إجابات لجنة دعم الأفلام. رسائل فارغة تعكس جهل أصحابها

شطاري خاص31 ديسمبر 2025
إجابات لجنة دعم الأفلام. رسائل فارغة تعكس جهل أصحابها

شطاري-متابعة:

تعكس الأجوبة التي تلقاها اليوم الأربعاء سينمائيو الصحراء المغربية من لجنة دعم الأفلام وضعا إشكاليا يتجاوز مجرد رفض مشاريع سينمائية إلى ما هو أعمق وأخطر، إذ يكشف عن خلل بنيوي في آليات التقييم، وغياب واضح للفهم الثقافي والإنساني لخصوصية الصحراء وسينمائييها. فهذه الأجوبة، التي تأتي في شكل رسائل مقتضبة ومتشابهة في صياغتها ومبرراتها، تبدو فارغة من أي مضمون نقدي حقيقي، ولا تحمل أي أثر لقراءة جادة أو تحليل فني واع للسيناريوهات المقدمة.

المثير للانتباه أن نفس العبارات تتكرر تقريبا في جميع قرارات الرفض، وكأنها صيغ جاهزة يتم نسخها ولصقها دون أدنى اعتبار لاختلاف المواضيع أو الأساليب أو الرؤى الفنية بين مشروع وآخر. هذا التكرار الميكانيكي يفرغ مفهوم “لجنة القراءة” من معناه، ويطرح سؤالًا مشروعًا حول ما إذا كانت السيناريوهات تقرأ فعلا، أم أن مصيرها يحسم مسبقا بناء على معايير غير معلنة لا علاقة لها بالجودة الفنية أو بالقيمة الثقافية للأعمال.

إن ما يزيد من حدة هذا الإشكال هو غياب أي وعي حقيقي بثقافة الصحراء، بتاريخها، وحساسياتها الاجتماعية والرمزية. فالأجوبة الصادرة عن اللجنة غالبًا ما تكشف عن نظرة سطحية أو نمطية للفضاء الصحراوي، وكأن الصحراء مجرد خلفية جغرافية صامتة، لا مجال فيها للتجريب الجمالي أو للسرد السينمائي العميق. هذا الجهل بثقافة الصحراء لا ينعكس فقط في رفض المشاريع، بل يظهر أيضًا في نوعية الملاحظات، التي تكون عامة، فضفاضة، وأحيانا متناقضة، ولا تقدم أي توجيه فني يمكن أن يساعد صانع الفيلم على تطوير مشروعه.

الأخطر من ذلك أن هذه الأجوبة توحي بوجود منطق إقصائي غير معلن، يشعر معه سينمائيو الصحراء بأنهم خارج دوائر الاهتمام الفعلي للمؤسسات الداعمة. فبدل أن تكون لجنة دعم الأفلام فضاء لتشجيع التعدد الثقافي والجهوي، تتحول في هذه الحالة إلى أداة لإعادة إنتاج نفس الأصوات ونفس الرؤى، مع تهميش تجارب سينمائية تحاول أن تنطلق من الصحراء لتروي قصصها بعيون أبنائها.

كما أن غياب التعليل المفصل في قرارات الرفض يعكس افتقارا للشفافية، ويغلق باب النقاش والنقد البناء. فصانع الفيلم، حين يتلقى جوابًا عاما لا يشرح مكامن الضعف الحقيقية في مشروعه، يجد نفسه أمام حائط مسدود، عاجزا عن فهم أسباب الإقصاء أو تجاوزها في مشاريع لاحقة. وهذا ما يحول الدعم العمومي من آلية للنهوض بالسينما الوطنية إلى أداة إحباط، خصوصا بالنسبة لمبدعين يشتغلون في سياقات صعبة أصلا من حيث الإمكانيات والبنية التحتية.

إن ما يستشف من مجمل هذه المعطيات هو أن المشكلة لا تكمن فقط في رفض المشاريع، فذلك حق مشروع لأي لجنة، بل في الطريقة التي يتم بها الرفض، وفي الخلفية الفكرية والثقافية التي تحكم عملية التقييم. فحين تكون الرسائل فارغة، والمضمون مكررا، والوعي بثقافة الصحراء غائبا، يصبح الرفض فعلا كيديا في نظر المتضررين، أو على الأقل فعلا غير منصف، يفتقد إلى الحد الأدنى من المهنية والمسؤولية الثقافية.

إذن، لا يمكن للجنة دعم تدعي التعدد والانفتاح وهي تقصي، عن قصد، أصواتا تنبع من الصحراء وتحمل رؤى مختلفة للعالم وللإنسان.

إن إنصاف سينمائيي الصحراء لا يمر فقط عبر منح الدعم، بل يبدأ أولا بالاعتراف بخصوصيتهم الثقافية، وبقراءة أعمالهم بجدية واحترام، وبالتخلي عن الرسائل الجوفاء التي لا تعكس سوى أزمة في الفهم والتقييم، أكثر مما تعكس ضعفًا في المشاريع السينمائية نفسها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


عاجل