شطاري-متابعة:
مع انطلاق شهر أبريل، يبدأ الحديث عن الكذب؛ وهو ما يطرح تساؤلات حول أسباب لجوء الأفراد إليه خلال حياتهم اليومية، خاصة مع شيوع الأمر إلى حد كاد أن يصل إلى اعتباره سلوكا عاديا.
انتشار الكذب لدى مختلف فئات المجتمع يمكن أن يسائل تحوله إلى “ظاهرة مجتمعية”، إلا أنه مع عدم توفر دراسات في الموضوع تبقى آراء علماء السوسيولوجيا هي الأكثر تداولا، وجلهم يتفقون على توفر بيئة مواتية لانتشار الأكاذيب، بل والأكثر من ذلك تصير متعارفا عليها.
محمد الناجي، السوسيولوجي صاحب كتاب “العبد والرعية”، يرى أن “هناك أكاذيب مجتمعية يكون حولها إجماع لا تنتظر شهر أبريل”، مضيفا: “الخمر ممنوع، لكن يتم بيعه ويتم شربه.. الدعارة مجرمة لكن تتم ممارستها بشكل علني.. يتم حظر الفساد إلا أنه ينتهج ليس حتى بشكل متخف..والديمقراطية هي رمز وطني لكنه يداس بالأقدام”.
ويواصل الناجي ان “هذه الأكاذيب التي تغيب عنها حتى الجمالية تتم ممارستها بشكل يومي وتسمح لمجتمع في خضم انكسار ثقافي بمحاولة تجاوز المنعرجات عن طريق التظاهر بعدم الرؤية أو الحديث في أمور مختلفة دون الخوض في الانتهاك اليومي للحقيقة، الذي نحن متفقون بشأنه بشكل رسمي”.
ويعتبر الناجي أن مجتمعا يعيش انتقالا عشوائيا لا يمكن إلا أن يكون مجتمعا للكذب، مواصلا: “لأن الفاعلين فيه لا يجرؤون على مواجهة الحقيقة”، ومستدلا بمثال في هذا الإطار مفاده أن “أحزاب الأغلبية الحكومية المقبلة يعرفون أنهم يكذبون، ونحن نعرف ذلك، لكن الكل يتجه إلى أفضل العوالم حيث الكذب”، بتعبيره.
من جانبها تقول خلود السباعي، أستاذة علم النفس الاجتماعي: “إننا نعيش في نظام للعولمة يتضمن بنيات ثقافية اجتماعية تساعد على الكذب وترسخه، وتتقنه منظومة عالمية في إطار نظام رأسمالي برغماتي.. مادامت هناك برغماتية هناك كذب”.
وتفيد المتحدثة بأن “الكذب ظاهرة إنسانية أولا لارتباطه بالبشر؛ فمنذ أن وجدوا كان هناك الكذب، وهو شكل من أشكال التواصل الاجتماعي”، مضيفة: “الكذب وارد كإستراتيجية، لكن ليس عليه السيطرة على السلوك الفردي”.
وتضيف السباعي: “بما أن الإنسان مطبوع بالأنانية وحب المصلحة يبقى الكذب ميكانيزما سيكولوجيا واردا بالنسبة إليه كفرد.. لتدبير أموره وتحقيق أغراضه يجد في بعض الأحيان أن الصدق وسيلة غير ناجعة ليلجأ إلى الكذب”، قبل أن تعلق قائلة: “ما هو غير طبيعي هو أن يصبح السلوك المرتبط بمصالح الفرد هو الطاغي خلال تعاملاته”.
وترى الباحثة ذاتها أن “الإنسان حين تعامله مع الآخرين عليه أن يراعي مصلحته ومصلحة الغير لكي يكون هناك تعايش؛ لكن إن كان في كل مرة يفضل مصلحته ويلجأ إلى الكذب فهنا يصبح الأمر شاذا”، مؤكدة أنه “حين تفشي الظاهرة تحرك الأفراد فقط المصالح، ويزول الإحراج من الكذب والإحساس بأنه سلوك منبوذ أو مرفوض ليصبح ظاهرة شائعة”.