um6p
الدكتور “الأفضل النوف” يكتب: مشاريع إصلاح التعليم العالي بالمغرب؛ السياقات و المآلات

الدكتور “الأفضل النوف” يكتب: مشاريع إصلاح التعليم العالي بالمغرب؛ السياقات و المآلات

شطاري خاص1 سبتمبر 2023آخر تحديث : الجمعة 1 سبتمبر 2023 - 10:38 مساءً
غير معروف

شطاري- د الأفضل النوف:

دكتوراه في القانون العام

Screenshot 20230901 223508 WhatsAppBusiness - شطاري؟

إن أي محاولة لتقييم مسار تطور التعليم العالي بالمغرب لن يكون مجديا ما لم نسترجع الإصلاحات والمراجعات أو التقويمات السابقة التي عرفها التاريخ الحديث لنظام التعليم العالي. وتهدف هذه النظرة الاسترجاعية إلى وضع تقييم لقدرة صانع القرار التعليمي على إقرار الإصلاحات و نتائج تطبيقها. ولا يثير هذا التقييم الأسئلة حول تجانس السياسة العمومية فقط، بل أيضا حول اختياراتها وترجمتها على مستوى القوانين والتنظيمات، فالعودة إلى الإصلاحات المتتالية هي محاولة لتقييم مضمون وعمق هذه الخطوات ، بغرض تحديد مراميها، و طرح سؤال النجاعة و المآلات ؟ و هل يتعلق الأمر بإصلاح أم بمحاولات محدودة للمراجعة و التقويم؟

كانت البداية مع ظهير 25 فبراير 1975 كأول إطار قانوني للتعليم العالي اهتم بتنظيم الجامعات و أول تنظيم شامل للتعليم العالي حصل في المغرب بعد الاستقلال، محاولا تكريس دور الجامعة و إعطاءها إستقلالها كمؤسسة يناط بها تكوين وتأطير النخبة .كما تميزت تلك المرحلة بإختيار النموذج الفرنسي الذي جعل من الجامعة وحدة أساسية، تتمتع بكثير من الإستقلالية على المستوى الإداري و المالي و العلمي و البيداغوجي، وذلك بالنظر لما تم من إحداث لمجالس الجامعات ومجالس الكليات والاختصاصات المخولة لهما. وقد واكب تلك المرحلة ظروف سياسية و اقتصادية و اجتماعية عقدت من تنزيل هذه التصورات بسبب ما عرفه المغرب مع سياسة التقويم الهيكلي لسنة 1983، كما تأثر بتأخر صدور النصوص التنظيمية لهذا الظهير و الأنظمة الداخلية للجامعات، و الإفتقار لمصادر التمويل الكافية ، غير أن مايسجل في هذه المرحلة هو فصل قطاع التعليم العالي والبحث العلمي عن وزارة التربية الوطنية وتنظيمه بمرسوم ملكي في 19 يناير 1976، قبل أن يعاد تنظيمها في 1986 و1993. ، ليأتي بعد ذلك ما عرف بالمخطط الثلاثي (1978 – 1980) الذي جاء لمواجهة تزايد اعداد الطلبة تطبيقات لسايسات التقوبم الهيكلي.
