سعيد زريبيع:
أتابع عن كثب التطورات الأخيرة لحزب الاستقلال، قبل شهر من مؤتمره الثامن عشر..
كالعادة، صراع حامي الوطيس لإثبات الذات، وتسجيل نقاط هنا وهناك، قطب الرحى فيها “حمدي ولد الرشيد”، والكفة الراجحة، حيث ما مالت مالوا..
لكن دعونا نعود إلى الوراء قليلا؛ على الأقل كصحراويين..
إلى الأمس القريب، كان العنصر الصحراوي مجرد مؤثث للصالونات السياسية على طول الخريطة وعرضها، دراريع وملاحف، لا يسمن أهلها ولا يغنوا من جوع بل “مامسولهم حد عن شي ولاهو محظرهم فيه”..
كانوا مجرد عبء على فاتورات الأحزاب من طعامة وفندقة، أما وقد تغير الحال بحاله؛ بات من اللازم علينا جميعا الصدح به ما استطعنا إلى ذلك سبيلا..
فطيلة العقد الأخير، ظل “ولد الرشيد” صانع الرؤساء داخل حزب الاستقلال، ضاربا ما سبق من “احدير الدرجة” عرض الحائط، ومفسحا المجال لعديد أبناء هذه الأرض لتبوء مناصب تليق بهم وبكفاءاتهم، لتتسع دائرة الصحراويين في صنع القرار السياسي المغربي.
في البداية شكك الجميع في قدرة “ولد الرشيد” حمل “حميد شباط” إلى كرسي الأمانة العامة ، ضد “عبد الواحد الفاسي” نجل مؤسس الحزب، وما أدراكم ما آل الفاسي، وامتدادهم داخل الدولة.
لكن الرجل نجح في ذلك، بثقة كبيرة وقدرة خارقة، استمدها من شعبيته داخل الحزب بأقوال وأفعال، جعلت المؤيدين يتجمهرون حوله وجباههم إلى عنان السماء..
وبذات القوة التي حمل فيها ولد الرشيد “شباط” على الأكتاف، زدحه أرضا، في مشهد “أكشن”، في وقت ظن فيه الجميع ألا قوة حديدية تعلو على “سكليس”فاس، ففرم عجلاته، مذكرا إياه بأن الأمر عنده لا يعدو مجرد تحطيم عجلة دراجة هوائية، نفخ فيها ذات يوم..
ولن أخوض هنا في الأسباب، لأنها واضحة وضوح الشمس من الغربال..
وفي مشهد مماثل، رحب ولد الرشيد ببديل شاب، قادم من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقبله وزيرا للمالية، “نزار بركة”، فتكرر ذات السيناريو الذي حمل “شباط” إلى زعامة الحزب، من التشكيك إلى اليقين..
نجح نزار أيضا، وبقي ولد الرشيد لم يبارح مكانه، بعدما قام بالواجب وزيادة، فظل الفاسي ممتنا للصحراوي، معلنا عنها في مجالس شتى، لكن إخفاقه في تدبير المفاوضات داخل الأغلبية الحكومية الجديدة، وإقصاء أسماء استقلالية من الإستوزار من أبناء الحزب، واستقدام مظليين من اليابسة، وصبغهم بالوردي بسرعة البرق، عجل بردود فعل ساخطة داخل مناضلي واحد من أعرق الأحزاب المغربية، ما جعل “ولد الرشيد” يتبنى موقف القاعدة، التي يتقوى يوما بعد يوم باحتضانها، لتعود الأمور إلى سابق عهدها وينقسم الحزب إلى فسطاطين، واحد محتشد حول ولد الرشيد وثان يجري خلفه نزار، والبقاء للأقوى، إذا ما مرت الأجواء بشفافية، ولو أن الحسم يتجه إلى اتفاق يحفظ ماء وجه الجميع ببقاء نزار، وحتى إذا ما تطور الوضع إلى واقع “أكون أو لا أكون”، فإن باستطاعة ولد الرشيد أن يأتي على الأخضر واليابس، ويجعلها محرقة لمن تسول له نفسه إضعافه.
طيب..
ماذا لو تم السيناريو الثاني، وأبعد ولد الرشيد غصبا من الحزب..
سيكتب التاريخ حينها، أن رجلا قدم من تخوم الصحراء، وجعل لسياسييها وزنا وشأنها، وأصبحوا قوى فاعلة في رسم الخريطة السياسية للبلاد، بعدما كانوا مجرد تماثيل يهيؤون الشاي عند العتبات..
عليهم إذن، أن يحاربوا الأجيال التي تليه، بعد عمر طويل..
أن يحاربوا ابنه محمد وقواعده وكل ناطق بالحق..
فولد الرشيد فكرة، والفكرة لا تموت..