محمد البوزيدي:
قبل ثلاث سنوات مضت كانت بوجدور على موعد مع تعيين عامل جديد على رأس الإدارة الترابية لإقليم يمثل 15% من مجموع تراب الصحراء المغربية.
الكل رحب بالرجل القادم من العيون بالنظر للصدى الطيب الذي خلفه أثناء اشتغاله لسنوات ‘باشا’ لحاضرة الأقاليم الجنوبية.
الوافد الجديد.. كاريزما وقوة شخصية
الجميع تساءل عن القادم الجديد لتدبير إقليم لم ينخرط بشكل جدي في المسار التنموي رغم الفرص الكثيرة المتاحة من هنا وهناك .
كان جواب أحدهم في الحلقيات التي تكاثرت ذلك المساء في ساحة عمالة الإقليم ؛ من باشا لعامل تغني عن كل جواب ، إنها الكاريزما الشخصية التي تصنع المنصب وتبلوره وتصبغه بالميزات الخاصة، لذلك ليس بالضرورة المرور عبر القنوات المعهودة في التراتب الإداري الذي قد يفترض المرور عبر منصب كاتب عام لسنوات إعدادا لتحمل مسؤولية أعلى منصب بالإقليم.
في نهاية حفل التنصيب ،سرى إحساس لاشعوري بين الجميع أن نسمة هواء جديدة هبت على المدينة، فكان الأمل والرجاء أن تكون النسمة عميقة، جميلة، عبقة الرائحة تمنح الساكنة أملا جديدا يقطع مع سنوات أجمع الكل من مختلف المواقع أنها عجاف بمعايير مختلفة والنتيجة كانت بادية للعيان آنذاك.
الساكنة.. طموح مشروع
اليوم وبعد مضي ثلاث سنوات على ذلك المساء،هل كانت طموحات الساكنة وانتظاراتها آنذاك في الصميم؟ أم ذهبت المتمنيات أدراج الأماني التي قد تخفت مع مرور الزمن وتمرد الحماس الذي قد يكون مبالغا فيه ومرتبطا بلحظة تغيير المسؤولين من حين لآخر؟
مع أيامه الأولى في تحمل المسؤولية التي قلده إياها جلالة الملك محمد السادس ، لاحظ الجميع تمتع الرجل بنفس تواصلي عميق، وحس إنساني مرهف ينساب دون تكلف أو مجاملة ،ويخترق صدر المخاطب دون حواجز . يختار كلماته بعناية ليوصل أفكاره ذات الرؤية المتبصرة، يحاول تنزيلها على أرض الواقع قناعة منه أن المسؤول يجب أن يكون أكثر قربا من المواطن وأن المطلوب من رجل السلطة مغادرة مكتبه والالتحام بهموم المواطن ليعالج مختلف الاكراهات، وكان عاديا جدا أن تلاحظ الساكنة جولاته اليومية لتفقد شوارع وأحياء المدينة وأن يوجه المسؤولين للتدخل ومعالجة ما يجب معالجته بأقصى سرعة ممكنة.
لذلك أصبح رهانه قاعدة جلية للاشتغال لا يمل من التأكيد عليها في كل الاجتماعات واللقاءات “يجب التعاون والتكاثف وتظافر الجميع يدت واحدة لمصلحة بوجدور”.
“ابن براهيم”.. إجماع لم يسبقه إليه أحد
لذلك كان طبيعيا بعد مرور زمن غير يسير على تقلده المسؤولية أن يحقق إجماعا لم يسبقه إليه أحد من المسؤولين السابقين،وكل من سألته عن “ابراهيم بن ابراهيم” يختزله في كلمات عميقة تعكس كل شيء؛ عمق إنساني، محب الخير للجميع ، نظافة اليد والروح، مبادرات تنساب طوال السنة دون توقف ، وعلاقات إنسانية وخيوط مفتوحة تزكيها أيادي ممدودة للجميع ومع الجميع من أجل الجميع.
وبفضل هذه الميزات العميقة التي يصعب أن تجتمع في المسؤول أيا كان وأن يشهد له بها مختلف أطياف اقليم بوجدور استطاع بهدوء جميل ترسيخ السلم الاجتماعي بإقليم دأب على معرفة توترات اجتماعية سابقة كانت ناتجة في أغلبها عن غياب التواصل بين أطياف مختلفة تشكل قاعدة النسيج المجتمعي لإقليم التحدي..
برامج جادة يضاهيها طموح عال
لم يتطلب الأمر زمنا طويلا، ففي ظرف وجيز انطلق الرجل بمنهجية مغايرة للمعتاد ، أطلق تشخيصا تشاركيا مفتوحا، خلص من خلاله لتحديد أولويات الإقليم من الجانب التنموي، حينها ظهرت المحاور الكبرى جلية؛ تشجيع الاستثمار، وإغناء البرامج الاجتماعية، وتعزيز الثقة في الطاقات والموارد المحلية .
