عبدالله جعفري:
في الوقت الذي يناقش فيه مختصو وخبراء حقوق الإنسان في بعض دول العالم إمكانية وسبل الإنتقال إلى الجيل الرابع (4ème Génération) من حقوق الإنسان والمتمثل في توفير الحكومات لمواطنيها الحق في العيش في رفاهية وسعادة (La Vie de Luxe)، يبدو أن الأجهزة الأمنية المغربية تريد أن تعود بالصحراويين إلى زمن النضال من أجل أقدس حقوق الجيل الأول (1ère Génération) التي كافحت الإنسانية طويلا من أجلها وفي مقدمتها حق الإنسان المقدس في الحياة.
سمعنا وقرأنا كثيرا عن التعذيب صعقا بالكهرباء داخل مخافر الإختطاف السرية وفي الأقبية غير النظامية المظلمة حتى ظننا أن الأسلوب صار شيئا من الماضي.
اليوم يأبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه ولكن بصورة أبشع وأكثر إيلاما.. عندما صار تعذيب المعطلين الصحراويين صعقا بالكهرباء ممارسة مشروعة وعلنية تمارس أمام الجمهور وفي الشارع العام وفي وضح النهار، وأبطال هذه الممارسة طلقاء محميون بلا حسيب ولا رقيب… !!
ولعل أخطر ما في الحادث هو أنه ليس صادرا عن رجل أمن بسيط أو برتبة متواضعة، بل أن الفعل صدر عن مسؤول أمني “معتبر” من المفروض فيه أن يتحلى بأقصى درجات المهنية والمسؤولية وضبط النفس وهو الذي يقود فرقة كبيرة من رجال الأمن ويؤطرها وتمتثل لتعليماته وأوامره.
في حين لا يتوانى القائمون على الشؤون الأمنية في الصحراء، عن كيل المديح والتغني بـ”المهنية وضبط النفس العاليتين” اللتان “تمتاز” بهما وحداتهم الأمنية. ولا يتركون فرصة تمر إلا وأشادوا بـ “مستوى آداء” أطر ورجال أمنهم وبـ “أخلاقهم الفاضلة”. مؤكدين أن وحدات أمن العيون تتلقى “تكوينات مستمرة” في مجالات حقوق الإنسان كان آخرها، حسب زعم هؤلاء المسؤولين دائما، دورات تكوينية وتأطيرية مكثفة دامت زهاء سنة كاملة !
فما الجدوى إذن من التكوين والتأطير إن كان لا ينعكس على السلوكيات والممارسات اليومية، لهذه القوات الأمنية ؟!! وهو ما تثبته الوقائع والأدلة التي تكشف في كل مرة عن درجة متأصلة من الحقد والضغينة والعنصرية لدى هؤلاء الأمنيين تجاه مواطنين محتجين بشكل مسالم، بل أحيانا تتجاوزه إلى كل ما يمت إلى الإنسان الصحراوي بصلة.
حادث صعق الطالبة الباحثة “فاطيمتو بوجلال” كهربائيا وتعريض حياتها لتهديد مرتفع الخطورة عن طريق سلاح قاتل (عصا كهربائية) محظور دوليا أثناء فض التجمعات السلمية، وتعنيفها وإهانتها وتعذيبها علنا، هو حسب المراقبين والمختصين جريمة شروع في القتل وسابقة خطيرة تستوجب التوقف عندها مطولا. كما أنه يسائل كل المسؤولين الأمنيين المباشرين وغير المباشرين عن هذه الواقعة الخطيرة جدا والغير المسبوقة.
ويطرح أسئلة أخرى عميقة وملحة حول الوضع الحقوقي في الصحراء. ولعل من أبرزها؛ ماذا يمكن أن يتوقع أو أن ينتظر الرأي العام المحلي من خروقات أمنية بعد هذه الخطوة الحماقة ؟ والتي تأتي في خضم وقفة سلمية لمعطلين صحراويين حوصرت وقفتهم وقمعت وعنفت حتى قبل أن تبدأ، وبأساليب تزدري وتستخف بكل النصوص والقوانين الجاري بها العمل نفسها، التي تنظم كيفية التعامل مع الإحتجاجات المدنية والسلمية… !!!
أخيرا، قال العرب قديما :”فاقد الشيء لا يعطيه”.. وقد صدقوا