يقبل عليه من تخطيط؛ لا يجدون له أثرا إلا بعد حصد نتائجه، ليغير من ذات التكتيك في رمشة عين ويحقق ما يصبو إليه، في وقت يتوقفون لفهم ما وقع وكأن على رؤوسهم الطير.
- قائد الاستقطابات.. قدرة عجيبة على الاختراق
قطع “محمد ولد الرشيد” دابر كل الأحاديث القائلة بتهميش الأحزاب للأطر والفئات المثقفة من الشباب؛ عندما فاجأ الجميع بقيادته لحملة استقطابات لم تشهد مدن الصحراء لها مثيلا.
لقد سعى الشاب وكان له ما سعى، في سابقة هي الأولى من نوعها بهذه الربوع، عندما كان الشارع يترقب كل لحظة وحين من الاسم القادم من الأسماء البارزة من شباب المنطقة الذين أعلنوا انضمامهم لحزب الاستقلال، في لقاءات مكثفة ومتتالية، لم تترك لمناكفيه السياسيين فرصة للتأمل ولا التحليل، فلم يجدوا بدا في مجالسهم من الإشادة بقدرة الرجل على الاقناع والاختراق والاستقطاب، فهوت موازينهم بعدما كانوا في عيشة راضية.
التفاف هذه الفئة حول ولد الرشيد، لم يكن بالأمر السهل لولا قدرته الكبيرة على الإقناع وثقافته الواسعة التي سهلت عليه مأمورية التواصل مع هذه النخب ، وهو ما لم يخفه هؤلاء في خرجاتهم الإعلامية التي أشادوا من خلالها بقدرة الشاب على القيادة ونكران الذات، والعمل سويا من أجل مصالح الساكنة، فلبوا النداء مقتنعين؛ بأن المرحلة تستدعي وضع أياديهم في يد مدت إليهم لما فيه خير البلاد والعباد.
- الانتخابات على الأبواب.. تخطيط وتكتيك
مباشرة بعد الاستحقاقات الانتخابية الماضية، علت أسماء وتهاوت أخرى في محيط أهل الرشيد، يقينا منهم أن المرحلة القادمة تستدعي مزيدا من الحزم وشد الهمم، معتمدين على النتائج المحققة وما تلتها من وقائع ، ومعلقين الآمال على نسائهم ورجالهم من أهل الميدان.
وبشكل سلس وذكي، أبعدت أسماء بعينها من مركز العمليات إلى قاعة الانتظار، بعيدا عن منطق الإرضاء الذي طبع المراحل السابقة، فانكب الشاب على رسم معالم المرحلة القادمة التي قادها بحكمة وروية وتبصر، وأن البقاء فيها للأصلح.
لقد منح ولد الرشيد فرصة أكبر لنساء الحزب وشبابه المثابر، متكلا عليهم لتجسيد رؤيته ومنطقه الذي اعتمد، فاتحا دوائر عصية ومفجرا دهاليز قلاع منافسيه.
- يوم الحسم.. الانتصار الأعظم
دقت ساعة الصفر، وفي غمرة ترقب ما تحمله صناديق الاقتراع، عمت زغاريد الفرح المعمور مع بداية فرز أصوات الناخبين، التي منحت لحزب الاستقلال الأولوية وتصدر المشهد السياسي الصحراوي بفارق بين السماء والأرض عن أقرب المنافسين الذين أنهكهم تكتيك الرجل.
لقد أعلنه انتصارا مدويا، أتى على الأخضر واليابس، ومكن حزب الاستقلال من حصد ما رغب فيه وزيادة، لتتعالى صيحات المواطنين انتشاء بهذا النصر المظفر بعد كفاح حقيقي، وهذا الأخير لا يتأتى إلا عندما ينبثق من وجدان الشعب، لأنه لا يتوقف حتى النصر.
لقد اعتمد محمد ولد الرشيد على الشعب وأبناء الشعب في تسطير هذه الملحمة التاريخية، فكان قريبا من الصغير قبل الكبير، منصتا ومتألما، فرحا ومتأملا، فالنصر لا يأتي كما يعتقد البعض بالجرأة على المجازفة و الموت السياسي، فهو أعمق من ذلك بكثير..
إنه الجرأة على الحياة..