صبري الحو:
أولا: كريستوفر روس يفشل في استئناف المفاوضات بين المغرب والبوليساريو
تسارعت الأحداث وتزاحمت الوقائع في علاقة بملف نزاع الصحراء خلال سنة 2016، فقد بدأت بسعي وبحث حثيثين من كريستوفر روس، المبعوث الشخصي في ملف الصحراء لبان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، على وسيلة يغطي بها عن عجزه، وفشله في نيل واسترجاع الثقة، أو استصدار ضغط على أطراف النزاع في الصحراء لاستئناف المفاوضات.
غير أن لكل طرف قصة، أو تحفظا، أو غاية له من استمرار وضع تعليق المفاوضات، فبينما حصل اعتقاد من البوليساريو والجزائر بأن عدم انعقادها يخدمهما، وهو جزء من الخطة لتسريع عجلة الحل بتدخل أممي لفرضه، فإن المغرب يرى أنه لا فائدة في مفاوضات غير منتجة، بالنظر إلى طريقة تدبيرها، وعدم تدخل الجزائر كطرف مباشر ومعني، ومرائه في حياد وأهلية وسلوك المسؤول المباشر عن إدارتها كريستوفر، المبعوث الشخصي للأمين العام في ملف الصحراء.
ثانيا: بان كي مون يقوم بزيارة وجولة للمنطقة والأطراف تستثني المغرب، ويزيد المعقد تعقيدا
لقد أدرك مجلس الأمن أن دخول المبعوث الشخصي للأمين العام، السيد كريستوفر روس، سبب معطل لهذه المفاوضات، فصادق على إجراء الأمين العام بان كي مون شخصيا زيارة إلى المنطقة ولقاء الأطراف، غير أن برمجتها قبيل دراسة الحالة الدورية في الصحراء بشهر واحد، وفي آخر سنة من آخر ولاية للأمين العام للأمم المتحدة، جعل المغرب يتحفظ على البرمجة، وطالب بتأجيلها إلى ما بعد موعد أبريل.
إلا أن الأمين العام أصر على القيام بها في الوقت الذي اختاره (مارس)، وانتهى الأمر بعدم شمل المغرب بالزيارة، ولربما انتقاما من المغرب بسبب اعتراضه، فإنه اختتم زيارته إلى المنطقة بتصريح في مرحلة الجزائر، يربط فيه بين معاناة لاجئي المخيمات بسبب احتلال أرضهم، على حد تعبيره، ويقيم بذلك وصفا بالشك في طبيعة السيادة المغربية، ويوازيها وصفا “بالاستعمار”.
ثالثا: المغرب يقابل استفزاز الأمين العام بطرد المكون المدني والسياسي للمينورسو
تسبب هذا الموقف الشخصي والمستفز وغير المسؤول للأمين العام في احتجاج رسمي مغربي، وشعبي عارم بمسيرة مليونية ضده، كما قابل المغرب هذا التصريح باتخاذه لقرار مادي بطرد المكون السياسي والمدني لبعثة المينورسو من إقليم الصحراء وتنفيذه، بدعوى أن مهمة هذا المكون قد استنفذت، بعد استقرار مهمة المينورسو في مراقبة وقف إطلاق النار، ولم يبق له محل للبقاء في المنطقة.
رابعا: الأمين العام يركز في تقريره على دور المينورسو ليؤَثِّرَ على مجلس الأمن
أثر قرار المغرب بتقليم الجزء المدني والسياسي للمينورسو، وتنفيذه بطرد 81 موظفا، وطغى على مضمون التقرير الذي تقدم به الأمين العام إلى مجلس الأمن في 19 أبريل من هذه السنة، الذي أوصى بعودة هذا المكون السريعة، واستئناف المفاوضات بين طرفي النزاع بحسن نية وبدون شروط، كما وضع علاقة بين دور المينورسو الموازي للعملية السياسية بين الطرفين والضروري لإنجاحها، ونبه إلى ضرورة حل للنزاع درءا لأي توتر قد يتطور إلى حرب شاملة.
خامسا: مجلس الأمن يأمر بالعودة الفورية للمينورسو ويضع عتبة وإحاطة لذلك
كان لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة تأثير مباشر على مناقشات مجلس الأمن أثناء إخضاعه الحالة في الصحراء للدراسة الدورية في أبريل؛ حيث صادق على القرار 2285، يدعو من خلاله المغرب إلى القبول بالعودة الفورية لأطقم المينورسو التي غادرت الإقليم بأمر وقرار منه، ووضع مجلس الأمن مهلة وميسرة للمغرب، حددها في تسعين يوما، كما وضع عتبة وتكليفا للأمين العام لإحاطته بمدى الاستجابة المغربية لذلك.
