المستقبل الصحراوي:
بغرض الاجابة عن العديد من التساؤلات التي أثارها الاعلان عن البيان التأسيسي للمبادرة الصحراوية من أجل التغيير، تستضيف مجلة المسقبل الصحراوي، السيد : الحاج احمد بارك الله، عضو تنسيقية المبادرة الصحراوية من أجل التغيير، والذي شغل سابقاً العديد من المناصب الوزارية منها وزير منتدب مكلف بامريكا اللاتينية، و وزير للتعاون في الحكومة الصحراوية.
أجرى اللقاء : سعيد زروال
في البداية نرحب بك ضيفا على مجلة المستقبل الصحراوي، و السؤال البديهي الذي يتردد على لسان أي مواطن صحراوي، هل المبادرة الصحراوية من أجل التغيير، هي مبادرة في اطار جبهة البوليساريو كممثل شرعي و وحيد للشعب الصحراوي، أم أنها مبادرة خارج عن اطار جبهة البوليساريو ؟
المبادرة الصحراوية من أجل التغيير، هي مجرد دعوة للنقاش والحوار الذي يعكس الإنشغالات والآراء السياسية للكثير من الصحراويين الذين يدركون تعقيد هذه اللحظة ويرون الحاجة الماسة إلى ضرورة التصحيح العاجل من أجل إنقاذ المشروع الوطني، و بطبيعة الحال، هو عمل ننوي أن نضعه في إطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، باعتبارها الحركة الوحيدة المعترف بها كممثل شرعي و وحيد للشعب الصحراوي، ولم نكن في أي وقت من الأوقات ننوي أو نسعى الى التقليل من قيمة جبهة البوليساريو كرائد لنضالنا الوطني، لذلك، لا تعتبر المبادرة كيانا منفصلا عن حركة تحريرنا الوطني، وتطلعاتنا هي أن تكون جزء من تنوع الآراء السياسية ، ونأمل أن لايتم التعامل معها باساليب التشويه، أو اعتبارها كجسم غريب ، في تلك الحالة ستفرض علينا الظروف مراجعة خططنا المستقبلية.
يعيب البعض على أصحاب المبادرة أن إعلانها جاء من خارج مخيمات اللاجئين الصحراويين؟ فلماذ لم يعلن عن هذه المبادرة من داخل المخيمات؟
في اعتقادي أن سبب هذ الانطباع يرجع إلى أن بعض الأشخاص ذوي الصلة بالمبادرة هم موظفون مدنيون ويعملون في الخارج، وهذا هو السبب، ولكن في رأيي أن هذا الظرف لا ينتقص من قيمة المبادرة ، فعلى سبيل المثال، عقد المؤتمر الأول لجبهة البوليساريو في بلد أجنبي –موريتانيا- ولم يقلل ذلك من أهميته ، وبغض النظر عن المكان الذي ولدت فيه مبادرة التغيير ، لا بد لي من أن أؤكد أنها لم تنشأ كقوة سياسية، بل هي دعوة للاستيقاظ ، من الوضعية الراهنة و من أجل فتح نقاش جدي في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الشعب الصحراوي، و نريد من خلالها أن نشرك جميع الصحراويين وليس فقط أولئك الذين ينتمون للسلطة السياسية، والغرض الاساسي هو تعزيز سبل البحث عن حلول لأوجه القصور الذي تعاني منه الحركة والدولة الصحراوية ، وبهذا المعنى، تنضاف المبادرة الى الانشغالات التي عبر عنها الرئيس الجديد، و الذي أشار في بياناته وخطاباته الأولى بشكل مباشر وغير مباشر إلى الفوضى والفساد والحاجة الماسة إلى التغيير والتصحيح الذي لازال ينتظر تجسيده على الارض، وهذه فرصة مواتية لفخامة الرئيس إبراهيم غالي.
البعض يعتبر بأنكم جزء من منظومة الفساد، ولا يمكن لمن تورط في الفساد ان يحاربه، كيف تردون؟
ليس لدينا النية ، ولا علينا أن نضع أنفسنا كمدعين عامين للحكم على السلوكيات الشخصية عندما ننظر إلى كل شخص في النظام اعتباره متورطا في الفساد ، و في وثيقة البيان تحدثنا عن حالات من الفساد فقط، و ما هو مستهجن هو عدم قدرة النظام على تفعيل أجهزة الرقابة والقوانين التي تم التصديق عليها في أكثر من مؤتمر ، فالسلوكيات الشائنة من هذا النوع، كما هي الحال في جميع أنحاء العالم، لا تنمو إلا عندما تكون المؤسسات هشة أو لا تمارس وظائفها على الوجه الصحيح، وفي ظل هذا الواقع أصبح من الواضح أن مؤسساتنا الوطنية اصبحت جد ضعيفة و لا تمارس دورها المنوط بها، وهو ما تسبب في انتشار الفساد.
لماذا لم يتم الاعلان عن هذه المبادرة قبل سنوات، لأن الفساد موجود منذ عدة سنوات وبمختلف المؤسسات، ولماذا لم تساندوا بعض الحركات التي اعلنت عن معارضتها للفساد مثل شباب 5 مارس؟
جاءت هذه المبادرة نتيجة لعملية تفكير وتتويج للعديد من التجارب والجهود الشخصية والجماعية التي بذلت في الماضي، بما في ذلك دون أدنى شك، ماقام به شباب 5 مارس، اما لماذا ظهور المبادرة الآن وليس قبل ذلك؟ فالظروف الموضوعية هي من تحدد الوقت المناسب لأي مبادرة، وأعتقد أن الوقت قد حان لتوحيد كل الجهود ، وبصورة خاصة من طرف فئة الشباب الذين عليهم تحمل المسؤولية من أجل إعادة قطار القضية الوطنية الى سكته الصحيحة، وفي هذا الاطار من الضروري حدوث إنتقال أو تداول للسلطة بين مختلف الاجيال ، وهي عملية ضرورية للتغلب على ركود القيادة الحالية.
ماهو موقفكم في حالة تم منعكم من عقد الاجتماع التأسيسي للمبادرة داخل مخيمات اللاجئين الصحراويين؟
أشك في أن “المزاج الديمقراطي” للقيادة الحالية، وخاصة ما يسمى بالبارونات أو الصقور، يسمح بتنظيم أي حدث غير مسبوق. الشيء المعقول هو أنه بعد 30 عاما من سقوط جدار برلين، يجب القضاء على كل المخاوف التي توضع أمام ظهور أي أفكار أو برامج إصلاحية ، وهو ما ينسجم مع مباديء جبهة البوليساريو خاصة مبدأ النقد والنقد الذاتي، وكما هو معروف أن النظام السياسي القوي والمنسجم هو النظام القادر على التجدد من الداخل، دون تلقي ضربات خارجية أو صدمات داخلية قد تنعكس على وحدة الصف الوطني كما جرى في أحداث 1988، بالرغم من أن الدوافع و الاهداف كانت مختلفة.
على أية حال هذه هي البداية وليس هناك أي تقدير لرزنامة العمل المستقبلية، وما نأمله هو أن يستقبل الشارع الصحراوي هذه المبادرة بإرادة جادة من أجل اثراء النقاش للتصحيح ، و نتمنى ان لا يكون هناك أي تخوف من عبارات مثل التصحيح أو المراجعة، لأنها ممارسة صحية وضرورية ولاغنى عنها في الممارسة السياسة، و من الضروري اجراء مراجعة دائمة لسياسات التسيير ، و تاريخ الإنسانية مليء بالأمثلة و شاهدنا مؤخراً كيف انتهى النظام في بعض البلدان العربية، لأنه نظام بني حول أشخاص و شعارات و بعض المطبلين ، والنتيجة كانت هو تلاشيء تلك الانظمة بسبب عدم قدرتها على التجديد والتكيف مع المستجدات، ومن المؤسف في الحالة الصحراوية وجود اسماء قيادية بالنظام الصحراوي امضوا أكثر من 30 سنة و مسارهم المهني غير مشرف، وهو ما سيؤثر على صورة الدولة الصحراوية خارجيا، اضافة الى ان التداول على السلطة اصبح مرهون بوفاة من يزاولونها في تناقض تام مع المباديء الديمقراطية.
تحدثتم عن رفضكم لاستمرار الوضعية الحالية التي تمر بها القضية الصحراوية منذ 1991 ، هل لديكم مشروع لاخراج الشعب الصحراوي من مستنقع الامر الواقع؟
أولا لا يجب ان تضعنا في وضعية حرجة من أجل إيجاد حل سحري للقضية الصحراوية التي عجزت الامم المتحدة عن حلها، وليست لدينا خارطة طريق ، لكننا على يقين انه من الصعب التقدم في طريق الحل في ظل المؤسسات الهشة التي تقوم عليها الدولة الصحراوية حالياً، وينبغي أن يكون إصلاح مؤسسات الدولة الصحراوية هو نقطة الانطلاق لأي نقاش، و من ناحية أخرى، يجب على القيادة أن تتعلم من أخطاء الماضي، و من القرارات الارتجالية وغير الناضجة التي وقعت فيها أكثر من مرة بصفة فردية أو جماعية، ونتائجها هي ما يفسر استمرار وضعية الجمود الحالية، والغموض الذي يكتنف مستقبل القضية الصحراوية، و أشير هنا إلى الخطأ التاريخي الذي وقع أثناء التوقيع على اتفاقية السلام مع موريتانيا، وخطة الأمم المتحدة للسلام لعام 1991، والصمت عن السماح للاحتلال المغربي بفتح طريق بمنطقة الكركرات المحررة في السنوات الاولى للتوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار ، و طريقة الانسحاب التي تمت هذا العام من منطقة الكركرات، وكذلك، فإن ارتكاز الخطاب السياسي الصحراوي على الفرضيات والسيناريوهات الوهمية، و إطلاق تعهدات بناءاً على اجندات المنظمة الاممية، وهي أجندات بعيدة عن تحكم الطرف الصحراوي وتخضع لمصالح البلدان الكبرى، اضافة الى التهديدات المتكررة بالعودة للكفاح المسلح دون الرغبة أو القدرة على الوفاء بها، وهو ما أثر على مصداقية القادة و وضع الرأي العام الصحراوي في حالة من الحيرة الدائمة.
و يجب على القيادة السياسية الحالية لجبهة البوليساريو أن تقدم للشعب الصحراوي كشف حساب عن 44 عاما من النضال والتضحيات، وعليها ان تخاطب الشعب بخطاب واقعي، والاجابة عن الاسئلة : ماذا حققنا؟ وأين نحن؟ والى أين نحن ذاهبون؟
في بيانكم التأسيسي تحدثتم عن البحث عن امكانات دعم جديدة من أجل حل متفاوض عليه على أساس الشرعية الدولية، ماذا تقصدون بهذا؟
ما نقترحه هو ضرورة العمل حتى نتمكن من الحصول على تأييد للوصول الى حل تفاوضي بين المغرب وجبهة البوليساريو يحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، في أقرب وقت ممكن ، ولهذا الغرض فإن الاتصالات مفتوحة مع مختلف القوى السياسية والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني في الخارج.
هل تشاورتم مع أطراف خارجية مثل بعض الدول او المنظمات قبل الاعلان عن البيان التأسيسي للمبادرة؟
لم تحدث أي اتصالات مع أي طرف خارجي. وكانت المشاورات الوحيدة بين مجموعات من المثقفين والكوادر الصحراوية.
طالبتم بضرورة التفكير و التحرك من أجل حل المشاكل الاجتماعية الناجمة عن سنوات اللجوء و الحرب و تحسين الخدمات و ايجاد حلول لآمال شبابنا اليائس، هل لديكم أفكار عملية لذلك، ام أن هذا فقط للاستهلاك الاعلامي؟
لايحب الخلط بين المفاهيم، لأن جبهة البوليساريو والدولة الصحراوية هي التي تتحمل المسؤولية والالتزام بالاضطلاع بهذه المهام.، ومن الواضح أن السياسات الاجتماعية كانت فاشلة لأن المؤسسات لم تعد أدوات ملائمة لهذا الجهد، واليوم تتمثل المهمة الرئيسية في إستعادة هذه المؤسسات التي تحولت مؤخرا إلى ممتلكات خاصة وتقويتها من الأصغر إلى الأهم أو الاستراتيجي بطريقة تمكنها من مواجهة التحديات والمشاكل الحقيقية للشعب ، والشباب في المقام الأول.، و الحد من الفساد والإفلات من العقاب، وتعزيز القوانين وضمان الأمن للمواطن، وتحسين الخدمات، والحد من أوجه التفاوت الاجتماعي، والتشديد على البرامج الاستثنائية للقطاعات الأكثر ضعفا، و العناية بشكل كبير بألأطفال وأرامل الشهداء. ومن أجل ذلك، يجب الاستفادة بشكل أفضل من البرامج الاجتماعية ومشاريع المعونة الإنسانية و مشاريع التعاون؛ و يجب فتح المجال لمشاركة الشباب والنساء، ولكن من معايير الكفاءة والمساواة والشفافية والأمانة وليس على أساس اعتبارات ذاتية مثل التقارب الشخصي والصداقات وغيرها من المعايير التي كان لها الضرر الاكبر على مشروعنا الوطني.
وفيما يتعلق بالمناطق المحتلة، من الضروري استعادة الروح النضالية، والابتعاد عن المقاربات القائمة على الخلافات والانقسامات القبلية بين المجموعات والمنظمات الحقوقية المختلفة ، وإعطاء الأولوية لتحرير السجناء السياسيين وعلى رأسهم مجموعة أكديم إيزي، و يجب أن يدرج ملف الافراج عن المعتقلين السياسيين كشرط لبدء المفاوضات مع المغرب و للتعاون مع الأمم المتحدة.
وعلى الصعيد الخارجي، هناك مهمتان أساسيتان:
استعراض وتعزيز آليات التنسيق والحوار مع الحلفاء وإعادة هيكلة الدبلوماسية التي تعاني من الخمول وعدم الفعالية في السنوات الاخيرة.
الكثيرون اعلنوا عن نيتهم في إصلاح مؤسسات الدولة الصحراوية وتطهيرها من الفساد، ولكن بمجرد تعيينهم في الحكومة او في السلك الدبلوماسي يتراجعون عن نيتهم في احداث اي تغيير، هل ستتراجعون عن هذا المشروع بعد تعيينكم في أي حكومة او حركية دبلوماسية قادمة؟
شخصيا لم تعد لي أي إرادة لتلقد أي منصب سياسي، وفي الواقع قدمت استقالتي لمرتين، و منذ المؤتمر الرابع عشر، وجدت نفسي مقصى حتى من الهياكل التنظيمية ، ومحروم من الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن صحراوي، ولم استطع حتى تجديد جواز سفري الصحراوي، وأكرر هنا أن هدفنا من هذه المبادرة هو القيام بمراجعة لمسارنا النضالي، حتى لا استخدم كلمة التغيير لأنها تعتبر من الطابوهات، بل ان الهدف هو المراجعة و الاصلاح من خلال النقاش الرزين والناضج والبناء.
هل من كلمة اخيرة ؟
بالرغم من الصعوبات، لكننا لا نرى أي مجال للتشاؤم ، بل جد متفائلين بمستقبل الشعب الصحراوي من أجل التعاون للخروج من الوضعية الراهنة التي لا يرضى عنها الا المستفيدين منها.