شطاري-العيون:
على مدى عقود، ظل اسم خليهن ولد الرشيد مرادفا لملف الصحراء داخل المغرب، ورمزا سياسيا بارزا في مرحلة شديدة الحساسية من تاريخ المنطقة. غير أن سؤالا جديدا بدات يطرح بإلحاح في السنوات الأخيرة: أين اختفى خليهن ولد الرشيد؟ ولماذا تراجع حضوره إلى حد يبدو فيه خارج المشهد الذي ساهم بنفسه في صياغته؟
هذا السؤال ليس ترفا سياسيا، بل يرتبط بإحدى أكثر القضايا حساسية في المغرب، وبمسار رجل كان في زمن ما، الأكثر تأثيرا في الملف، سواء في مواجهة الإدارة الإسبانية قبل 1975 أو في الدفاع الصلب عن خيار الحكم الذاتي المغربي بعد 2007.
من «معارض» للحكم الذاتي مع إسبانيا… إلى أبرز مروج للحكم الذاتي مع المغرب
ولد خليهن ولد الرشيد عام 1951 في العيون، ونشط سياسيا مبكرا خلال الحقبة الإسبانية، حين أسس في بداية السبعينيات حزبا صحراويا براغماتيا مواليا للإدارة الإسبانية. كان هذا الحزب ينتقد مشروع “الحكم الذاتي” الذي اقترحته مدريد قبل انسحابها، معتبرا إياه التفافا على تطلعات الساكنة الصحراوية.
بعد اتفاق مدريد وعودة الأقاليم الجنوبية للمغرب، التحق ولد الرشيد سريعا بالمؤسسات المغربية، ليتحول من معارض لطرح إسبانيا إلى أحد أهم الوجوه المدافعة عن مقترح الحكم الذاتي المغربي الذي طرح عام 2007 كحل واقعي للنزاع.
هذا التحول لم يكن مجرد تغيير موقف، بل كان انعكاسا لقراءة سياسية جديدة، جعلت منه لاحقا أحد أقوى الأصوات الداعمة للوحدة الترابية داخل وخارج المغرب.
كوركاس.. صعود سريع ثم زوال تدريجي
في 2006، عين ولد الرشيد رئيسا للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية «كوركاس»، الهيئة التي أريد لها أن تلعب دورا محوريا في مواكبة مشروع الحكم الذاتي.
خلال سنواته الأولى، كان المجلس نشطا بشكل لافت:
• لقاءات دولية عديدة
• استقبال وفود برلمانية ومنظمات حقوقية
• حملات دبلوماسية موازية للدفاع عن المقترح المغربي
لكن بعد بضع سنوات، تراجع نشاط «كوركاس» بشكل حاد. تحول من مؤسسة فاعلة إلى إطار بروتوكولي محدود الدور، حتى أن المجلس لم يعقد اجتماعا عاما كاملا لكل أعضائه منذ نهاية العقد الأول من الألفية.
ومع عام 2015، بدا جليا أن مرحلة «كوركاس» بصيغتها الأولى انتهت، بعد معلومات صحفية تتحدث عن إنهاء مهام ولد الرشيد على رأس المجلس تمهيدا لإعادة هيكلته، رافق ذلك منحه وساما ملكيا اعتبر لدى كثيرين «تكريما يضمر نهاية مرحلة».
هل اختفى فعلاً؟ أم أُقصي من مركز القرار؟
رغم أن حضوره الإعلامي والسياسي تراجع إلى حدود الغياب، فإن ولد الرشيد لم يختف تماما.
يظهر من حين لآخر في لقاءات محدودة، وغالبا ذات طابع دبلوماسي رمزي، مثل استقباله لبعض وفود أمريكا اللاتينية عام 2025.
لكن مقارنة مع تأثيره الواسع في العقد الأول من الألفية، فإن الدور الذي يلعبه اليوم لا يكاد يتجاوز وظيفة رمزية، ولا يلامس مراكز صناعة القرار الفعلية في ملف الصحراء.
السبب لا يعود لشخصه فقط، بل لسياق سياسي عام:
• المغرب انتقل من مرحلة «سد الفراغ السياسي» في الصحراء عبر وجهاء وزعامات تقليدية،
• إلى مرحلة الجهوية المتقدمة والتنمية المؤسساتية،
• وإلى دبلوماسية رسمية قوية، لم تعد تحتاج إلى أجسام استشارية مثل «كوركاس».
وهو ما يفسر أن انحسار دور الرجل كان نتيجة لتغير المرحلة، وليس فقط تغير موقعه.
الحكم الذاتي اليوم… دون خليهن ولد الرشيد؟
قد يبدو مفارقة أن الرجل الذي رفض الحكم الذاتي تحت السيادة الإسبانية، ثم بذل جهدا كبيرا للدفاع عن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يجد نفسه اليوم خارج دائرة الفعل السياسي في مرحلة تشهد أكبر مكاسب ديبلوماسية للحكم الذاتي المغربي.
فمع اعتراف دول كبرى وتزايد دعم الأمم المتحدة للحل المغربي، تحول وزن الملف من مستشارين تقليديين إلى مؤسسات دولة رسمية:
• البرلمان المغربي
• وزارة الخارجية
• مجالس الجهات الجنوبية
• نخب اقتصادية محلية جديدة
هذا التحول جعل وجود شخصيات من نمط ولد الرشيد «خارج السياق الجديد».
ويرى متتبعون أن ما حدث لولد الرشيد ليس اختفاء بالمعنى الدرامي، بل تراجع تدريجي لدور رجل ارتبط بمرحلة سياسية معينة.
خليهن ولد الرشيد كان جزء من استراتيجية «التعبئة الرمزية» في فترة حساسة، لكنه يبدو اليوم خارج دينامية الحكم الذاتي الحديثة التي ترتكز على المؤسسات والدبلوماسية الرسمية، لا على الزعامات الفردية.
لقد لعب دوره التاريخي، لكنه أصبح الآن — كما يبدو — جزء من الماضي السياسي للملف، أكثر منه جزءامن مستقبله.
في المقابل يرى آخرون؛ أن عودة ولد الرشيد إلى المشهد الصحراوي باتت وشيكة جدا وأقوى مما كانت تزامنا والمستجدات الأخيرة، فهم يرون أن خططه المستقبلية تطبخ على نار هادئة دون علم مسبق بها.