و في مرحلة متقدمة و مع ما عرفه التعليم العالي من أزمات كان من بين ملامحها و نتائجها الاضطرابات التي سجلت في الأوساط الجامعية سيدخل المغرب في محاولات إصلاح تمثلت في عدة مشاريع نابعة من مبادرات للمسؤولين عن القطاع الذين تعاقبوا على الاشراف على وزارة الوصية على التعليم العالي كمشروع “ورقة عمل لإصلاح جامعي شامل” الذي قدمه وزير التربية الوطنية السابق السيد الطيب الشكيلي سنة 1992 لكنه عرف بعض الثغرات و لقي معارضة قوية من قبل بعض الهيئات على رأسها النقابة الوطنية للتعليم العالي .بعد ذلك ومع ظهور أول وزارة مستقلة للتعليم العالي و البحث العلمي سيقدم الوزير بمشروعه للإصلاح مقرا بعض المقتضيات المتعلقة بالجانب التنظيمي و المالي و البيداغوجي ، ومشروع السيد إدريس خليل (1996).و مشروع النقابة الوطنية للتعليم العالي سنة 1993 المسمى “مشروع إصلاح التعليم العالي وهيكلة البحث العلمي”. .و مشروع “وثيقة المبادئ الأساسية” بتاريخ 25 يونيو 1995 الصادر عن لجنة وطنية واسعة و ارتكزت على مبادئ أساسية: الدمقرطة و التوحيد، التعريب و التعميم ،الإلزامية و المجانية . ثم مبادرة 1997 التي ركزت على جوانب تنظيمية و إجرائية كإحداث وزارة للتعليم العالي و تغيير الوضع القانوني للأساتذة و الشواهد الجامعية. لكن ما يمكن قوله أن هذه المشاريع لم تلامس الجانب البيداغوجي و بالتالي لم تغير جوهر العملية التعليمية بشكل مباشر.
كل هذه المبادرات و غيرها ستتوج بالقانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي. الذي اعتبر واقعيا أولى ملامح الإصلاح الحقيقي والذي جاء لترسيخ مبدأ استقلالية الجامعة، كما جاء تتويجا لأهم ما ميز المنظومة التعليمية بالمغرب سنة 1999 وهو صياغة ميثاق وطني للتربية والتكوين الذي اتسم بنوع من الشمول، إذ عالج المسألة التعليمية في كل مراحلها، كما اتصف بشيء من الإجرائية بتحديده لأهداف معينة في إطار زمني محدد.
و الجديد إن القانون 00.01 نص صراحة على أن الجامعة مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي والعلمي والبيداغوجي. ولذلك نلاحظ على أن هذا القانون حاول إرساء الدعائم الأساسية للإصلاح كمحاولة للخروج من الأزمة العميقة التي ظل يعيشها قطاع التعليم العالي بالمغرب. في سياق عام يعرف تأثر جميع القطاعات بالأزمات السياسية و الاقتصادية
ايضا وفي مقابل “ثورية” القانون 00.01 كان لابد من ضبط التوازن بين الحفاظ على الثوابت التقليدية المغربية و حتمية الإنفتاح على قيم الحداثة و العصرنة.و هو ما يمكن فهمه من تصريح السيد نجيب الزروالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي في جلسة المصادقة على القانون 01.00 بمجلس المستشارين بتاريخ 24 مارس 2000 حيث قال: “إن حتميات العولمة، وحتميات اقتصاد السوق، والتحولات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من الصعب جدا مسايرتها إلا إذا أعدنا النظر في منظومتنا التعليمية”.

