ألف بوست:
وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب نداء الى الجزائر للتعاون والتنمية وتجاوز المشاكل المشتركة، وجاءت الدعوة صريحة للغاية عكس ما كان في خطابات سابقة شديد الانتقاد لهذا البلد المغاربي.
وألقى الملك خطابه ليلة السبت 20 غشت 2016، وعالج عدد من القضايا: السياسية ومنها الجزائر والعلاقات مع إفريقيا والاجتماعية وهي الهجرة والإرهاب. وتناول بالتحليل ومن باب الوعظ التنديد بالإرهاب والكراهية ومطالبة الجالية المغربية في الخارج بأن تبتعد عن التطرف. كما حاول تقديم صورة مثالية لتعاطي المغرب مع الهجرة الإفريقية من خلال برامج يطبقها.
الملك يرغب في المصالحة مع الجزائر
لكن يبقى الأساسي في الخطاب هو الشق السياسي المتعلق بالجزائر التي تزداد العلاقات معها سوءا خلال الشهور الأخيرة، وكذلك تركيزه مجددا على القارة الإفريقية تماشيا مع قرار المغرب العودة الى الاتحاد الإفريقي.
في هذا الصدد، أعطى الملك لهذه المناسبة التاريخية بعدا إقليميا بالتذكير بالتنسيق الذي ترتب عن نفي محمد الخامس بين الحركة الوطنية وجبهة التحرير الجزائرية، بالاتفاق بجعل 20 غشت محطة للمقاومة في الأقطار المغاربية، وتفوق الفقرة ” حيث تم الاتفاق على جعل الذكرى الثانية لثورة 20 غشت، مناسبة لتعميم الثورة في الأقطار المغاربية. فقامت انتفاضات شعبية بمختلف مناطق المغرب والجزائر”.
ويشير بطريقة غير مباشرة الى فضل هذه الثورة في إيقاظ مشاعر الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر ولاحقا الدور الذي علبه البلدان في مواجهة الاستعمار في القارة السمراء.
وفي نبرة تصالحية، يبرز الملك ” وما أحوجنا اليوم، في ظل الظروف الراهنة، التي تمر بها الشعوب العربية، والمنطقة المغاربية، لتلك الروح التضامنية، لرفع التحديات التنموية والأمنية المشتركة. وإننا نتطلع لتجديد الالتزام، والتضامن الصادق، الذي يجمع على الدوام، الشعبين الجزائري والمغربي، لمواصلة العمل سويا، بصدق وحسن نية، من أجل خدمة القضايا المغاربية والعربية، ورفع التحديات التي تواجه القارة الإفريقية”.
تميزت الخطابات السابقة للملك محمد السادس بتوجيه النقد الشديد الى الجزائر وعلى رأسها خطاب المسيرة الخضراء من العيون خلال نوفمبر الماضي، ثم المواجهة في الأمم المتحدة ومنتديات أخرى علاوة على الحرب الإعلامية المستمرة بين البلدين. لكن خطاب هذه المرة هو ذو نبرة تصالحية، وإن لم تكن جديدة، حيث سبق المطالبة بفتح الحدود، لكن هذه المرة يغيب النقد ويحل محله خطاب التصالح.
ولم يصدر حتى يوم الأحد 21 غشت أي رد فعل من الدبلوماسية الجزائرية بل التزمت الصمت والمراقبة، علما أنها في الوقت الراهن تشن حملة حقيقية وسط إفريقيا لجعل المغرب يعود للاتحاد الإفريقي دون تجميد عضوية الدولة التي أعنلتها جبهة البوليساريو.
ربط مصير المغرب بإفريقيا
وعلاقة بهذه التحديات الإفريقية، يخصص الملك حيزا هاما للقارة السمراء ونية المغرب العودة الى حظيرة الاتحاد الإفريقي. في هذا الصدد، يحمل الاستعمار مآسي القارة السمراء من إرهاب وفقر وتخلف ونزاعات حدودية، ويقول عن الاستعمار “فقد نهب خيراتها، ورهن قدرات ومستقبل أبنائها، وعرقل مسار التنمية بها، وزرع أسباب النزاع بين دولها”. وينفي المغرب عنه المصلحة الأحادية والتجارية بل الاستفادة المشتركة، مشيرا في هذا الصدد الى أمثلة عن التعاون المغربي في إقامة مشاريع تعاون في شتى المجالات.
وعلى شاكلة الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس الى الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر 2013 بالتنديد بالاستعمار العالمي والحد من تنمية الشعوب الإفريقية، عاد الملك في خطاب 20 غشت الى اتهام الاستعمار بالتسبب في التخلف والإرهاب والفقر الذي تعيشه القارة الإفريقية.
لكن الجديد هو تثمين تجربة الاتحاد الإفريقي الى مستوى ربط المغرب بالقارة السمراء، في وقت كان الخطاب الرسمي المغربي سياسيا ودبلوماسيا حتى الشهور الماضي هو تبخيس الاتحاد واعتباره جثة بدون روح.
خطاب تصالحي وتغييب موريتانيا والصحراء
ويبقى الملاحظ هو غياب أي إشارة الى الجارة الجنوبية للمغرب موريتانيا في الخطاب الملكي، رغم التوتر القائم حاليا بين البلدين. وقد يكون تكتيك للتخفيف من الأزمة الحالية غير المعلنة رسميا. كما لم يتطرق الملك الى الصحراء رغم أنها مركزية في الحياة السياسية والنشاط الدبلوماسية المغربي وهي سبب عودة المغرب الى الاتحاد الأوروبي.
ورغم ذلك، يبقى مضمون الخطاب هو الرهان على المصالحة إقليميا مع الجزائر والمصالحة قاريا مع الاتحاد الإفريقي علاوة على الهدنة مع أنصار تقرير المصير في الصحراء الذين لم يشر لهم رغم وجودهم في الجزائر للتكوين على مواجهة المغرب وطنيا ودوليا، وذلك في توجه جديد للدبلوماسية المغربية في وقت يدخل فيه نزاع الصحراء منعطفات حساسة للغاية قد تتطلب استراتيجيات جديدة للغاية.