كود-العيون:
للصحراء عادات وأعراف قدست الجنس البشري لاسيما المرأة، إذ منحتها مكانة راقية داخل المجتمع ووشحتها بوسام الإكرام والإحترام، طبقا لتوصيات الآباء والأجداد الذين أوصوا بهم خيرا باعتبارعهن عمادا له.
الحال لم يتغير عن ما كان عليه سابقا إلا قليلا، عندما باتت حالات كالتحرش بالنسوة تؤرق بال المجتمع الصحراوي، وتطفو على السطح متنصلة من القواعد المجتمعية لتبعثر أوراق التقاليد والأعراف التي كانت حتى وقت قريب موسومة بالشمع الأحمر دونما تجاوزات، فحالات التحرش بالنساء في الصحراء ارتفع منسوبها بوضوح خلال السنوات الأخيرة كل من موقعه ومنطلقه، بدءا من مواقع التواصل الإجتماعي الذي أصبح وسيلة، وصولا للشارع العام، أين تختلف العبارات وتتنوع الإيماءات لتصل حد الأفعال، حينها تتكتم المرأة الصحراوية.
ففي العيون على سبيل المثال لا تحتاج كثيرا من الوقت لتكتشف أنواعا مختلفة من أنواع المتحرشين، يكفيك فقط التجوال بشوارع معروفة على مستوى المدينة على غرار شارع مكة والقيروان وساحة الدشيرة وشارع السمارة واسكيكيمة وبوكراع قبلة المتحرشين الذين يعتبرونها مقصدا لإخراج مكبوتاتهم، خصوصا أيام السبت والأحد، عندما تعج هذه الشوارع بالجنسين لتصبح فضاءا خصبا للغمز واللمس، لا تستثنى منه المراهقات ولا المتزوجات ولا حتى الأمهات.
وفي هذا الصدد يؤكد رؤوف عقيل منسق المنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة العيون بوحدور الساقية الحمراء، أن هناك إجماعا كون التحرش بالنسوة سلوك مرفوض مهين للمرأة، وجريمة في حقها يعاقب عليها القانون، ثم ظاهرة خبيثة دخيلة على المجتمع الصحراوي، ومرض نفسي يصيب بعض الرجال الذي يتعاملون مع المرأة كجسد فقط.
بالعودة لمواقع التواصل الإجتماعي يكفي فقط افتعال حساب فيسبوكي على سبيل المثال، ونشر صورة مأخوذة عن “غوغل” لينطلق سرب المتحرشين في استلهام قاموس الجمال، ولعل أشهر تلك جمله “ما شين شي”، أو “شايلة يا راس النعامة”، أما “وني بيك” فحدث ولاحرج، وغيرها من الجمل التي ترتبط في المجتمع الصحراء بالتغزل بالنساء، والمستعمل في قاموس الشعر والنثر عن قبول بين زوج وزوجة وخطيب وخطيبة.
المتحرشون بمواقع التواصل الإجتماعي عامة يختارون ضحاياهم بعناية فائقة، فتجدهم يبحثون عن صور مراهقات خليعة وبروفايلات نسوة زاوجوا بين التدوينات المثيرة والصور المعدلة باستعمال تطبيقات معروفة تنفخ وتشفط مناطق معينة بالجسم، ليبدء مشوار المعاكسة والسعي وراء رقم هاتف وواتساب لغاية في نفس إبليس.
لم تتوقف المعاكسات أو ما يصطلح عليه بالتحرش الجنسي عند هذا الحد، بل هناك من جسده على أرض الواقع دونما تردد، فتجد فئة اختصت بالصفوف الأمامية في المقاهي العمومية والمحلات التجارية، لا شغل شاغل لها سوى تقريب صورة الأجساد “زووم”، توزع الإبتسامات ويمنة ويسرة، بل وتتطور حد إعلان الإنبهار باستحضار كلمة “جفة” باللهجة الحسانية بصوت مسموع -بالضغط على حرف الفاء- وهو ما معناه قوام أو قد رائع، كنوع من الإطراء الذي يدخل ضمن نطاق نصب الشباك استعدادا لجني الثمار حسبهم، وقلة أدب وميوعة وتحرشا غير مرغوب فيه بالنسبة للنسوة.
