محمد صالح الركيبي:
هي فضيحة كبرى بكل المقاييس، لا أحد يختلف على ذلك حتى المغاربة أنفسهم..
لقد وقعت في الفخ!!
لا أريد هنا أن أثقل كاهل المسكينة بمزيد من الإنتقاد، يكفيها العنوان فقط، ولا أنا في مكان لأعيد اجترار وتدوين حلقة البرنامج بأكملها، لأن الكل تفرج، واتضحت الرؤيا، وخرج الجميع متفقا على خلاصة واحدة مفادها أن ممثل البوليساريو بفرنسا مسح بالسيدة الأرض أمام ملايين المشاهدين..
لقد حاولت جبهة البوليساريو طيلة سنوات خلت تفادي المواجهة الصحراوية/الصحراوية، ليقينها فقط أن الطرف الآخر المعني بالنزاع مغربي صرف، ولا تريد أن تقحم أي أحد من صحراويي الداخل في نقاشاتها حتى لو كان من أشرس المدافعين عن “مغربية الصحراء”، ووحدها الجبهة من يمكنها تفسير هذا التغير الجديد في تعاطيها مع ملف الصحراء إن صح أصلا ذلك ولم يكن محض صدفة مارة مرور الكرام.
لكن على عائشة ومن سبقوها ومن خلفهم أن يدركوا تمام الإدراك أن فاعلية تقدم وجهة النظر المغربية بخصوص النزاع لا تنبني أبدا على الخطاب الرسمي التقليدي المغربي الذي ألفناه منذ عشرات السنين، وأن الواقع اليوم تغير بمعطيات جديدة على الأرض، وبعيدا أيضا عن أروقة الأمم المتحدة التي تجاوز ملف “الصحراء الغربية” فيها عقده الرابع دون أي تقدم يذكر، وهنا لا أحتاج أن أذكر الجميع باستحالة حلحلته في الوقت الراهن، لأن للدول العظمى التزامات أكبر، ومصالح شتى في أن يبقى الحال كما هو عليه..
لقد بات على المغرب ومن يدور في فلكه أن يؤمن أكثر بواقعية النزاع، وألا ينساق وراء “تراهات” لا تسمن ولا تغني من جوع، بل وتظهره صغيرا وتنهال من مصداقية خطابه الذي تعتبره أطراف محايدة مجرد تغريد خارج السرب، والسبب بطبيعة الحال في ذلك هو أمثال “عائشة رحال” و”حسن عبد الخالق” وغيرهم ممن لا يفقهون في تاريخ النزاع شيئا، وأكاد أجزم أنهم يحضرون لنقاشاتهم دقائق فقط قبل أن يدخلوا حلبتها مستعينين بمعطيات تآكلت عبر محرك البحث “غوغل”.
ما يضير لو كانت المناكفة بين ممثلي الطرحين أكثر واقعية، باستحضار التاريخ واحترام الماضي القريب واستشراف المستقبل، بعيدا عن خطط الغرب التي مزق بها الشعوب العربية..
فتاريخ الصحراء الغربية ليس مقترنا بسنة 75 وما دونها من أحداث، بل يتجاوز ذلك إلى سنين قبلها وحقب استعمارية عاشتها المنطقة وانتفاضات صحراوية و “مبايعات”، هذا ما يجب استحضاره حقيقة لإيجاد حلول ناجعة لمستقبل النزاع الذي عمر أكثر من اللازم، ولن يتأتى ذلك إلا بإرادة حقيقية وبينة بين المغرب وجبهة البوليساريو إن كان فعلا لكل منهما حرية اتخاذ قراراته..
ما يضير لو غير المغرب استراتيجيته وقارع الطرف الآخر بحقائقه، ومن منطلق إيمانه بقضية الصحراء الغربية، ذلك المصطلح الجغرافي الذي يرتجف بعد ترديده كل مغربي، لماذا يتم تناول “البوليساريو” كمصطلح ثان والكل يعلم أنه اختصار ل”الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، لماذا يتغاضى المغرب عن تنوير الرأي العام الوطني ويصارحه بألا سيادة له على “لكويرة”، وأنه يسير الإقليم إداريا فقط، وأن بعثة “مينورسو” مكلفة أصلا بمراقبة وإجراء استفتاء بالمنطقة لتقرير مصير أهلها؟؟
قد تكون الصحراء مغربية حقا، بل ونتجاوز الأمر ونعلن إيماننا بذلك دون وثائق أممية ولا شهادات اذا ما استحضرنا تاريخنا البعيد الذي تتباين رواياته بين الضفتين، ولسنا أيضا سذجا لإدراك حقيقة أيهما، لكن وفي المقابل يجب أن نؤمن بأن هنالك كيانا سياسيا أعلن انتفاضه وتأسيسه اسمه “جبهة البوليساريو” باستحضار دواعي ومسببات ذلك، واستطاع أن يظفر باعتراف عديد الدول لجمهوريته التي أعلنها فيما بعد..
يجب علينا جميعا أن ندرك هذه المعطيات، وأن لا نبقى حبيسي تاريخ الطرفين القريب، باستشراف المستقبل كما قلت، والإيمان بأننا اليوم أمام معسكرين لا ثالث لهما لاختيار من الأحق بأن نعيش تحت ظله كصحراويين، إما أن نختار المغرب الذي نعرفه جميعا أو الجزائر التي نعرفها جميعا، أو نهلك وننتهي دون تحقيق ذلك.