محمد سالم بداد
عَرَفَنَا المشارقة والمغاربة نحن سكان زمور وتيرس بأهل الساقية الحمراء، وعرفنا أهل الكبلة وأهل الشرك بأهل الساحل، قبل أن نوزع كغنيمة بين الدول الحديثة بأمر وتوجيه من القوى الاستعمارية، التي لا طالما كنا شوكة في حلقها، و سدا منيعا أمام تنفيذها لمخططاتها الاستغلالية المقيتة، ونظهر بمسميات جديدة، و تحت سلطة أنظمة جديدة، محاصرين بحدود وجغرافيا وهويات مصطنعة جديدة أيضا.
لم ينسى المستعمر تلك المقاومة، بل اعترف بها ووثقها، والحق ما شهدت به الأعداء.
قاومت هذه المجموعة الاستعمار دون مراعاة للتسميات ولا للحدود والنفوذ، وقَسَمَت البلاد إلى دارين، دار إسلام ودار كفر، بالنظر لحجم سلطة وتحكم القوى الاستعمارية في كل دار، دون مراعاة لأي تقسيمات إثنية أو عرقية أو لغوية.
فلم تقم أي قبيلة من قبائل هذه الأرض بتأسيس إمارة ولم تنصب أمير ولا قائدا ، بل كان أمرهم شورى بينهم، كانوا نموذجا لديمقراطية ” المعنى وكبر الخيم”.
كانوا عندما يقاتلون في داخل ما يسمى اليوم المغرب والجزائر وموريتانيا وينتصرون، لا يطالبون بعرش ولا مشيخة ولا إمارة، بل في بعض الأحيان كانوا يتعرضون للوشاية من الأمراء والقياد، وحتى في حال تحقيق النصر كان يتم الإيقاع بينهم وبين السلاطين والأمراء والقياد الذين سيجنون ثمار المقاومة. ليس هذا هو المهم بالنسبة لمجاهدي الساقية الحمراء، المهم هو النصر وحماية العرض والشرف.
حوصر هؤلاء وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، واستسلمت هذه الامارات والقبائل شمالا وشرقا وغربا للمستعمر، لتأتي سنة 1934 وتفرض قبائل الساحل شروطها للسلام المؤقت في حدودها الجديدة تحت الاستعمار الاسباني، لكنها ظلت سندا وذرعا لاخوانها الراضخين تحت الاستعمار الفرنسي وفق معاهدات وشروط مجحفة في المغرب وموريتانيا والجزائر.
فنحن لم نكن ندفع ضريبة للاستعمار ولم ينزع منا السلاح، و ننخرط في ادارات و قوات الإدارة طوعا منا واختيارا وليس إكراها وغصبا. لأن إسبانيا تعرف أننا لسنا كالاخرين إن حاولت تغيير شروط السلام.
بل حتى فرنسا تتعامل مع امتدادنا في الحدود الجديدة بحذر وحيطة ، لكن غريزة الانتقام ظلت متجذرة لديها، فكافئت المتعاونين وهمشت المقاوميين من أجل أن لا يستعيدو زمام القيادة ولتضمن إستعمارها الجديد.
إن سرد الماضي طويل و لن ينتهي، وتفاصيلها أطول ولن نحيط بها خُبرا مهما حاولنا، لكننا نريد هنا أن نستخلص منه العبر لفهم حاضرنا واستشراف مستقبلنا ليس إلا.
لم يكن أهل الساقية أو الساحل اقصائين في يوم من الايام، فحتى عندما قوقعوا داخل حدود جغرافية ضيقة، لم يغلقوا الحدود في وجه الأخوة وفرضوا على الاستعمار القبول بهم كجزء من هذا الكيان الجديد، و لم يؤسسوا لامارة بل أسسوا جماعة ضمنت حقوق الأقليات و صانت شرعية القبائل الأصلية..
انتظرونا في الجزء الثاني مع ديمقراطية الجماعة الصحراوية وزمن السلم والعافية.