شطاري-العيون
الحرب، الكوارث الطبيعية، الصراعات السياسية أو الدينية، لم تكن من أسباب نزوح المئات من المغاربة في قوارب الموت نحو الضفة الأخرى، أي نزيف اجتماعي اقتصادي يرمي بشباب في أعمار الزهور نحو أمواج قد تشرق عليهم شمس بعدها، أو تكون حيتان البحر على موعد مع مأدبة عشاء.
على مدى سنوات عديدة، كانت ولا تزال ظاهرة الهجرة السرية أملا للحالمين في الوصول للقارة الأوروبية، وتحسين أوضاعهم المعيشية، والتمتع بحقوق، لطالما ظنوا بأنها تمنح كامتيازات في بلادهم.
في المغرب، عادت ظاهرة الهجرة السرية لتظهر بصورة لم تعهدها من قبل من لدن الرأي العام المغربي، زوارق “الفانطوم” باتت تمارس أنشطتها التهريبية بصورة جلية ومكثفة أمام أنظار عدسات الهواتف، بل وتطور الأمر لنقل مواطنين مغاربة من شواطئ متوسطية ك”مرتيل”، و”طنجة”،وتهريبهم نحو إسبانيا بدون مقابل، فكان أصحاب زوارق “الفانطوم” يعتمدون على وزن المهاجرين السريين كي لا تنقلب زوارقهم المحملة بالمخدرات وتضيع تجارتهم.
ما أثار الريبة والدهشة لدى متتبعي الشأن العام المغربي، هو كيفية استجابة العشرات من المغاربة لدعوات المهربين، التي تكون بشكل فجائي، تاركين وراءهم عائلاتهم، أو حتى سبب تواجدهم على الشاطئ، ما يرمي إلى عدم ارتباطهم بهذه الأرض، دون التفكير في عائلاتهم أو أي شيء قد يربطهم ببلادهم.
توالي الأحداث و انتشارها كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، حتم تواجد ردة فعل من طرف البحرية الملكية المغربية، فرضا لهيبتها و سيطرتها على مجالها البحري، إلا أن تدخلها كان له وقع أكبر مما كان متوقعا، أسفر عن وفاة “حياة” طالبة جامعية عشرينية، ما زاد الطين بلة، و أشعل موجة عارمة من الانتقادات تم توجيهها للبحرية الملكية محملة إياها مسؤولية الواقعة و وفاة شابة رمت بها ظروفها الاجتماعية في قوارب الموت.
بتحليل الواقعة، فإن إطلاق النار من طرف البحرية الملكية المغربي هو عمل صائب يتم اتخاذه في الوضعيات المشابهة المتمثلة في مطاردة زوارق للتهريب، يأبى أصحابها أن يمتثلوا لأوامر البحرية الملكية، ما يستدعي إطلاق النار صوبهم قصد إجبارهم على التوقف.
ما يكون قانونيا قد يكون في بعض الحالات محرما، فالواجب المهني يحتم دائما حماية النفس و الحفاظ على أرواح المواطنين من أي مكروه، فإطلاق النار على قارب خاصة في وقت يعرف فيه بقيام المهربين بنقل مواطنين مغاربة سريا قد يكون دافعا مهما لعدم إطلاق النار، ففي دول متعدد تضطر جهات أمنية إلى إطلاق النار على مجرمين لتواجد رهائن أو للحفاظ على أرواح أبرياء بعين المكان، ما يمكن من إسقاط الحالة التي تتوفر على أغلب الشروط الواجبة لحماية مواطنين عزل أرغمتهم ظروفهم الاجتماعية على خوض تجربة قد تتطلب أكثر من الشجاعة لخوضها.
وفي ذات السياق كشفت تقارير صحفية الاثنين الماضي، على هامش افتتاح منتدى الاتحاد من أجل المتوسط، الذي شارك فيه مسؤولون مغاربة وأوروبيون ببرشلونة، أن يومي السبت والأحد الماضيين شهدا اتصالات هاتفية مكثفة بين السلطات الإسبانية والاتحاد الأوروبي من أجل تسريع إجراءات صرف دعم مالي ولوجيستيكي للمغرب، لمواجهة ضغط الهجرة السرية.
التقارير اشارت إلى أن مصادر دبلوماسية رفضت كشف قيمة الدعم المالي الذي طلبه المغرب أو الذي طالبت به إسبانيا، لكنها أشارت إلى أنه يفوق 30 مليار سنتيم، ويبدو أن كلا من الرباط ومدريد غاضبان من تأخر صرف الدعم المالي الأوروبي المخصص للمملكة.
الأحداث توالت وبعد أيام من من وفاة الطالبة الجامعية “حياة”، أطلقت البحرية الملكية النار على قارب يقل مهاجرين مغاربة، صباح اليوم الأربعاء، في حادث وقع عرض البحر بمنطقة “أشقار” في طنجة. ما خلف إصابة شاب قاصر يبلغ من العمر 16 سنة بجروح على مستوى كتفه، ليتم نقله على وجه السرعة لمستشفى محمد الخامس بطنجة، من أجل تلقي الإسعافات اللازمة.
أحداث كثيرة، و حيثيات قد تخفى تفاصيلها في الوقت الراهن، إلا أن الظاهرة في انتشار مستمر، فمن يتحمل مسؤوليتها؟