ولأن الابداع في الشيء هو خلق الشيء من اللاشيء،فقد برزت مهاراته جلية في استثمار كل علاقاته التي راكمها لسنوات في البحث عن مشاريع جديدة للإقليم مصرا على خلق إضافات نوعية لم تكن معتادة من قبل، قناعة منه أن ربح الرهان يقتضي إنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تشجيع المبادرات الفردية وذلك عن طريق خلق أنشطة مدرة للدخل مما يضمن توفير فرص التشغيل.
لذلك احتضن عامل الإقليم وحفز وشجع العديد من المستثمرين، وفي ظرف وجيز بدأت المعامل تشتغل موفرة فرص شغل بشكل مباشر وغير مباشر وانطلقت المنطقة الصناعية في دينامية للبناء لم تعهدها من قبل،موازاة مع إطلاق برامج في الفلاحة والتركيز على الصيد البحري كقاطرة للتنمية الاقتصادية .
أخذ الرجل على عاتقه تشجيع الشباب والنساء كفئتان تشكلان قاعدة الهرم السكاني بالإقليم فأطلق برنامج بوجدور مبادرة بشراكة مع وكالة التنمية الاجتماعية ووكالة الجنوب وشركة الطاقة الريحية، حيث استفاد العديد من شباب المنطقة من مشاريع مدرة للدخل تقوم على آلية منح قروض شرف بدون فوائد وبدون ضمانات وتستند على تقوية الادخار الشخصي، الذي يعد دعامة تخدم كل شخص يرغب في إنجاز مشروعه الذاتي حيث تجاوز عدد الطلبات التي وضعت للبرنامج 1300مشروع.
موازاة مع ذلك أطلق “إبراهيم بن إبراهيم” في سابقة أخرى برامج الاقتصاد الاجتماعي التضامني بكلفة تتجاوز مبلغ ستة ملايين درهم تمتد لثلاث سنوات ، بشراكة مع المجلس الإقليمي لبوجدور ووكالة الجنوب والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
أما الورش الملكي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فقد حظي بعناية خاصة من لدنه، مركزا على عوالمها الجديدة التي لها علاقة بالأجيال الجديدة حريصا أشد الحرص على تطوير آليات الاشتغال والتقييم والتتبع والتميز قصد تحقيق الاستهداف الجيد والوقع القوي على مختلف الفئات المستهدفة.
أما مشاريع البرنامج المتعلق بالتنمية المندمجة للأقاليم الجنوبية الخاصة باقليم بوجدور فرغم التوقف الذي عرفته بسبب الكورونا، فقد قطعت أشواطا كبرى وسجلت نسبا متميزة جعلت بعضها ينتهي قبل الوقت المحدد لسنة 2021 حيث وصلت نسبة الانجاز 100% في القطاعات المتعلقة بالتجهيز والصناعة التقليدية والحزام الأخضر وتجاوزت 80 %في قطاعات التربية الوطنية والمياه والغابات و 70 %في قطاعات الفلاحة وتجاوز بعضها لنسبة 80% في قطاع الصيد البحري بينما ستنطلق المشاريع التي تدخل في المجال السياحي في أكتوبر القادم لتكون بوجدور في الموعد المحدد لنهاية المشاريع وهو السنة القادمة .
مهرجان أكبار.. إشعاع تجاوز المعمور
عل خلاف الدورات السابقة في تدبير المهرجان السنوي للمدينة، كانت منهجية “ابراهيم بن ابراهيم” في التنشيط الثقافي والفني جلية وتحظى بالإجماع، فقد حرص على إتاحة الفرص لكل الطاقات والمسؤولين واعتماد المقاربة التشاركية في التدبير من خلال لجنة موسعة تناقش كل شيء وتصادق على قراراتها من تلقاء ذاتها حتى في الأمور المالية التي تم تدبيرها بشفافية عالية حمست الجميع للانخراط في التظاهرة والعمل على إنجاحها، بغض النظر عن المواقع السياسية والجمعوية احتراما لمنهجية الرجل وقناعة بتدبيره المتميز لتلك اللحظة السنوية التي تؤرخ لزمن انبعاث إقليم بوجدور .
كان يؤكد في كل لحظة أن موارد الإقليم يجب أن تمنح لأبناء الإقليم، وأن يكون المهرجان فضاء لاستفادة معظم الفئات الاجتماعية وتوظيف كل الموارد المحلية بعيدا عن التدبير الذي كان متبعا من قبل ،وهو تكليف شركات خاصة لتدبير كل شيء..
لقد أصبح مهرجان أكبار محطة متميزة تتحول فيها المدينة لخلية نحل لا تكل ولا تمل من الأنشطة المتميزة في مختلف الميادين التي يتحرك فيها الجميع قناعة منه أن المسؤولية التاريخية تجاه الوطن تقتضي التعاون والتآزر بغض النظر عن الخلفيات والمواقع السياسية والجمعوية .
