شطاري/ألف بوست:
قرر البريطانيون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي جرى يوم الخميس 23 يونيو الجاري وهو ما يعرف ب “بريكسيت”. وتشكل النتيجة زلزالا سياسيا في أوروبا والبورصات العالمية. ويمتد التأثير الى المغرب في قضايا سياسية ومنها الصحراء وكذلك الاقتصاد وسبتة ومليلية والهجرة المغربية.
وكشفت نتيجة الاستفتاء بتصويت قرابة 52% لصالح الانسحاب و48% لصالح البقاء الانقسام العميق وسط البريطانيين في رؤيتهم للاتحاد الأوروبي. ومنذ انضمام بريطانيا للاتحاد، شهدت البلاد تيارا معارضا قويا رغب دائما في الانفراد البريطاني والابتعاد عن القرارات الأوروبية.
كما تشكل نتيجة الاستفتاء زلزالا حقيقيا في المشهد الدولي سياسيا واقتصاديا لأن بريطانيا هي أول دولة تغادر الاتحاد الأوروبي ولها وزن في الساحة الدولية. وسياسيا، تطرح النتيجة ضرورة إعادة النظر في الوحدة الأوروبية، وكذلك وحدة المملكة المتحدة بشأن بقاء أو انسحاب اسكوتلندا من هذه الوحدة. ويرغب الإسكوتلنديون الانسحاب والانضمام الى الاتحاد الأوروبي.
ويعتبر المغرب من الدول التي ستتأثر بطريقة أو أخرى بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن بريطانيا تعتبر من الشركاء العشر الأوائل للمغرب اقتصاديا وسياسيا.
ولم يتولى أي مركز للدراسات الاستراتيجية في المغرب إنجاز دراسة معمقة حول تأثير بريكسيت على المغرب سياسيا واقتصاديا، ويبرز هذا غياب الوعي بالتطورات الدولية. وكانت هناك تصريحات يتيمة للغاية لمدير بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري بحديثه عن تأثير سلبي لن يتجاوز 0،1% دون التعمق أكثر في الانعكاسات على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
وعمليا، ورغم سيادة حالة من الغموض خاصة المالي نتيجة القرار الذي لا يعتبر مفاجئا نهائيا بل اتخذت عدد من الدول احتمال خروج بريطانيا، فالقرار سيصب في صالح المغرب على المدى المتوسط وابتداء من السنة المقبلة.
الشق الاقتصادي:
ومن الناحية الاقتصادية، تدخل نسبة من صادرات المغرب الى بريطانيا ضمن الصادرات المؤطرة في الاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي. وخروج بريطانيا سيحرر الصادرات المغربية من القيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي خاصة في مجال الصادرات الزراعية. وهذا قد يعني رفع هذه الصادرات. وهنا يتوقف الأمر على المهنيين المغاربة هل سيكونون في مستوى تطوير العلاقات التجارية بين البلدين.
في الوقت ذاته، خروج بريطانيا سيجعلها أكثر انفتاحا على العالم بسبب تخلصها من قيود الاتحاد الأوروبي. ومن ضمن الأسباب التي دفعت بالبريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي هي القيود التي تفرضها المفوضية الأوروبية أو البرلمان الأوروبي ومنها في مجال الاقتصاد.
وعليه، ستنفتح بريطانيا أكثر على مستعمراتها السابقة المنضوية في إطار الكومنولث، كما ستحاول الانفتاح على المناطق التي تجمعها بها علاقات غير متينة رغم القرب الجغرافي ومنها منطقة المغرب العربي وأساسا الجزائر والمغرب. وأبدت بريطانيا اهتماما اقتصاديا بالجزائر خلال السنوات الأخيرة، ولكنها لم تبدي بعد الاهتمام نفسه بالمغرب.
ورغم المؤشرات الإيجابية المذكورة، فيمكن استبعاد حدوث تطور للعلاقات الاقتصادية لسببين، الأول وهو الاحتكار البشع للاقتصاد المغربي من طرف فئة قليلة من النافذين تبحث عن الربح السريع، ثم غياب نخبة مغربية ذات تكوين أنجلوسكسوني قادرة على مواكبة التطورات.
الشق السياسي: الصحراء وسبتة ومليلية
يتحدث العالم عن الزلزال الاقتصادي والسياسي نتيجة بريكسيت، ويبقى احتواء الأول سهل على المدى المتوسط بينما السياسي هو الذي يشكل الزلزال الحقيقي لأنه يضع الوحدة الأوروبية على المحك وسيدفع الأوروبيين الى التفكير في نوعية الوحدة التي يرغبون فيها. والزلزال السياسي للبريكسيت يمتد الى المغرب بحكم وزن بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبالتالي تأثير كل هذا على ملف يعتبر رئيسيا في الأجندة السياسية والدبلوماسية ويتعلق الأمر بنزاع الصحراء.