سادسا: الكركارات مجسم صغير لأزمة كبيرة يحمل شرارات اندلاع الحرب
في الوقت الذي انكبت فيه المفاوضات بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة، وبسعي من دولة فرنسا، العضو الدائم بمجلس الأمن، ودولة إسبانيا كعضو مؤقت في مجلس الأمن، ومن الدول أصدقاء الصحراء، للوساطة لدى المغرب لتنفيذ قرار مجلس الأمن بخصوص عودة موظفي المينورسو، وتذليل الإشكاليات المطروحة، والجواب على تحفظات واعتراضات المغرب المتعلقة بما سجله من ملاحظات وشكايات على سلوك وتصرفات بعض الموظفين المشمولين بالطرد، وحصول توافق وقبول على عودة جزء كبير من أعضاء البعثة، وإحاطة مجلس الأمن من طرف الأمين العام في 29 يوليوز من السنة بمضمون ذلك الاتفاق.
فإن أزمة جديدة اندلعت في منطقة الكركارات نتيجة اعتراض واحتجاج البوليساريو على عمليات تعبيد الطريق الذي يخترق الكركارات ويؤدي إلى الحدود الموريتانية المغربية، بادعاء أنه خرق للاتفاق العسكري الأول من اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، الشيء الذي لم يكترث له مجلس الأمن في البداية، فلجأت البوليساريو إلى حيلة بإعاقتها لعمليات استمرار تقدم أشغال البناء ميدانيا عن طريق إرسالها لعناصرها المسلحة إلى عين المكان، وتمركزها في مكان مقابل وقريب لمسار أشغال التعبيد.
وهما فرض الحضور الفوري لقوات بعثة المينورسو، التي أقامت فاصلا في المكان بين الجانبين بعناصرها لدرء وقوع احتكاك بينهما. ولم يفلح الأمين العام للأمم المتحدة بدعوته إلى إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بحل المشكلة، ولا نجحت بقية أجهزة الأمانة العامة للأمم المتحدة، ولا المينورسو، ولا وساطة إسبانيا في ذلك، ليستمر الوضع في الكركارات كنقطة ساخنة، ولربما يخفي شرارة بداية الحرب ونهاية وقف إطلاق النار.
سابعا: إبراهيم غالي خلفا لمحمد عبد العزيز.. صناعة الكاريزما وترميم تصدع القيادة في المخيمات
يزيد من احتمال تعقيد المشكل في منطقة الكركارات استغلال القيادة الجديدة البوليساريو، وأمينها العام إبراهيم غالي، بعد وفاة زعيمها السابق محمد ولد العزيز، للوضع، ومحاولته الظهور وكأنه أحرز نصرا وتفوقا مبينين على المغرب. وهو في ذلك كمن يريد أن يصنع لنفسه رمزا وكاريزما، هو في حاجة إلى ذلك لمنح زعامته بعضا من الشرعية المفقودة، بعد الشك والريبة الذي تسرب إلى باقي قادة البوليساريو، وإحساس البعض منهم، وخاصة ولد البوهالي، بسرقة القيادة منه بتدخل جزائري لصالح ابراهيم غالي.
وفي الوقت نفسه، يحاول قائد البوليسارو الجديد ترميم عزائم وثقة لاجئي المخيمات الذين أحبطوا بفعل طول مدة المعاناة، وتعدد زيف الوعود، وباتوا يطرحون السؤال السبب في واقعهم المزري وفقرهم المدقع، ويقارنونه بمستوى عيش سكان أقاليم الصحراء، وجاذبيتها بفعل مستوى التنمية الذي حققته على كافة المستويات.
كما أصبحوا يدركون ويعون نسبيا بما خفي واستتر من أسباب مباشرة في شقائهم، والطبيعة السياسية لتوظيفهم، ولمصلحة الجزائر في إطار صراعها مع المغرب على قيادة المنطقة، وهو الوعي الذي ساهم فيه كثيرا تقرير المكتب الأوروبي لمحاربة الغش، الذي أقام الدليل ووفر الحجة على التلاعب بالمساعدات الدولية الموجهة إليهم، وضلوع قادتهم وقادة الجزائر فيها مباشرة.
وقد سبق للملك في خطاب المسيرة لسنة 2015 أن نادى سكان المخيمات إلى الالتفات إلى واقعهم المزري، ومقارنته بواقع إخوانهم في الإقليم، والذي سيتطور أكثر في إطار النموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية؛ حيث خطط لجعلها منارة وجسرا منفتحا على العمق الأفريقي، ومندمجا في إطار السياسة المغربية الجديدة في أفريقيا.