و إذا كان الإصلاح جاء مرتبطا بسياقات داخلية و خارجية متمثلة في صدور تقرير البنك الدولي لسنة 1995 الذي كان من بين توصياته “أن يقوم المغرب بعدة إصلاحات مهمة منها التنمية، وإعادة الهيكلة الأساسية لنظامه التعليمي والتكويني، ليصبح فاعلا نشيطا في الاقتصاد العالمي، ولبلوغ نمو اقتصادي مستمر”.و بداية تجربة التناوب السياسي و تأثيراتها فقانون التعليم العالي رغم ضرورته الملحة، لم يكن بالإمكان إقراره في غياب توافق سياسي، ثم تبني سياسة الخوصصة و المخطط الخماسي 1999-2003 ، فقد تكرست ضرورة اعتماد مقاربة تنموية تقترح الاستثمار في مجال الرأسمال المالي البشري من خلال إيجاد حركية اقتصادية طاقات مؤهلة و متنوعة بغرض مواكبة تنزيل مخططات سياسية و إجتماعية متقدمة خاصة سياسة إعداد التراب الوطني المطبقة انذاك و التي شكلت مقدمة للجهوية.
وكان من أهم ملامح التغيير ما عرفه الجانب البيداغوجي حيث جاء الإصلاح الجديد بهندسة بيداغوجية جديدة تم فيه تطبيق نظام المسالك والوحدات و المجزوءات بحيث تضم السنة الدراسية الجامعية فصلين في كل فصل ما بين 14 و 16 أسبوعا تيم فيها تعليم وتكوين وتقييم و اختبار الطلبة. أما عملية التقييم فتتم على مستويين المراقبة المستمرة و نقطة الإمتحان النهائي. فقد راجع إصلاح القانون 01.00 بعمق نظام التعليم العالي برمته، بما في ذلك غاياته والمهام الإستراتيجية للجامعة. و راسم الابعاد الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية التي يجب أن تضطلع بها الجامعة وكان من بين مستجداتها إعطاء مهام واسعة لرئيس الجامعة الذي سيصبح لمجلس المؤسسة (الجامعة) كما تم تبني الهندسة البيداغوجية الجديدة (نظام الإجازة-الماستر-الدكتوراة)
يمكن القول أنه وبالرغم من المميزات التي جاء بها الإصلاح الجامعي الجديد إلا أن طريقة تنزيله وتطبيقه صاحبتها عدة تعثرات وإشكالات، كانت نتيجتها بروز عديد التعثرات التي عطلت الكثير من أهدافه و لم تسمح له بأن يعالج جذريا جميع النواقص التي تطال مجال التعليم العالي ، ومن تلك التعثرات و الأسباب :
 زيادة الأعباء التكوينية على الأساتذة الجامعيين مع قلة عددهم بسبب مغادرة العديد منهم في إطار ما سمي “المغادرة الطوعية” لموظفي الدولة ، و إحالة الكثير منهم على التعاقد ثم تعقد إجراءات توظيف أساتذة جدد مع بدء تطبيق التوظيف عبر مباراة.
 الإكراهات العملية التي يعيشها مبدأ استقلالية الجامعة ؛ حيث يتم تعيين رؤساء الجامعات وأغلبية أعضاء مجالس الجامعات بدل الانتخاب،كما أن أغلب صلاحيات مجالس هذه المؤسسات خاصة علميا و بيداغوجيا تبقى استشارية و مرتبطة بالتوجهات المركزية.
 قلة الوسائل اللوجيستيكية و محدودية الطاقة الاستيعابية للجامعات و الاكتظاظ الذي باتت تعرفه
 عجز الجامعة عن مواكبة هذه التغييرات البيداغوجية نظرا للغموض والالتباس الذي ميز الهندسة البيداغوجية الجديدة و تعاقب تصورات متلاحقة لتنزيله بدءا ب نظام ما L-M-M-D (إجازة – ميتريز ماستر – دكتوراه) 2000، و لاحقا نظام L-M-D (إجازة – ماستر – دكتوراه)2002.
 الملاحظات التي عبر عنها الأساتذة و المتمثلة في صعوبة مواكبة ايقاع التدريس الجديد خاصة في مراحل اعداد المواد و و تغطية أعمال المجزوءات و الارهاق و الضغط خاصة في مراحل التقييم و الامتحانات بسبب تضخم أعداد الطلبة و تعدد و غموض أنظمة التقييم . غياب المحفزات الكافية لتحسين الوضعية المادية والاجتماعية لأساتذة و موضفي في هذا القطاع،و كذا الطلبة أنفسهم الذين يطالهم التهميش مما نتج عنه الكثير من مظاهر ضعف المردودية كإرتفاع معدل الهدر الجامعي و زيادة معدل سنوات الدراسة للحصول على الشواهد الجامعية.
 محدودية إنفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي و الذي يتجلى في قلة الأبحاث والدراسات التي تقدمها الجامعة لفائدة الفاعلين الاقتصاديين و ضعف المساهمة في الإشكالات الإجتماعية مطورحة مثل : إغناء النقاش العمومي في مختلف القضايا أو تصدير كفاءات مجدية لسوق الشغل مساهمة في محاربة البطالة.
في سنة 2009 و تلبية لتوصيات الميثاق التي لم تطبق، و على ضوء ما حمله التقرير التحليلي للهيئة الوطنية للتقييم بالمجلس الأعلى للتعليم وعلى خلفية تقرير للبنك العالمي سنة 2007 حول التعليم العربي انتقد بشدة المغرب لإخفاقه في تطبيق إصلاحات شاملة. والذي أشار إلى غياب تقييم منهجي للطلبة وارتفاع مهول في نسب الهدر المدرسي وضعف الميزانيات المخصصة للمدارس وعجز المؤسسات التعليمية عن تحضير الطلبة لسوق العمل. كل هذا دفع إلى اللجوء إلى إجراء إستدراكي في إطار ما سمي البرنامج الاستعجالي. حيث قدمت الحكومة المغربية موارد للجامعات بغية تعزيز الإصلاحات بموجب خطة تعليمية استعجالية بعيدة المدى 2009-2012. فقد تمت محاولة معالجة بعض النواقص التي عرفها التدبير البيداغوجي بهدف ملائمة الجدولة الزمنية مع نظام الإجازة – الماستر – الدكتوراه و تعزيزه بالقدرات اللغوية و التواصلية و التوجيهية الكافية. و هنا لا يمكن الحديث عن إصلاح بل شبه مراجعة لم تأتي بتغييرات كبيرة.
بعد ذلك و في سنة 2014 و إستنادا للبرنامج الحكومي لسنة 2012 و بخلفية دستور 2011 الجديد، تم تعديل اسم “المجلس الاعلى للتعليم” إلى “المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” ، كما تم تبني مراجعة هامة حاولت القيام بتقييم لمسارات التكوين عبر إصلاح نظام الإجازة من خلال العمل على برمجة مجموعة من المهارات اللغوية و التواصلية للطالب ، كما تم تغيير مفهوم دعم استقلالية الجامعات بإحداث الإطار التعاقدي الذي يعطي الإمكاية للجامعة في ممارسة مهامها و في المقابل يمنح للدولة إمكانيات تتبعها و محاسبتها وذلك تطبيقا لمبدأ المسؤولية بالمحاسبة و تكريسا لسياسة اللاتمركز.
ختاما يمكن القول أن الأزمات التي عاشها و يعيشها التعليم العالي بالمغرب عامة لاشك تتأثر بالسياقات السياسية الإقتصادية و الإجتماعية التي يعيشها المجتمع المغربي نفسه و هي دعوة إلى إيلاء التعليم و البحث العلمي خاصة في مستوياته العليا الإهتمام الذي يستحقه في جميع مشاريع و استراتيجيات الدولة لا أن يكون تابعا أو ثانويا فيها مما يجعله محكوما بدوامة الاصلاح و التغيير و المراجعة المتلاحقة مما يشكل عبئا كبيرا على جميع المتدخلين في المجال. و إذا كان التعامل مع أزمة التعليم العالي في هذه الظرفية أمر لا مناص منه فكل رؤية أو مشروع يقتضي ضرورة الإصلاح من خلال تبني المداخل التالية:
 إشراك كافة الفاعلين والمتدخلين في الحقل الجامعي في صياغة وبلورة المشاريع الإصلاحية، وتفعيل الديمقراطية الجامعية.
 تكريس مبدأ استقلالية الجامعة المالي والإداري في النصوص القانونية و التنظيمية،و تفعيل الديمقراطية الداخلية .
 تكثيف التواصل مع أطراف العملية التعليمية من أساتذة و طلبة بهدف الإحتكاك المستمر مع مشاريع و رؤى الإصلاح.
 العمل على أن تكون الرؤية التعليمية شاملة لجميع المستويات التعليمية تفاديا للتخبط و الإرتباك.
 حث السلطات الجهوية لكل جهة على العناية بالجامعة و البحث العلمي كمحور أساسي في مشاريعها و برامجها.
 انفتاح الجامعة المغربية على تبادل الخبرات بين الجامعات الوطنية و مع الجامعات الأجنبية الأخرى.
 تركيز الجامعات على التخصصات و التكوينات التي تدعم الحركية الإقتصادية و الإجتماعية على مستويات البحث و التطوير و كذلك سوق الشغل.
 تشجيع أعمال البحث من خارج الجامعة و لصالحها كمراكز البحوث و المبادرات الفردية للكفاءات العلمية.
 إعادة الإعتبار للجامعة كمساهم في رسم السياسات العامة خاصة في مراحل التشخيص و التقييم.
 انخراط الجامعة في الأدوار السوسيو اقتصادية والثقافية للمجتمع المغربي.
 ضرورة تخصيص ميزانيات أكبر للبحث العلمي و التطوير التقني.
 إيلاء العناية الكافية للعاملين في الجامعة المغربية بتحسين ظروف عملهم و رفع المستوى المادي و المعيشي لهم.

رابط مختصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

شطاري خاص