شطاري-الصحيفة:
شرع المغرب في خوض الجولات الأخيرة من المفاوضات، داخل أروقة الأمم المتحدة، بالتزامن مع أشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة المنعقدة بنيويورك، من أجل الوصول إلى قرار غير مسبوق لمجلس الأمن الذي سيُناقش ملف الصحراء شهر أكتوبر المقبل، يحسمُ أساسا في تغيير هوية البعثة الأممية في المنطقة، وفي دعم الحكم الذاتي المغربي بشكل صريح وغير قابل للتأويل، وفق ما توصلت إليه “الصحيفة” من مصدرين دبلوماسيين.
وتقاطعت مُعطيات المصدرين بخصوص “المشاورات” التي يُجريها حاليا وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، برفقة السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في نيويورك، مع ممثلي العديد من دول العالم، وفي مقدمتها المُمَثَّلة في مجلس الأمن بصيغته الحالية، وذلك من أجل حشد الدعم الدولي للمسار الجديد الذي يُنتظر أن يتخذه الملف شهر أكتوبر المقبل.
وأوضح المصدران أن المسألة الأولى التي تُناقشها الدبلوماسية المغربية “على مستوى رفيع”، هي “إعادة تعريف البعثة الأممية في الصحراء”، بمعنى أن الرباط، مدعومةً أساسا بكل من واشنطن وباريس ولندن، تدفع باتجاه صدور قرار من مجلس الأمن يُلغي الوضع الحالي لبعثة “المينورسو” التي تُعد اختصارا لعبارة “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية”، بآخر مُختلف في المعنى القانوني والصلاحيات، يتمحور أساسا حول تنزيل الحل السياسي الوحيد الممكن، الذي لن يخرج عن نطاق “الحكم الذاتي”.
هذه المعطيات، تتقاطع مع أخرى سبق أن نشرتها “الصحيفة”، بخصوص سعي المغرب، مدعوما بالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة، إلى جانب العديد من الدول الكبرى ذات التأثير داخل أروقة الأمم المتحدة، لاعتماد تسمية جديدة للبعثة، وتدفع واشنطن حاليا في اتجاه اعتماد عبارة “المانساسو”، والتي تعني “بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في مفاوضات نظام الحكم الذاتي بالصحراء الغربية”.
المصدران معا، لم يحسما في الصيغة التي سيجري اعتمادها كمُسمى جديد للبعثة الأممية، لكنهما أيضا اتفقا على أن مهمة “المينورسو” ستصل إلى نهايتها عبر قرار مجلس الأمن الصادر في أكتوبر القادم “بنسبة كبيرة جدا”، مع التشديد على قطيعة الصيغة الجديدة مع مفهوم “استفتاء تقرير المصير”، واعتماد مفهوم “الحكم الذاتي” في الصيغة الجديدة.
أما المسألة الثانية التي يعمل عليها المغرب، انطلاقا من معطيات متقاطعة حصلت عليها “الصحيفة”، فهي أن يتبنى مجلس الأمن الدولي في قراره المقبل، مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية كـ”خيار وحيد” لإنهاء النزاع حول الصحراء، وهي الصيغة المرتبطة رأساً بالمسألة الأولى، فالبعثة الأممية “الجديدة” سيجري تحديد وضعها القانوني انطلاقا من القرار الذي ستُصوت عليه الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بما في ذلك الجزائر التي لا تزال تتمتع بالعضوية غير الدائمة.
وأوضح المصدران أن جولات التباحث التي يُجريها بويطة والوفد الدبلوماسي المغربي في نيويورك خلال الأيام الأخيرة، تركز على الوصول إلى صيغة “واضحة وصريحة” لتضمينها في قرار مجلس الأمن الذي ستتولى الولايات المتحدة الأمريكية صياغته، بحيث تحسم في كون الحكم الذاتي هو الخيار العملي والبراغماتي الوحيد الممكن لطي هذا الملف الذي عمَّر لـ 50 عاما، على اعتبار أنه يستند إلى دعم دولي غير غير مسبوق ومتزايد.
وبخصوص احتمال عرقلة هذا المسار أمام مجلس الأمن، عن طريق التصويت ضده من طرف أحد الأعضاء الدائمين، وخصوصا روسيا والصين، أوضح المصدران لـ”الصحيفة” أن ذلك “مُستبعد جدا”، وأحدهما فصَّل في الأمر بشكل أكبر، موردا أن جمهورية الصين الشعبية أخطرت المغرب بشكل رسمي أنها لن تُصوت ضد أي قرار “يدعم الوحدة الترابية للمملكة”، وأنها ستُخضع تصويتها لتقديراتها السياسية، لكنه سيتراوح بين التصويت لصالح المشروع المنتظر، وبين الامتناع عن التصويت في أسوأ الأحوال.
أما بالنسبة لروسيا، فلم يصدُر عن المصدرين تأكيد مماثل، لكنهما اتفقا على أن المتوقع هو أن تمتنع عن التصويت كما فعلت خلال السنوات الماضية، لأن تصويتها ضد مشروع القرار سيعني أنها ستستعمل حق النقض “الفيتو” ضد الوحدة الترابية للمغرب، البلد الذي تجمعها به مصالح سياسية واقتصادية. وكإشارة مهمة، فإن توقيت حصول “الصحيفة” على هذه المعطيات كان قبل ساعات من اجتماع بوريطة بنظيره الروسي سيرجي لافروف في نيويورك.
وعلاقة بالموضوع، علمت “الصحيفة” من مصدر دبلوماسي ثالث، أن الجزائر أخطرت الأمم المتحدة أنها “لن تعترض على مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، شريطة أن يوافق عليه الصحراويون”، وهو الموقف الذي أخبر به وزير الدولة، وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، عند لقائهما في الجزائر العاصمة يوم 16 شتنبر 2025.
المصدر نفسه، أوضح لـ”الصحيفة” أن “نص” هذا الموقف ليس جديدا، لكن الجديد هو سياقه، إذ في السابق كانت الجزائر تستعمل عبارات مشابهة لتبدو أمام المجتمع الدولي وكأنها ليست طرفا في الملف، ولا تُعرقل أي حل سياسي، مُعتقدة في الوقت نفسه أنها توجد في “موقف قوة”، بسبب تحكمها الفعلي في جبهة “البوليساريو”، أما الآن فلجأت إليه في سياق آخر، محكوم بتزايد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي، ومع اقتراب صدور “قرار حاسم” عن مجلس الأمن، يسير في اتجاه دعم الطرح المغربي بشكل “صريح وغير قابل للتأويل”.