صبري الحو:
إن إعداد الأمم المتحدة لمقترح جديد لحل نزاع الصحراء اهتمام أممي فرضه عجز الطرفين عن المضي قدما في العملية السياسية لإدراك حل يتوافقان عليه، ولتجاوز مأزق توقف وتعليق المفاوضات بينهما. يتجاوز التفكير والاشتغال على المقترح وإعداده كل الأطراف المباشرة وغير المباشرة في النزاع؛ لأن حجم الأطراف مجتمعة لا يعطيها القوة على التأثير في قرار الدول الكبرى، صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن، كما لا يمنحها التحكم وتوجيه الأمانة العامة للأمم المتحدة؛ بل تفرضه نظرة تلك الدول ومجلس الأمن إلى طبيعة النزاع، المرتبطة بالأمن والسلم العالميين.
غير أن تريث وتراخي الأمم المتحدة في إعلان المقترح الجديد ليس بسبب عدم توفرها عليه، بل هي تنتظر تجميعه لمجموعة من الشروط، تضمن به إقراره داخل مجلس الأمن، لإنجاحه.. وهذه الشروط ذات علاقة بـ :
أولا: توافق الدول الكبرى حول المقترح، وخاصة صاحبة حق النقض داخل مجلس الأمن، وهي أمريكا وبريطانيا، وفرنسا وروسيا والصين.. فبدون توافقها لن يكتب له النجاح، لأن رفض إحداها له سيسقطه بسبب “الفيتو”، ومعناه الفشل الكبير.. وهذا التوافق مطلوب، ولا يقل أهمية عن توافق الدول أصدقاء الصحراء، والدول المجاورة.
ثانيا: المقترح يحتاج لطرحه إلى قبول طرفي النزاع، أو قبول واحد منهما على الأقل؛ المغرب أو البوليساريو.. ولا يمكن إعلان مقترح لا يقبل به الطرفان، لأنه سيكون فاشلا منذ البداية.
ثالثا: احتمال تغيير إطار نظرة مجلس الأمن الحالي للنزاع من الفصل السادس إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ وهو شرط لا تحتاجه الأمم المتحدة في تاريخ إعلان وعرض المقترح على الأطراف؛ لأن نجاح المقترح في الحصول على الشرطين الأول والثاني، ورفض الطرف غير القابل له تنفيذه، سيجعل مجلس الأمن مضطرا لنقل الملف إلى الفصل السابع، الذي يجيز ويسمح له بفرض العقوبات، أو استخدام القوة لفرض الحل.
أما الأدلة على وجود المقترح جاهزا، فهي متعددة، متنوعة ومتطابقة، وفي عرضها قطع للشك باليقين.. ولن يكون المتتبع ولا الإعلامي بحاجة إلى تلميح السيد «خان حق”، الناطق باسم الأمين العام، والاستشهاد به للقول بوجوده، فالأدلة متعددة، وتتوزع مصدرها، بين ما هو مغربي، وبين ما هو أممي، وما هو من البوليساريو.
أولاً: الأدلة المغربية رسمية الطابع، وصادرة عن الملك شخصيا، بصفته الممثل الأعلى للدولة المغربية، وتم رصدها وتوثيقها في أكثر من مناسبة، بل خاطب بها قادة ورؤساء دول العالم، ومن منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما خاطب بها الشعب المغربي:
أ)- رسالة الملك، بتاريخ 1 أكتوبر 2015 الموجهة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة السبعين، والتي تلاها الأمير مولاي رشيد بالنيابة عنه، وجاء في مضمونها: “…لذا، فإن المغرب سيرفض أي مغامرة غير مسؤولة بخصوص الخلاف الإقليمي حول الصحراء المغربية؛ فالعديد من القوى الدولية تدرك تماما بأن التصورات البعيدة عن الواقع التي تم إعدادها داخل المكاتب، والمقترحات المغلوطة، لا يمكن إلا أن تشكل خطرا على الأوضاع في المنطقة”.
ب)- خطاب المسيرة في 6 نونبر 2015، بمناسبة الذكرى الأربعين، الذي ألقاه الملك من مدينة العيون، وردد فيه جلالته رفض الحلول المعدة بمكاتب الأمم المتحدة، إذ جاء فيه: “…وتحاول تقديم تصورات بعيدة عن الواقع، تم طبخها داخل مكاتب مكيفة، كاقتراحات لحل الخلاف الإقليمي، حول مغربية الصحراء. المغرب يرفض أي مغامرة غير محسوبة العواقب، ستكون لها تداعيات خطيرة، أو أي اقتراح فارغ ودون جدوى، سوى محاولة نسف الدينامية الإيجابية، التي أطلقتها مبادرة الحكم الذاتي”.
