أفلام الصحراء بين سوء الفهم والتحامل غير المبرر

شطاري خاص28 ديسمبر 2025
أفلام الصحراء بين سوء الفهم والتحامل غير المبرر

شطاري- أحمد هدي:

منذ تأسيس صندوق دعم أفلام الثقافة الحسانية والمجال الصحراوي، ونحن نسمع الخطاب نفسه يتكرر؛
ريع سينمائي، توظيف سياسي، امتيازات غير مبررة… وغيرها من التعاليق التي تعكس، في عمقها، سوء فهم حقيقي لفلسفة هذا الصندوق، بل وتحولت مع الوقت إلى تحامل غير مبرر على أفلام الصحراء وتجاربها الناشئة.
بداية، لا بد من الاتفاق على حقيقة أساسية:
هذا الصندوق لم يأتِ صدفة، بل تأسس بإرادة سياسية واضحة تهدف إلى إنعاش الثقافة في جنوب المملكة، وهي مناطق ظلت، لعقود طويلة، تعاني التهميش الثقافي، شأنها شأن كل الجهات البعيدة عن “المركز”.
هذا المركز، الذي ظل لسنوات طويلة المتحكم الوحيد في توزيع أشكال الدعم العمومي، من مسرح، وتلفزيون، وصحافة، وسينما، لم يكن مستعدًا في كثير من الأحيان لسماع أصوات أخرى قادمة من هوامش الوطن، هوامش تعاني من غياب بنية ثقافية حقيقية؛
لا مسارح، لا قاعات سينما، ولا فضاءات عرض أو نقاش.
وهنا لا يخص الحديث الصحراء المغربية وحدها، بل يشمل أيضًا مناطق أخرى من المملكة، من الشمال إلى الريف.
ولعل ما قام به زملاؤنا مؤخرًا في دفاعهم عن حق الفيلم الأمازيغي في الحضور، يؤكد أن المسألة ليست امتيازًا لفئة، بل حق ثقافي مشروع، لأن الأمازيغية مكون أساسي من مكونات الثقافة المغربية، كما هي الثقافة الحسانية.
لكنني سأركز هنا على المجال الذي أعرفه عن قرب، أفلام الصحراء.
منذ البداية، كنا ندرك أن الأمر يتعلق بتجربة في طور التشكل؛
لا معاهد تكوين سينمائي،
لا قاعات عرض،
لا أندية سينمائية نشطة،.
فقط بعض الأسماء التي حولت شغفها بالفن السابع إلى محاولات جادة، في غياب شبه تام للتشجيع والتأطير والتكوين.
ومع ذلك، يُطلب من هذه التجربة أن تكون مكتملة، ناضجة، ومقارنة بتجارب راكمت لعقود داخل المركز.
وكحال كل تجربة في مهدها، فإن السينما في الصحراء المغربية تحتاج إلى التراكم، لا إلى الإدانة المسبقة.
تحتاج إلى النقد البنّاء، لا إلى التخوين.
إلى المواكبة، لا إلى السخرية.
الحكم على تجربة وليدة بمنطق الإقصاء هوفي حد ذاته إعادة إنتاج لنفس المركزية الثقافية التي عانى منها الهامش طويلًا.
وإذا كنا نؤمن فعلًا بتعدد الروافد الثقافية المغربية، فعلينا أن نمنح لكل تجربة الزمن، والدعم الذي تستحقه، ثم نحاسبها على أساس ما راكمته، لا على ما لم يُتح لها أصلًا.

إن أخطر ما في الخطاب المعادي لأفلام الصحراء ليس انتقاده للجودة أو للتجربة أو حتى للإقصاء كما فعلت لجنة الدعم، بل افتراضه المسبق بأن كل ما يأتي من الهامش مشكوك في شرعيته. كأن الانتماء الجغرافي أصبح تهمة، وكأن الإبداع لا يُعترف به إلا إذا خرج من العناوين نفسها، والوجوه نفسها، والدوائر نفسها.
هذا منطق إقصائي لا علاقة له بالفن، بل يعكس خوفًا دفينًا من تقاسم المشهد، ومن كسر احتكار رمزي ظل قائمًا لعقود.

ثم لنسأل بصراحة؛ هل كان تاريخ السينما المغربية، في بداياته، نموذجًا للكمال الفني؟ هل أعفيت تجارب المركز الأولى من التعثر، ومن الأخطاء التقنية، ومن السذاجة أحيانًا؟
طبعًا لا.
لكنها حظيت بالصبر، وبالزمن، وبالنقد الذي يُراكم ولا يهدم.
فلماذا يُحرَم الهامش من الحق نفسه؟ ولماذا يُطلب من سينما الصحراء أن تقفز مباشرة إلى الصفوف الأولى دون المرور بمخاض التكوين الطبيعي؟ على الرغم من أن أصحابها أثبتوا علو كعبهم دوليا..

إن رمي تهمة “الريع” بشكل مجاني، دون أي تحليل جدي لبنية الدعم أو شروطه أو نتائجه، هو تبسيط مُخلّ، بل ومضلل. لأن الريع الحقيقي هو أن يستمر الدعم في الدوران داخل الحلقة نفسها، كما يقع الآن، دون أن يفتح المجال أمام أصوات جدية…

أفلام الصحراء ليست فقط مشاريع سينمائية، بل فعل وجود رمزي، ومحاولة لاستعادة السرد من الداخل، بدل أن يُحكى الهامش دائمًا بعيون الآخرين.
هي محاولة لقول: نحن هنا، لنا قصصنا، لغتنا، مخيالنا، وأسئلتنا الخاصة. ومن يهاجم هذه المحاولة، دون أن يكلف نفسه عناء الفهم أو المتابعة، إنما يساهم – بوعي أو بدونه – في استمرار الصمت المفروض على هذه المناطق.

إن الدفاع عن أفلام الصحراء ليس دفاعًا عن رداءة محتملة، ولا شيكًا على بياض لأي تجربة، بل دفاع عن الحق في الخطأ، في التعلم، في التراكم. هو دفاع عن مبدأ بسيط: لا يمكن أن نطالب الهامش بإنتاج سينما قوية، ونحن نحاكمه بمنطق الإقصاء، ونحرمه من شروط التطور نفسها التي استفاد منها المركز. فإما أن نؤمن فعلًا بتعدد الروافد الثقافية، أو نعترف – بوضوح – أننا ما زلنا أسرى مركزية قديمة، تغير خطابها، ولم تغير عقلها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


عاجل