نفعي عزات:
لا حديث في مدن الصحراء حاليا، سوى الحديث عن قناة الصحراء الوثائقية التي انطلق بثها التجريبي قبل يومين، والتي لاقت تشجيعا وتنويها من قبل العامة والخاصة، و فصائل الفيسبوك ومواقع التواصل الإجتماعي، حيث أجمعت كلها كما لم تجمع من قبل، على استحسان التجربة المولودة من رحم يصعبٌ الخروج منه، نظرا لحساسية الأمر، وخصوصية المنطقة، كاتب هذه الأسطر وفي اتصال مع الصديق والصحفي سعيد زريبيع ليبارك له، استنتج تفاؤلا كبيرا في نبرة المدير، وثقته بأهل الصحراء للإنخراط في هذا المشروع الضخم، وتكثيف جمهور المشاهدين واتساع البث بينهم من خلال ما تعتزم القناة نقله لهم من عادات مجتمع البيظان وتقاليدهم، وإرجاع أولئك المشاهدين لماضيهم والتذكير به وبتراثهم العريق السحيق، في زمن كثرت به مظاهر تشويهه وتدليسه، الأمر الذي سيزيد المسؤولية على القناة لإعادة الإعتبار لهذه الثقافة والمحافظة على وجودها والوقوف حائلا بينها وبين أشكال التمدن والتحضر التي تطمرها يوما بعد آخر.
طبعا القناة المولودة لتوها ليس مكتوبا عليها الإكتفاء بالبرامج الوثائقية وحسب، بل بإمكانها الإنفتاح والتوسع لتشمل تغطيتها مختلف مناحي حياة الإنسان الصحراوي وتطلعاته واهتماماته، وبإمكانها أيضا موازاة تلفزة العيون والسير معها في هذا الركب الإعلامي التلفزيوني بالرغم من عسر المهمة أمام انتقال الناس من الشاشات الكبيرة نحو ما بين أيديهم وجيوبهم من الشاشات الصغيرة التي أصبحوا أكثر وفاءا لها وأشد ارتباطا، وهو ما قد يجعل الساحة في تنافس محتدم لتقديم الأجود والأرقى من المواد الإعلامية التي لابد من النفض والمراجعة والعمل الدؤوب حتى تواكب عقليات المشاهدين وأذواقهم. إن الكتابة عن هذه القناة الوثائقية الجديدة، تستدعي الكتابة كذلك عن قناة العيون وتجربتها وكيف استطاع مديرها محمد لغضف الداه صناعة نخبة إعلامية لم يكن لأكثر من 90 في المئة منها أي أدنى اهتمام أو قل ولعا، بهاته المهنة المتعبة، لدرجة أنها تمرست والممارسة تُولد الإعتياد، وأصبحت تتفنن في صياغة التقارير وتقديم البرامج، وباتت قناة العيون مدرسة يتخرج منها كل مرة صحفيون بإتجاه قنوات فضائية عالمية مثل الجزيرة وغيرها، وفي ظل الإنتقادات التي تتلقاها تلفزة العيون وترمى بها، إلا أن ذلك لا ينقصها بل يزيدها، فمن يده في النار ليس كمن في الثلج يتمرغ، ما يستوجب على صحفيي القناة والعاملين فيها غلق أذانهم وسدها، فهم على درب النجاح سائرون والذي سطروه بما قدمته أيديهم واجتهادهم في إيصال الخبر لبيوت الناس ومجالسهم، وأصبحوا كذلك وجوها إعلامية أصبحت معروفة، كالسالك الزبير، وبراهيم اجدود، والساللك رحال، ويوسف زعواطي، ولفويرس ولمرابط وغيرهم كثير، من صحفيي تلفزة العيون التي تعتبر مثل الساعة يظهر منها جزء لكن الجزء الأهم والأكبر لا يظهر رغم أنه يحركها، والمقصود هنا الجنود المجهولين بمصلحة البث والبرمجة والمصالح التقنية والإشراف العام التي يمسك بزمامها “بدة عليوة”.
وبالعودة لقناة الصحراء الوثائقية فإنه من اللزوم عليها الاستفادة من تجربة العيون الجهوية، والنظر في مكامن خللها وتقديم ما غفلت عن تقديمه، ثم إن حدث انطلاق بثها التجريبي، سيدفع أيضا بإنطلاق السؤال عن العناصر البشرية التي ستنخرط بها والكفاءات القادرة على إنجاحها فليس مهما الدعم المالي بقدر ما هي الكوادر التي ستساهم في التغيير والتأسيس لمرحلة إعلامية جديدة ولن يتأتى ذلك في الحقيقة وبشكل صريح، إلا بتوسيع نطاق اختصاتصها وعدم الإكتفاء بالطابع الوثائقي لأن الصحراويين قوم ملل، ثم إن الموروث الثقافي يبقى مسألة أشهر أو سنة على الأكثر، لكي يتم نقله كاملا وإعداد برامج حوله، مما سيسقط القناة الوليدة في فخ الرتابة و التكرار والدوران في حلقة واحدة، لذا يجب جعل من البرمجة الوثائقية بداية ومنطلق، والإنتقال بعدها رويدا رويدا، لمعالجة الملفات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، معالجتها بعمق وتحليل وحياد، فقوة أي قناة هي في زخمها الإخباري والمستعجلات التي تنتشر وتتحرك في أقصر وقت و أوسع مساحة، كما يجب على القناة الوليدة ،إن ابتغت نجاحها، فتح شراكات بينها وبين الشاشات الصغيرة، وخلق صفحات لها بالفيسبوك، وتطوير أسلوبها كل وقت، فمن لا يتطور ينقرض، هذا وتعد التحديات كثيرة إذن أمام قناة الصحراء الوثائقية وهذا قليل من كلها، وهو ما يحتم على مسؤوليها التحلي بالإيجابية والتفاؤل مع العلم أن الكرة عند جمهور أهل الصحراء بالأساس لإنجاح التجربة ناهيك عن الجهات السياسة وفرق المنتخبين بإختلاف مشاربهم، للوقوف جنبا إلى جنب لإجتيازوعبور هذا الإختبار، إختبار الصدقية والغيرة والوطنية.
– نفعي عزات صحفي وباحث بالقانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية.