شطاري-تقرير إخباري:
عرفت قضية الصحراء، منذ اتفاق وقف إطلاق النار، إلى اليوم، عدة محطات ومنعرجات، مد وجزر بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، وتأرجح في المواقف الدولية.
المينورسو.. مراقبة الحقوق في الصحراء
منذ ماي سنة 2005، شهدت مدن الصحراء عدة مظاهرات لمناصري الجبهة، تطالب بتكوين دولة منفصلة عن المغرب، في ما عرف آنذاك ب“انتفاضة الإستقلال”، والتي عرفت ظهور نشطاء ما سمي “بوليساريو الداخل”، الذين طالبوا على لسان الجبهة مرارًا بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل ملف حقوق الإنسان، لكن ذلك لم يدم كثيرًا، لنشوب خلافات بين نشطاء الجبهة، لعوامل قبلية ومالية، وصراعات أجنحة القيادة في الرابوني، وصلت للهنا أدت إلى اجهاض ذلك الْحُلْم، على يد الجبهة نفسها، لا سيما بعد ركوبها على ملف “گديم إزيك”، وتحويل مساره من مطالب إجتماعية للساكنة، إلى مواقف سياسوية متعلقة بحقوق الإنسان.
معبر الگرگرات.. لبوس جغرافي لصراع سياسي- اقتصادي
بعد ملف حقوق الإنسان، ومطالبة جبهة البوليساريو مجلس الأمن، بتوسيع صلاحيات بعثة “المينورسو”، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، تم تبديل دفة الصراع، وفتح جبهة أخرى له، جبهة جغرافية، لا حقوقية، هذه المرة؛ فمنذ أكثر من سنة ونيف، تعاظم الخلاف بين المغرب وجبهة البوليساريو، في منطقة الكركرات الحدودية، عاشت خلاله تلك الرقعة الجغرافية على صفيح ساخن، كان أن يكون دقا لطبول حربٍ جديدة، لا سيما وأن الشد والجذب في تلك المنطقة لم ينفك يعرف صعودا وهبوطا بين كل فترة وحين، إبان تلك الأزمة، خاصة وأن جبهة البوليساريو تعتبر أن منطقة الكركرات، تتربع تحت يافطة “المناطق المحررة”، خلافا للمغرب الذي يرى فيها منطقة عازلة، وهي آخر معقلٍ يوجد به على الجدار العازل.
المعطيات التي كانت تتقافز حينها، لم تكن واضحة جدًا، إذ اعتبرت الجبهة أن تواجد المغرب هناك خرق سافر لوقف إطلاق النار، بينما تشبث المغرب بأحقيته في التواجد على أرضه، وبينما كان هذا وذاك في شد وجذب، كانت الجزائر تسابق الزمن لبناء ميناء وهران، الذي تنوي تحويله إلى ميناء إقتصادي ستغزوا به افريقيا، إذ تعتزم تشيد طريق سيار منه نحو ستة دول أفريقية، تكون موريتانيا محطة منها، وتكون بذلك قاطعة طريق المغرب في افريقيا، وما تواجد الجبهة في معبر الكركرات سوى بايعاز من الجزائر، ولا تكون هناك سوى حد لسكين مقبضه هناك في يد جنرالاتها.
وفِي هذا الصدد يرى الدكتور “محمد كين”، رئيس المعهد الإفريقي لبناء السلم وتحويل النزاعات، أن : عودة المغرب للاتحاد الإفريقي بعثرت أوراق البوليساريو والجزائر، فهو قرار لم يكن متوقَعا، وهذا الواقع الجديد جعلهم في موقع رد الفعل يعيشون من خلاله في تخبط، خصوصا وأن الظروف المحيطة بالقضية تسارعت وتيرتها بشكل غير مسبوق. ومن ردود الفعل التلويح بورقة الكركارات، بالرغم من أن الجبهة لا تمتلك قرار أي تحرك، وأن أي خطوة قد لا تؤتي ما يراد من وراءها من أهداف.
الثروات الطبيعية.. تدويل للصراع برًا، بحرًا وجوًا
وسعت الجبهة رقعة الصراع، فشنت حرب المحاكم، على شركات دولية بالصحراء، كانت من بينها “ترانسافيا” الفرنسية، من أجل أن توقف رحلاتها بين مدينتي الداخلة وباريس، الأمر الذي أثار غضب شريحة من السكان، الذين غصت مواقع التواصل برفضهم لما وصفوه «محاولة الجبهة لعزلهم عن العالم».
فصبيحة يوم الاثنين الماضي، بجنوب إفريقيا، شهد تصعيدا من نوع اخر؛ مزاد علني لبيع شحنة قدرت بخمس وخمسين ألفَ طنٍ من فوسفات الصحراء، خمس وأربعون طنًا منها عالية الجودة، كانت قد حجزته سلطات جنوب افريقيا العام الماضي على متن باخرة “شيري بولسوم”.
هذه الشحنة كانت المحكمة العليا في “جنوب افريقيا” المناصرة للجبهة، قد حكمت الشهر الماضي؛ ببيعها، في مزاد يستمر ثلاثين يوما، يبدأ عدها من ال19 مارس الجاري، وهذا يأتي بعد الخطوة التي اتخذتها البوليساريو ضد المغرب، في ما تسميه حربها ضد “استنزاف الثروات الصحراوية” والذي يعتبر اتفاق الصيد البحري مع أوروبا جزءً منه؛ الإتفاق الذي حكمت محكمة العدل الأوروبية بوجوب عدم شمله للمناطق المتنازع عليها، خرج اليوم ليشملها، في ديباجته، ومخيبًا لآمال الجبهة، حسب ما صرح به ممثلها في أوروبا “محمد سيداتي” الذي وصفه بأنه «منافي لقرار المحكمة الأوروبية».
ومن جانبه، يرى محمد أحمد كين؛ أن موقع المغرب المتقدم في التكتلات الإقليمية، هو سر قوة المملكة، ولن يخسره شركاؤه مقابل كيان لا يعترفون به، كما يؤكد ذات المتحدث ل“شطاري” أن: المغرب يحظى بموقع متقدم في شراكاته مع بعض التكتلات الإقليمية، من قبيل الإتحاد الأوروبي، الذي لا يمكن أن يضحي بقوة إقليمية لإرضاء كيان لا يعترف به، وفي ظرف سنة من عودته للاتحاد الافريقي، تمكن المغرب من عضوية مجلس الأمن والسلم، وهي كلها إنجازات يجب ان تقرأ في ضوء الركود الذي يشهده الخطاب السياسي لدى الجبهة،
فالديبلوماسية البراغماتية تطبع العلاقات الدولية اليوم، ولا محالة فإن السنوات القليلة القادمة ستحرك المياه الراكدة، وقد تحمل رياح المستقبل واقعًا جديدا علاقة بالصحراء.
«كما يبقى أن نشير إلى أن واقع التحول هذا يقابله جمود ورتابة على مستوى الخطاب والسلوك السياسي للبوليساريو»، يضيف الدكتور محمد أحمد.