في مقال سابق منشور في الجريدة الرقمية في ألف بوست، يعتبر المغرب المستفيد سياسياً في حالة نجاح «بركسيت».وعمليا، انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيقلل من الضغط السياسي الذي عانى منه المغرب في نزاع الصحراء وسط الاتحاد الأوروبي. في هذا الصدد:
أولا، تزعمت بريطانيا معارضة الاتفاقيات الزراعية والسياسية بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي تضم الصحراء. فقط اشترطت حكومة لندن تمييزا خاصا لمياه الصحراء في اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك، فكان النواب البريطانيون في البرلمان الأوروبي الأكثر بين نظرائهم من دول أخرى معارضة للاتفاقية.
ثانيا، إذا كانت عدد من دول أوروبا وخاصة الجنوبية منها مثل اسبانيا والبرتغال وفرنسا قد عارضت قرار قضاء المحكمة الأوروبية يوم 10 ديسمبر الماضي إلغاء اتفاقية التبادل الزراعي والمنتوجات الزراعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، فبريطانيا لم تعلن تأييدها للمغرب بل تبنت موقفا يمكن وصفه بغير الودي. وتعتبر بريطانيا ضمن الدول الأوروبية الشمالية التي تريد فرض تمييز أو علامة خاصة بمنتوجات الصحراء في أسواق الاتحاد الأوروبي وتمييزها عن باقي المنتوجات المغربية.
ولا يعني غياب الضغط البريطاني وسط الاتحاد الأوروبي وانفتاحها الاقتصادي سيقلل من ضغطها على المغرب في ملف الصحراء في الأمم المتحدة.
جبل طارق وسبتة ومليلية:
الانعكاسات السياسية للبريكسيت متشعبة وهي عل مستويات، البعيد والمتوسط والبعيد. ويجري النقاش في اسبانيا وبريطانيا على تأثير بريكسيت على جبل طارق وكتالونيا واسكوتلندا. وخروج بريطانيا، سيدفع اسبانيا الى اتحضار ملف جبل طارق بقوة في المفاوضات. كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيدفع باستفتاء في اسكوتلندا للاستقلال عن المملكة المتحدة والانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وسيترتب عن هذا الأخير تأثير مباشر على ملف كتالونيا التي بدورها ترغب في استفتاء تقرير المصير. وكيف سينعكس كل هذا على المغرب؟
في المقام الأول، يرغب مواطنو اسكوتلندا في الانفصال مجددا عن المملكة المتحدة، وكانوا قد أجروا استفتاء منذ سنتين ولم يتكلل بالنجاح. والآن هناك إجماع بما في ذلك وسط الطبقة الحاكمة في لندن بضرورة إعادة الاستفتاء لأن اسكوتلندا كدولة داخل المملكة المتحدة ترغب في البقاء في الاتحاد الأوروبي. وقد صوت اسكوتلنديون على البقاء في الاتحاد الأوروبي لكن النتيجة العامة للملكة المتحدة تفرض عليهم كذلك الانسحاب. إعادة الاستفتاء سيكون عامل ضغط على اسبانيا لكي تمنح كتالونيا حق تنظيم الاستفتاء. في الوقت ذاته، سيرفع الضغط على المغرب في استفتاء الصحراء.
في المقام الثاني، سيترتب عن البريكسيت استحضار اسبانيا لملف جبل طارق. ومباشرة بعد نتائج الانسحاب، قال وزير الخارجية الإسباني مانويل غارسيا مارغايو أن “العلم الإسباني” يقترب من صخرة جبل طارق بشكل لم يسبق من قبل. وتحدث عن احتمال سيادة مشتركة. وإذا حدث هذا التطور، فهل سيطرح المغرب ملف سبتة ومليلية أم سيلتزم الصمت بحجة أولوية ملف الصحراء. سيكون تحديا لملف تحول الى طابو في السياسة المغربية خلال الثلاث سنوات الأخيرة، لا أحد يتفوه بكلمة سبتة ومليلية لا في الخطب الملكية ولا التصريح الحكومي أو مداخلات النواب.
بدء نهاية الهجرة المغربية:
شكلت الهجرة الموضوع الرئيسي في الحملة الانتخابية للبريكسيت. ومن ضمن الأسباب التي دفعت البريطانيين الى التصويت على البريكسيت ارتفاع نسبة الهجرة. ويعترف الأوروبيون بأن الهجرة أصبحت من أسباب عرقلة الوحدة الأوروبية. وقال الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس أنه يجب مراقبة الحدود. كما أن معظم تدخلات السياسيين والمحللين تركز على الهجرة.
وفي هذا الصدد، يعني البريكسيت تشدد الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، ويعني في الوقت ذاته، قوانين جديدة لترحيل المهاجرين السريين، وكذلك ترحيل المتورطين في الإجرام والإرهاب. وسيتم ترحيل نسبة هامة من المغاربة كما ستتعرض السلطات المغربية لضغوطات الاتحاد الأوروبي لقبول المغاربة المرحلين والرفع من مراقبة الحدود بشأكثر أكثر.
وكانت الرباط خلال الشهور الماضية محج لعدد من وزراء داخلية دول أوروبا ومنهم المانيا لتوقيع اتفاقيات ترحيل مغاربة، بل وحضر موضوع المهاجرين المغاربة غير القانونيين في عدد من برلمانات أوروبا ومنها النمسا وألمانيا.