ثامنا: انتشار المغرب الكبير في أفريقيا الاقتصادي من أجل التكامل السياسي
تميزت السياسة المغربية الجديدة في أفريقيا خلال هذه السنة بمزيد من الانتشار، وطابع تعدد التموضع، واتخاذ قرار بتنوع تمركزه وتواجده في بلدان جديدة، وتنوعت مداخل سياسة المغرب بين الاقتصاد والسياسة والخبرة المغربية في مجال التكوين والزراعة والتعدين والمصارف والبنوك والاتصالات، ونقل التجربة المغربية في ميدان التنمية البشرية لتوفير فرص عمل للمواطن الأفريقي في علاقته بمحيطه ومجاله.
ذلك أن المغرب امتلك الشجاعة على الانفتاح على بلدان جديدة في شرق القارة الأفريقية، مثل رواندا، وتنزانيا، وإثيوبيا، ومدغشقر، ونيجيريا، وهي دول لا يملك المغرب سجلا في المشترك أو التاريخ أو معاملات ولا لغة، وأكثر من ذلك فإنها دول كانت تحسب على الحلف الأفريقي المناوئ للوحدة الترابية المغربية، وحملت وزر الدعاية له دوليا.
تاسعاً: انضمام المغرب إلى الاتحاد الأفريقي بدون شروط.. الاقتصاد والصحراء في صلب القرار
لم يكن هذا الانتشار المغربي في أفريقيا بمعزل عن بحثه عن تحقيق تكامل سياسي مع الدول الأفريقية، فاتخذ المغرب قراراً بالعودة إلى التنظيم المؤسسي القاري الأفريقي؛ حيث تقدم رسميا بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي في 22 شتنبر من هذه السنة، بعد 32 سنة من الغياب، منذ تاريخ اتخاذ الملك الراحل الحسن الثاني قرار الخروج منه سنة 1984، عندما كان يسمى منظمة الوحدة الأفريقية؛ وذلك على إثر قبول عضوية البوليساريو فيه.
وقد علل المغرب قرار عودته إلى الاتحاد الأفريقي برغبته في خدمة القارة الأفريقية، وهو ما أظهره بتنظيمه لمؤتمر المناخ “كوب 22” بمراكش، الذي انعقد بموازاته اجتماع قمة إفريقيا للعمل برئاسة الملك، من أجل تنسيق جهود القارة بشأن مواجهة التغيرات المناخية، والعمل على تحقيق تنميتها المستدامة.
ويظهر أن المغرب يريد العودة ويرضاها دون شرط طرد البوليساريو لتحقيق غايات أخرى؛ ذلك أن استثماراته الاقتصادية في أفريقيا، والتي بوأته مرتبة المستثمر الأول في القارة، بما يقارب ستة مليارات دولار، تحتاج إلى تغطية وحماية من آفات السياسة.
علاوة على ذلك، فإن ملف الصحراء يوجد في صلب قرار المغرب بالعودة، من أجل ضمان دفاعه عن نفسه من داخل التنظيم، لما ظهر له أن غيابه هو سبب اتخاذ هذا الاتحاد لقرارات ضد مصالحه في النزاع، وخدمة لمركز البوليساريو، والجزائر التي كونت محورا ثلاثيا مع كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا من أجل هذا الهدف، بيد أن هذا الانضمام لن يكون سهلا، وسيكون إدراك الوصول إليه واكتسابه عسيرا وليس مستحيلا، فهو وجه من أوجه المعركة الشرسة مع بين المغرب والجزائر.
عاشراً: القضاء الأوروبي مجال لمعركة قانونية بدأت لكي لا تنتهي
تشاء الصدف أن ينقلب احتفاء ونشوة البوليساريو نهاية سنة 2015 بالحكم الابتدائي الصادر في القضية المرفوعة من قبلها أمام المحكمة الأوروبية ضد الاتحاد الأوروبي، والقاضي ببطلان المحكمة الجزئي للاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، إلى شؤم في نهاية سنة 2016، بعد إصدار محكمة العدل الأوروبية، التي نظرت في القضية باعتبارها درجة ثانية استئنافية ونهائية بعد استئناف الاتحاد الأوروبي والمفوضية، قرارا يلغي الحكم السابق محل فرحة البوليساريو؛ حيث انتصرت نتيجة القرار تقنيا، وفي منطوقه للاتحاد الأوروبي وبالتبعية للمغرب، رغم أنه ليس طرفا فيه، وخسرت البوليساريو دعواها، ولا يشفع لهذه الخسارة حيثية أو تعليل خاطئ، فالعبرة بالنتيجة.
كما أن هذا الحكم لا يدعو المغرب إلى كثير من التفاؤل، فالمعركة القانونية حول الصفة، والتمثيلية، والمصلحة وأهلية البوليساريو قد انطلقت، والمغرب مدعو إلى خلق وإنشاء مكاتب متخصصة تنكب على الموضوع، بدلا من انتظار الغير والأجنبي ليتولى الدفاع عن مصالحه في غياب المهنية والغيرة على مصالح الوطن.