محمد سالم العربي:
الصراع الديبلوماسي والاعلامي بين المغرب وجبهة البوليساريو ليس وليد اليوم، فهو نتيجة تراكمات أربعين سنة تفرقت بين الحرب والسلم واللاسلم.
فمنذ وضعت الحرب أوزارها بين الطرفين عام 91، اشتغل الطرفان على إثبات حق كل واحد منهما على “إقليم الصحراء الغربية” الذي غادره المستعمر الاسباني عام 75، وهي السنة نفسها التي أعلن فيها الراحل “الحسن الثاني” عن تنظيم المسيرة الخضراء التي شارك فيها المئات من مختلف مدن الشمال المغربي “لتحرير الصحراء”.
جبهة البوليساريو ترى عكس ذلك تماما، حيث تعتبرها مسيرة أتت على الأخضر واليابس، وجعلت أعدادا من الصحراويين يلجؤون الى الجارة الشرقية الجزائر، واعلان جمهورية من طرف واحد، نجحوا في أن تكون “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي” داخل أروقة الأمم المتحدة، غير أن آخرين موالين للمغرب يرون عكس ذلك تماما وألا ممثل للصحراويين إلا الذين منحوا أصوات الشعب لتمثيلهم داخل الادارة المغربية.
انتقلت بعدها جبهة البوليساريو لكسب مزيد من الشرعية داخل المنتظم الدولي، وحصدت اعترافات كثيرة داخل افريقيا وأمريكا اللاتينية والدول الاسكندنافية، بينما ظل المغرب شاردا لسنوات أمام هذه الماكينة ذات “الدينامو” الجزائري.
فلم تترك الجزائر الجبهة تصارع وحدها ضد المغرب، ووظفت لذلك مالها وأرضها ورجالاتها، انتقاما مما يصفه البعض بالعداء التاريخي للمغرب، وليس حبا في عيون الصحراويين، تداعيات هذا الجانب الضيق من دعم الجبهة عجل بعودة عدد من أقطابها إلى حضن المغرب،بعد الخطاب الشهير للملك الراحل “الحسن الثاني”،ان الوطن غفور رحيم، فمنحت لهم مناصب سامية داخل الادارة المغرب عربون عرفان لذلك.
لم ينل عودة هؤلاء إلى المغرب من عزيمة الجبهة ومبادئها التي تضع “القضية الصحراوية” فوق الأشخاص، ولم ينقص ذلك من مستوى الحشد الشعبي والتعاطف الذي تلقاه بين داعميها، على الأقل في ذلك التاريخ.
انتقلت بعدها جبهة البوليساريو وبمجهودات أممية وموافقة من المغرب في سلسلة من المفاوضات السرية والعلنية لإيجاد مخرج طال باستمرار معاناة الصحراويين بين الضفتين، فظل الطرفان متمسكين بقناعاتهما التي لم تتزحزح قيد أنملة، بين فريق ملح على استقلالية الصحراء، وثان بتقديم حكم ذاتي موسع كأقل التنازلات.
بعد لقاء مراكش وغيره من اللقاءات، انطلقت منذ زمن مفاوضات رسمية وغير رسمية بين طرفي النزاع، دائما تحت الاشراف الاممي، دون أن تحرك من المياه الراكدة شيئا، وجاء المبعوث تلو المبعوث دون أن ينجح واحد منهم في تقريب وجهات النظر بين الطرفين لإيجاد حل ثالث قد يرضيهما.
جلس ممثلوا الجبهة والمغرب على طاولة واحدة، وهو اعتراف ضمني من المغرب بوجود هذا الكيان الذي لا يعترف به علنا.
الأشهر الأخيرة شهدت تحركا للديبلوماسية المغربية غاب عنها منذ أربعين سنة، فجعلت تصول وتجول بين دول العالم من أجل تسجيل نقاط لصالحها حول أحقيتها باقليم “الصحراء الغربية” وهو مانجحت فيه وإن بنسب متفاوتة دون أن تحرك من شعبية الجبهة شيئا، على الرغم من أن مراقبين يرون تراجع دور ديبلوماسية الجبهة.
فالمغرب أعلن مؤخرا رغبته في العودة إلى الاتحاد الافريقي الذي غادر منظمته منذ 32 عاما، لكنه اشتغل ولا يزال في الخفاء من أجل عدم الجلوس على طاولة واحدة مع الجبهة، واستقدم أيضا إلى مدينة العيون وفدا هاما من ممثلي برلمان أمريكا الوسطى أهم داعم للبوليساريو في سابقة هي الأولى من نوعها في مسلسل النزاع، وفي المقابل يرى الطرف الثاني أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد زوبعة في فنجان لن تضر الجبهة في شيء.
واليوم تتجه المنظمة الأممية إلى إحياء المفاوضات الخامسة بين الطرفين، حيث من المتوقع وصول المبعوث الاممي “كريستوفر روس” إلى المغرب والمخيمات لتنسيق ذلك، في وقت لا يزال الطرفان متمسكان بأحقية مقترح كل واحد منهما على الآخر.