شطاري-الداخلة:
شكلت مدينة الداخلة الحدث الأبرز خلال شهر مارس الجاري، من خلال احتضانها للنسخة الثالثة من المنتدى الدولي كرانس مونتانا. ومع توالي الدورات، يزداد توهج المغرب وتألقه قاريا ودوليا من خلال احتضان فعاليات هذا المنتدى، خاصة في ظل حضور وزان لشخصيات تمثل أكثر من 150 دولة، وحضور المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالتمويل الابتكاري للتنمية فيليب دوست بلازي، بالإضافة إلى حضور القس الأمريكي جيسي جاكسون.
وفي المقابل، بات المنتدى نفسه أكثر إشعاعا في صيغته المغربية، في ظل تبنيه للتوجهات الجديدة التي كرستها الدبلوماسية الملكية عبر اعتماد مقاربة “التعاون جنوب-جنوب” وفق “مبدأ رابح رابح”.
وفي ظل هذه المقاربة، أكد الرئيس المؤسس للمنتدى، أن كرانس مونتانا أصبح في السنوات الماضية، مختبرا للأفكار والاقتراحات والنقاشات و الحلول. كما استطاع المنتدى خلال دورته الحالية، تكريس نجاحاته السابقة، واستقطاب أكثر من 1500 مشارك من كل أنحاء العالم، فضلا عن التغطية الإعلامية غير المسبوقة في تاريخ المنتدى.
لقد جسد المنتدى في طبعته المغربية، وطيلة دوراته الثلاث، القوة المؤثرة التي أضحت تتميز بها الدبلوماسية الملكية، خاصة فيما يتعلق بالتأثير الفعال في صنع القرار على المستويين القاري والدولي. فبعدما استطاعت المنظومة الدبلوماسية التي أرساها الملك محمد السادس، ترسيخ نفوذها القوي عبر دعامات إستراتيجية، خاصة منها السياسية و الاقتصادية و الأمنية و الدينية و الروحية، جاء الدور من خلال منتدى كرانس مونتانا، لإبراز الدعامة الفكرية و الواجهة العلمية لمنظومة الدبلوماسية الملكية.
الرسالة الملكية التي تلاها رئيس جهة الداخلة وادي الذهب، وفي خطوة تحمل أكثر من دلالة، أكدت بدورها على القيمة الكبيرة التي بات يتميز بها هذا المنتدى، حيث اعتبر الملك محمد السادس، أن منتدى الداخلة أصبح محطة بارزة، ضمن المواعيد الفكرية والثقافية الكبرى، اعتبارا لنوعية ومكانة الشخصيات المرموقة المشاركة فيه، من عالم السياسة والاقتصاد، والثقافة والإعلام، ومن فعاليات المجتمع المدني، وكذا للمستوى الرفيع للنقاشات، ولأهمية المواضيع والتحديات التي يتم تدارسها.
لقد حركت الدبلوماسية الملكية المندمجة تجاه القارة الإفريقية، مياها راكدة كانت تعطي صورة نمطية للقارة السمراء، كبؤرة للتخلف و الحروب والتبعية المطلقة للغرب. في هذا الإطار، شكل منتدى كرانس مونتانا أيضا، آلية فعالة ومؤثرة، لإعطاء ديناميكية حقيقية لهذه الدبلوماسية، خاصة عبر خلق حوار حقيقي حول التحولات الكبيرة التي تعرفها إفريقيا، وإعطاء فرصة مواتية لجميع الأطراف، للنقاش بكل جرأة وواقعية، حول مستقبل القارة، بعيدا عن الفكر الانهزامي الذي طبع واقع القارة، وبدون خلفيات مسبقة وعقد تاريخية و إيديولوجية واستعمارية.
وفي هذا السياق، فقد أكد الجميع على قيمة هذا الدور المحوري الذي يضطلع به الملك محمد السادس، عبر انخراطه المباشر في رسم معالم إفريقيا المستقبل، خاصة بعدما استعاد المغرب مكانه الطبيعي داخل الإتحاد الإفريقي، وكذا في أفق استكمال الإجراءات المتعلقة بالانخراط الكامل في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (الإكواس). فقد أكد رئيس برلمان المجموعة، خلال مشاركته الفعالة في أنشطة المنتدى، أن المغرب يضطلع بدور “هام للغاية” في تعزيز أوجه التعاون بين البلدان الإفريقية، مشيدا بدور المغرب ” كصانع سلام” على مستوى القارة الإفريقية.
وطيلة فعاليات المنتدى، والتي تميزت بمستوى فكري وعلمي رفيع، بدا واضحا أن كرانس مونتانا في نسخته المغربية، بات يشكل فرصة حقيقية لصناع القرار داخل القارة السمراء، من أجل النقاش حول واقع ومستقبل إفريقيا بشكل شمولي ومندمج، من اجل تبادل الخبرات و التجارب، والخروج بتوصيـــات وحلول عملية للتناقضات الصارخة التي تعيشها القارة، في إطار مقاربة تشاركية مع دول الشمال، والذين كان حضورهم لافتا أيضا في فعاليات المنتدى، كما شكل المنتدى، فرصة مواتية لإرساء حوار واقعي ومباشر، بين ساكنة الأقاليم الصحراوية، مع مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين من العالم بأسره.
لقد شكل استقطاب تظاهرة من حجم كرانس مونتانا، حدثا يعكس الثقة الحقيقية والمصداقية الكبيرة التي أضحت تتميز بها المملكة المغربية على المستويين القاري و الدولي. هذا المعطى يؤكد، أن الأموال الطائلة، والدعايات الفارعة، لا تكفي وحدها من أجل تحقيق الإشعاع الدولي، على المستويين الفكري والعلمي. وبالتالي، فحتى الوفود المهمة التي حضرت المنتدى، وتنتمي إلى قلة قليلة من الدول التي مازالت رهينة توجهات معادية لوحدة المغرب، وحبيسة إيديولوجيات بائدة، ربما تشكل صلة وصل حقيقية بين هذه الدول ومغرب اليوم.
وبقدر ما حاولت جهات معينة، الحيلولة دون تنظيم المنتدى داخل المغرب، بات رواد المنتدى ومؤسسوه، أكثر اقتناعا اليوم، أن خيارهم كان صائبا، وأن رهانهم على المغرب كان ناجحا بكل المقاييس. الرئيس المؤسس للمنتدى، أكد أن دورة الداخلة 2017، تعكس الاستقرار الذي أصبح يتمتع به المغرب، كما تعكس للعالم صورة الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي تسير بثبات نحو التقدم. وبالتالي، فجوهرة جنوب المغرب، ستحتضن السنة المقبلة حسب تأكيد الرئيس المؤسس، النسخة الرابعة من منتدى كرانس مونتانا 2018.