ج)- البيان المشترك الروسي المغربي، بتاريخ 15 مارس 2016، الذي أعقب زيارة الملك إلى روسيا، والذي جاء فيه أن الأخيرة ترفض الحلول المتسرعة، في إشارة ضمنية إلى عدم موافقتها على المقترح بعد، وهو الشرط الذي يحتاجه المقترح للإعلان عنه، وفق ما أشرنا إليه أعلاه.
ثانيا: أما عن الأدلة التي مصدرها الأمم المتحدة، فهي مشار إليها في تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، وفي لوائح وقرارات مجلس الأمن، ومستشفة من تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة نفسه؛ ومنها:
أ)- تقرير الأمين العام عدد 258 بتاريخ 10 أبريل 2014، الذي حدد أبريل 2015 أجلا للطرفين للوصول إلى حل، تحت طائلة التهديد بمراجعة الإطار، وتدخل الأمم المتحدة لمشاركة الأطراف في الوصول إلى حل. وقد حل الموعد دون تحقيق الحل.
ولا يمكن أن يحمل تأخر الأمم المتحدة في تنفيذ قرارها بالمراجعة على أنه نسيان أو تراجع منها، بل إنها بصدد إجراء المشاورات السرية قصد التوافق حول صيغة المقترح المعد، ولاستصدار موافقة طرفي النزاع، أو أحدهما على الأقل.
ب)- تقرير الأمين العام عدد 246/2015، بتاريخ 10 أبريل 2015، الذي يدعو الطرفين إلى استئناف المفاوضات بحسن نية، ودون شروط.
ج/ التصريح الشفوي للأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 4 نونبر 2015، الذي عبر فيه عن أسفه الناتج عن عدم استغلال مقترحي المغرب والبوليساريو، المقدمين منذ 2007، للوصول إلى حل، وهو ما ينم عن إجراء للأمم المتحدة قصد مراجعة تتجاوز المبادرتين المغربية ولجبهة البوليساريو.
د)- تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عدد 355 بتاريخ 19 أبريل 2016، وقرار مجلس الأمن عدد 2285، بتاريخ 29 ابريل 2016، اللذان يدعوان إلى الاستعداد للدخول في مفاوضات مباشرة، وبحسن نية، وبدون شروط.
هـ)- تحديد الأمانة العامة للأمم المتحدة لجدول بزيارات مكثفة إلى المنطقة هذه السنة، عددها ست، وجدول مكثف لمفاوضات وندوات بين الطرفين، داخل مقر الأمم المتحدة. (لم يتم تنفيذ هذا البرنامج بسبب خلاف المغرب مع الأمين العام للأمم المتحدة، الناتج عن زلة الأخير، أثناء زيارته للمنطقة، بوصفه للوجود المغربي في إقليم الصحراء بالاحتلال).
و)- التوصيات التي أعقبت إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن، بتاريخ 26 يوليوز 2016، حول مدى تنفيذ المغرب للقرار 2285 بعودة المينورسو، والتي تدعو الطرفين إلى استئناف المفاوضات بحسن نية وبدون شروط.
ثالثا: أما أدلة جبهة البوليساريو التي تؤكد وجود مقترح، فبالإضافة إلى الزيارة المثيرة للانتباه التي قامت بها قيادتها السابقة، رفقة وفد ضم تشكيلات مختلفة من أعضائها، إلى الجزائر، مباشرة وغداة زيارة كريستوفر روس، التي قيل عنها إنها للتشاور حول الحلول الجديدة التي يحملها روس، سنة 2014، فإن قيادتها الجديدة عبرت عن استعدادها الدخول في مفاوضات مباشرة مع المغرب.
ونستنتج من كل ذلك أن مقترح منظمة الأمم المتحدة لحل نزاع الصحراء، الذي يوفق بين مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، ومبادرة البوليساريو بالاستفتاء، الذي ينفتح على خيارات ثلاثة، أولها الاستقلال، هو حقيقة فرضها عدم قدرة الطرفين على الوصول إلى حل، وتعلق النزاع بالسلم والأمن العالميين.
وهذا المقترح موجود، وهو موضوع وقيد المشاورات السرية لحشد التوافق عليه لدى الدول الكبرى، أعضاء مجلس الأمن الدائمين أولا، ولاستصدار قبول طرفي النزاع به، أو طرف واحد على الأقل ثانيا؛ قد يكون البوليساريو، بعد استباق المغرب بالرفض لذلك المقترح.
كما أن المشاورات السرية نفسها تقوم بها الأمانة العامة للأمم المتحدة مع الدول أصدقاء الصحراء، والدولتين المجاورتين، لضمان مساندتها للمقترح ومساعدتها لها في إقناع الأطراف للقبول به.