نفعي عزات:
فجأة تطفو على السطح مؤسسة شيوخ تحديد الهوية وفجأة تخبُو، وذلك بعد أن شغل بضعة من أعضائها الرأي العام الصحراوي، على إثر حضورهم المباغت وغير المنتظر لمحاكمة معتقلي اكديم ازيك، حيث ذهبت الناس في تحليله إلى عدة مذاهب بين المتسائل عن دورهم وبين المعارض من الأول لدخولهم على خط المحاكمة، إلى غير ذلك من التحاليل التي مهما كان صوابها أو خطئها إلا أنها تبقى فرصة سانحة والمناسبة شرط لتسليط الضوء على هذه المؤسسة التي تأبى الإندثار والموت رغم تذوقها لسكراته أكثر من مرة، ورغم الظروف الدولية والإقليمية المتقلبة كل حين..
ولعل أصعب محطة قد مرت بها هذه المؤسسة المستعصية هي انتفاضة “الزملة” في 16 يونيو عام 70 والتي خرجت منها سالمة بعد ابتكار السلطات الإسبانية المستعجل حينها للجماعة الصحراوية لتجعلها مخاطبها السياسي وتكون إلى جانبها مؤسسة الشيوخ كجناح يسندها مستمدا قوته من الأعراف و بالموازاة مع ممثلين للصحراويين ب “الكورتس” والذين لم يكن يتجاوز عددهم الستة أعضاء من بين أعضاء البرلمان الإسباني جملة، غير أنه وبعد إنسحاب إسبانيا وما رافقه من اضطربات كان لزاما على مؤسسة الشيوخ أن تعرف تهديدا جديدا لوجودها متمثلا في التشتت الذي طالها بعد أن اختار بعض من أفرادها طريق الشرق ليشقه، في الوقت الذي بقيت فيه غاليبتهم في وطنهم، فيما فضل البعض الآخر وهم قلة قليلة الإبتعاد والعيش هناك بموريتانيا أرض البيظان، وهكذا والأيام تنطوي وفي عز أتون الحرب بين المغرب وجبهة البوليساريو، طرح سؤال الممثل الشرعي للصحراويين ليُبادر المغرب بالإعلان عن تأسيس المجلس الإستشاري لشؤون الصحراء الذي كان مُوزعا بين القبائل عن طريق انتخاب كل قبيلة رجلا عنها يمثلها وكان من بينهم طبعا الشيوخ، والذين شاركوا بدورهم نيابة عن المجلس الإستشاري، بعدد من الإجتماعات القارية لمنظمة الوحدة الإفريقية، والملتقيات الأممية بجنيف في إطار معركة التمثيلية، إلى أن تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار المنعوت بمخطط السلام، والذي أعاد القوة لمؤسسة الشيوخ بعد وهن، وأكساها صبغة دولية في علاقة ينظمها القانون الدولي مع الأمم المتحدة وبعثتها لتنظيم الإستفتاء والمعروفة اختصارا ب “المينورسو”، البعثة التي بثت الروح في مؤسسة الشيوخ عبر تسميتها الجديدة وإضافة تحديد الهوية بدل شيوخ القبائل الذين استجابوا لها وتفاعلوا معها من خلال أداء وظيفتهم الطارئة، من هنا بالمدن الصحراوية، وهناك بخيمات تندوف، مستمرين على هذا المنوال إلى غاية 1997 سنة انحصار مسلسل التسوية وانحباس مسار تحديد الهوية رغم اتفاقية هيوستن، وتجدر الإشارة إلى أن الأمريكي كريستوفر روس خلال سنواته الأولى من مهمته كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة كان قد اجتمع بشيوخ تحديد الهوية في إحدى زيارته للعيون وتندوف وقام بإجراء مقابلة تحدث فيها معهم.
لكنه ومنذ ذلك الحين ومؤسسة شيوخ تحديد الهوية تعيش حالة من الجمود والتيه المنبثق من الإحساس عن كونها مؤسسة جوكيرات يحركها الشعور تارة بأنه لا يزال مرغوب فيها، وتارة أخرى على أنه أصبح مُتخلى عنها من لدن طرفي النزاع، وأنها باتت صوتا لا يُسمع صوتهُ، وممثلا لم يعد يجد ما يمثلهُ، في ظل جيش من المنتخبين والنواب والمستشارين البرلمانيين بالمغرب، ومنتخبين آخرين بالمجلس الوطني داخل جبهة البوليساريو، التي يُجرم قانونها أساسا القبلية ويمنع كل وسائل إيقاظها رغم تشبثها بحل تقرير المصير، والذي يعتبر الشيوخ أحد حلقاته الأهم..
تقرير المصير الذي لا يتوانى المغرب في القول أنه من المستحيل إجراؤه مهما حصل وتحت أي ضغط، وهو لا يدري أنه بوضعه عين الإعتبار لمؤسسة الشيوخ المغبون فيها، يقع في تناقض تام يتناقض مع خطابه الرسمي، ذلك أن الإبقاء على الشيوخ يُمكن أن يفهم منه ضمنيا أن حل تقرير المصير لا يزال قائما خصوصا وأن المملكة المغربية عند طرحها لمقترح الحكم الذاتي في 2007 قام الملك بتوشيح عدد من أفراد هذه المؤسسة العجيب سرُها، وهو ما استنتج منه وكأنه وداع وانتهاء لشيء اسمه شيوخ تحديد الهوية، وربما كان ذلك أفضل لهم بالنظر إلى حجمهم وحجم المشكل المعقد، فتالله لو كان الأمر بيدهم لما استطاعوا التقدُم بالملف ولا تأخيره، ولا قطعُوا فتيلاّ، ولا أتوا نقيراّ.
نفعي عزات: صحفي وباحث بالقانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية