شطاري-ألف بوست:
تستمر منطقة الريف وخاصة إقليم الحسيمة في تسجيل احتجاجات بلغت تطورات مقلقة للغاية بسبب ما حدث يوم الأحد 26 مارس 2017 من إحراق سيارات الشرطة في أعقاب مواجهات عنيفة. وهذا الوضع يتطلب معالجة وطنية جديدة تتميز ببرغمايتها بعيدا عن منطق العصا والتخوين.
هذه المنطقة وخاصة إقليم الحسيمة تعيش توترا مقلقا، حيث انتفض الشباب مطالبا بالكرامة خاصة بعد الحادث المأساوي الذي ذهب ضحيته تاجر السمك فكري. ويبقى مصدر الارتياح هو أن كل الاحتجاجات مرت في ظروف سلمية باستثناء المواجهات التي وقعت على هامش كرة القدم منذ أسبوعين بين الوداد وشباب الحسمية ثم ما وقع يوم الأحد 26 مارس من إحراق سيارات السلطة، وهو انفلات خطير يتطلب الإدانة والرفض ولكنه يدعو الى القلق.
وتاريخيا، تعرف منطقة الريف بثقافة التمرد المرتبطة برفض الظلم أكثر من اي شيء آخر، وهذا ما جعلها تعيش هزات سياسية وأمنية متتالية سواء في مواجهة الاستعمار أو بعد الاستقلال. وكل هذا ولّد للمواطن المغربي في هذه المنطقة حساسية خاصة تجاه السلطة المركزية، وتفاقم الوضع في ظل غياب مخطط تنموي حقيقي.
اقتصاديا، لا يعقل أن منطقة استراتيجية مثل الريف يقوم جزء كبير من اقتصادها على التهريب من مليلية، وتجارة المخدرات وتحويلات العمال المهاجرين، بينما تفتقر لمعامل صناعية وتفتقر لمؤسسات اجتماعية مثل مستشفى مركزي لمعالجة بعض الأمراض الخطيرة مثل السرطان، وهو مطلب الساكنة منذ سنوات طويلة.
سياسيا، لا يعقل أنه كلما طالب الشباب بالكرامة والعمل، تلوح السلطات بالعصا بدل الحوار، ويقوم جزء من إعلام المركز في الرباط والدار البيضاء، لا يفقه شيئا في تعقيدات المنطقة بنعت المحتجين بالتخوين والعمالة لجهات أجنبية، علما أن هذه المنطقة تاريخيا هي التي وقفت سدا في مواجهة معظم عمليات الاستعمار، والتاريخ شاهد على صمود مقاومتها منذ 1497 حتى الاستقلال.
هناك أصوات من المنطقة بدأت ترتفع، رئيس جهة تطوان-طنجة-الحسيمة إلياس العماري يقول أن 98% من شباب المنطقة بدون عمل وبدون أفق. فماذا يمكن انتظار من هذا الشباب في وقت تشهد فيه البلاد فوارق اجتماعية خطيرة، وفي وقت تقدم فيه الدولة المغربية عل تبرير اختلاس أموال وممتلكات الشعب من احتكار لشخصيات نافذة لقطاعات أو توزيع الأراضي بشكل مستفز للمشاعر الوطنية مثلما حصل في قضية “خدام الدولة”. كما أن هناك أحزاب مثل العدالة والتنمية الذي يتساءل عن السر في العسكرة المبالغ فيها في المنطقة.
إن ما يحدث في الريف من توتر اجتماعي هو نتيجة تراكم اليأس، كما هو نتيجة غياب مخاطب سياسي مقنع وله مصداقية، وهذا من نتائج مقاطع أغلبية الشعب للانتخابات. واستمرار هذا الوضع قد يتطور في حالة عدم المعالجة بالحوار الصريح والاعتراف بالأخطاء الى سيناريوهات مقلقة، خاصة في ظل بزوغ أصوات انفصالية، هي محدودة جدا، ولكن من يضمن أن لا تصبح مؤثرة مستقبلا إذا ما نجحت في تطوير خطابها السياسي مستغلة الأوضاع المقلقة في الريف.
إن الوضع في الريف يتطلب مجموعة من الإجراءات على رأسها:
أولا، تخفيض التواجد الأمني والعسكري في المنطقة لاسيما وأن التظاهرات تمر في أجواء سلمية، كما يستوجب الوضع إنهاء ظهير “عسكرة الحسيمة”، كما يتطلب فتح تحقيق في أشرطة فيديو تظهر بعض قوات الأمن وهي تكسر ممتلكات، ولم يصدر عن الدولة أي بيان بالتكذيب أو الرفض.
ثانيا، فتح الدولة المغربية الحوار مع نشطاء المجتمع الذين يحملون برنامجا اجتماعيا بدل الاكتفاء فقط بممثلي هيئات بلدية وقروية لا يمثلون أغلبية الساكنة بسبب مقاطعة الانتخابات. وقد وقف وزير الداخلية حصاد على هذا يوم الثلاثاء 28 مارس الجاري، ففي الوقت الذي اجتمع فيه مع ممثلي الهيئات مثل البلديات كان الشباب يتظاهر مطالبا الحوار الحقيقي.
ثالثا، تقديم مشاريع تنموية حقيقية تقنع الساكنة بدل برامج “بوير بوانت” لأن ماكياج الفوتوشوب لم يعد ينفعل أمام الواقع المرير للتنمية في البلاد ومنها في الريف، وهو ما تؤكده مؤشرات التقارير الوطنية والدولية.
رابعا، فتح الباب أمام مبادرات المجتمع المدني، فالمجتمع في المنطقة وبدعم من الجالية وهبات أجنبية، كفيل ببناء مستشفى لمعالجة أمراض السرطان المنتشرة بكثرة في المنطقة لو رخصت الدولة بذلك.
خامسا، وقف اتهامات التخوين في حق شباب يعاني من الإحباط ويسيطر عليه اليأس، لأن هذه الاتهامات صادرة عن أطراف غير مسؤولة في الدولة وعن جزء من الاعلام في المركز، وتعتبر مواقفها وقودا لمزيد من الاحتقان وتعقيد الوضع.
إن الوضع في الريف شائك لم يعد يحتمل هامش الخطئ بل الرصانة السياسة الدقيقة بدل العقلية الأمنية الضيقة التي تسببت في الكثير من المآسي للشعب المغربي.