وتروي خديجة أنها تتعرض يوميا للتحرش الجنسي الذي لايرقى للمس، إذ تبرز أنها أصبحت تفرض مسافة بينها والمقاهي والمحلات التجارية، او ما تسميه بالمنطقة العازلة هربا من كلمات تكون في بعض الأحيان ذات مدلولات جنسية، مفيدة أن هناك من النسوة من تتعمدن المرور من أمام المقاهي لإبداء مفاتنهن من خلال تغيير المشية لإثارة الإنتباه، وذلك ليس بتحرش، والمعنيات بالأمر مسؤولات عنه.
فئة أخرى من المتحرشين تشكلت في مدينة العيون؛ فئة جعلت من السيارات وسيلة للتحرش، تلحظها منذ الوهلة الأولى في كل مكان، خصوصا فترة الظهيرة، والتي تستهدف فيها الطالبات والموظفات والمرتبطات بمهام في الإدارات العمومية، فما إن تجد امرأة حتى تجد متربصا مرابطا بزقاق معين ينفث سم كلامه تارة، ليقطع طريقها تارة، ويهرول من مركبته تارة دون فقدان أمل في تحصيل رقم هاتف أو موعد.
ويشير الحقوقي رؤوف عقيل أن المنتدى المغربي لحقوق الإنسان رصد أزيد من خمسين حالة تحرش في سنة 2017 فقط، جلها تتعلق بسائقي السيارات، بيد أن صعوبة إثباتها وغياب دلائل ملموسة تبقى أكبر حاجز بالنسبة للمنتدى لإتخاذ التدابير القانونية في حق المترشحين، مضيفا أن الرقم أولي بالنظر لعدة أسباب ترتبط بقيود المجتمع وصعوبة البوح خوفا من تأثير ذلك على العائلة، أو تفاديا لصرعات قد تلوح فقط بعد تدخل الإخوة والأقارب والأهل.
من بين تلك الفئات أيضا العديد من سائقي سيارات الأجرة الشباب منهم -ليس الكل-، حيث تؤكد العديد من النساء في مجامعهن تعرضهن للتحرش من طرفهم، حيث تلمس تلك الأفعال واقعا في حالة سعي هؤلاء لتوصيل الجنس اللطيف فقط دون الخشن، وتلكم شائعة بالتجربة، قصد التفرد بهن، لذا تجدهم يعرضون عن إركاب غيرهن، أو الوقوف حتى للذكور، فضلا عن موظفي الإدارات العمومية الذين لا يكلون ولا يملون من ترديد الجمل المعروفة “وني بيك” و “ويا سعد الدنيا” وغيرها ليتلوها طلب رقم الهاتف لإخبار المتحرش بها بقضاء حاجتها في حالة إنهاء المعاملة الإدارية.
وفي هذا السياق تبين العشرينية المتزوجة أسماء، أن حالات التحرش من لدن بعض سائقي سيارات الأجرة لا يمكن تخيلها، وتستشري جليا بالعيون، قائلة أن أغلب المتحرشين من الشباب تحديدا، إذ يبادرون لاختلاق مواضيع للنقاش قصد التقرب للزج بمصطلحات الإطراء والتغني بالجمال، فالبحث عن رقم الهاتف كالحالة التي تعرضت لها سنة 2016، والتي أكدت أنها أنهتها بالتصريح للسائق بكونها متزوجة، لكن ذلك لم يشفع لها، ليجيبها السائق كون ذلك لن يقف عائقا أمام تعارفهما واللقاء.
ويوضح الفاعل الحقوقي، أن التحرش ممارسة غير مقبولة بتاتا، لعل القاسم المشترك بين كل الفئات المذكورة سلفا هو الكبت والتصابي “التبرهيش” والمراهقة المتأخرة التي تعتبر مرض العصر المرتبط بالتحرش، مسترسلا أن بعض النسوة تتحملن أيضا جزءا من مسؤولية هذا التحرش من خلال ما وصفه بالتبرج المميع، وطريقة المشي بالشارع العام وإيماءاتهن كالنظرات وغيرها، ما يجعلها عرضة له، حيث يفسر المتحرشون تلك السلوكيات بكون المتحرش بها تتقبل هكذا تصرفات لا أخلاقية.
لم يتوقف التحرش عند الجنس اللطيف فقط، وتجاوزه للتحرش بالرجال أيضا على غرار ما يقع بحفلات الزواج، لكن الكل يؤمن بضرورة الحد منه والقضاء عليه وإعادة المرأة لمكانتها الطبيعية في الصحراء، والتي أمنتها لها الثقافة الشعبية والتقاليد.