كورونا.. بعد نظر واستباق للأزمة
قبل ثلاثة أشهر، كانت كورونا لحظة فارقة في المجتمع المغربي ،ارتدى الرجل بزته ليقف على الشاذة والفاذة في الإقليم،منفذا خطة تعتمد التدخل الاستباقي واتخاذ كل الإجراءات الهامة التي من شأنها حماية المواطنين من الجائحة ومن تداعياتها والتخفيف من تأثيراتها المختلفة .
تتبع منذ البداية تجهيز المستشفى بكل المستلزمات التي تجعله مهيئا لاستقبال المرضى ، وتدخل للبحث عن موارد دوائية له من مجلس الجهة ومؤسسة فوسبوكراع ،وحين أصيب أربعة مواطنين على حين غرة كان لهم نعم الأخ الحنون، والمسؤول المعين والمتتبع لحالتهم والمؤازر لوضعهم الخاص والعام.
اتخذ اجراءات صارمة للحجر الصحي بالمدينة مما ضمن عدم انتشار العدوى ،وانطلقت الحملات التحسيسية باكرا لتوعية المواطنين بمختلف التدابير التي يجب التقيد بها ،التفت للمهاجرين العالقين بالمدينة (أوروبيون وأفارقة ) فوفر لهم التغذية والإيواء بشكل ارتاح له ضيوف بوجدور .
حجز فندقا للفرق الطبية وقاية لأبنائهم من الاختلاط بهم . أعاد الطلبة العالقين من المدن الجامعية، قبل أن تنطلق حملات الكشف السريع والتي جاءت نتائجها سالبة مما أكد دقة ومنهجية التعامل مع الوباء ،حيث لم يصب أحد بالعدوى.
وعلى المستوى الاجتماعي نسقت المصالح التابعة له مجموعة من العمليات التضامنية الموجهة للفئات المعوزة والهادفة إلى مساعدة هذه الفئات على الصمود خلال فترة حظر التجول الصحي، حيث ترجمت هذه الروح الوطنية والتضامنية بتعبئة 24 600 قفة غذائية بغلاف مالي يناهز 09 مليون درهم موزعة على الشكل التالي :
المجالس المنتخبة والمؤسسات العمومية : 16176 بغلاف مالي يقدر ب:
5519730.00 درهم
الفاعلون الاقتصاديين : 7240 بغلاف مالي يقدر ب:
2074000.00 درهم
الجمعيات: 1299 بغلاف مالي يقدر ب:
456820.00 درهم
كما استفاد إقليم بوجدور من حزمة التدابير المعلن عنها من طرف لجنة اليقظة الاقتصادية والهادفة إلى تقديم الدعم المالي للأسر المعوزة أو المتضررة من فرض حالة الطوارئ الصحية أو الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل المتضررة من فيروس كورونا..
هو هكذا “بن ابراهيم” الرجل المتواضع والهادئ، بوجدور تسكن بين جوانحه وتعد جزء مهما من انشغالاته اليومية، ذو الشعبية الكبيرة التي تقدرها نخب المدينة ولا تتردد في تكريمه في مختلف التظاهرات عربون وفاء منها للرجل الذي تمكن رغم قصر مدة تحمله المسؤولية بالإقليم إلى جعله يبدو بحلة جديدة وأنيقة.
الانسانية المشهود له بها جعلته يولي دوما عناية خاصة للفقراء والمساكين والفقهاء ويحرص كثيرا على التقيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عدد سبعة يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم : رجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه.
أما بيوت الله فقد تدخل لدى العديد من المحسنين لتأهيلها وتجهيزها لتبدو حلة جديدة وهاهو الإقليم يستعد قريبا لتدشين المسجد الكبير بعد أن دشن قبل سنة فقط معلمة سابقة وهي مسجد الحسن الثاني المتواجد في شمال المدينة.
نعم هناك إجماع أن الوضع تغير وتحول فعلا عما كان معهودا من قبل ، وأكيد أن المدينة ستواصل المزيد من التحولات الايجابية اقتصاديا واجتماعيا في السنوات المقبلة على جميع الأصعدة بقيادة “إبراهيم بن إبراهيم”.
ومع بداية السنة الرابعة من تحمله المسؤولية أكيد أنه لن يمل من التفكير في إبداع مشاريع قادمة لإقليم التحدي،معتمدا على مقاربته التشاركية الواسعة التي يلخصها حديثه دوما عن التعاون والتعاضد والتؤازر، فكما يقول دوما يجب أن يكون شعار الجميع” بوجدور للجميع والجميع لبوجدور”.
ظل عامل الإقليم وفيا ومحتضنا لكل المبادرات الشابة الهادف والفعالة، بل وشريكا في تجسيدها على أرض الواقع، من أنشطة ثقافية واجتماعية وفنية، جعلت من الإقليم منارة، يصل صدى إشعاعها باقي الأقاليم وحتى الخارج، ولنا في “ملتقى بوجدور الدولي للإعلام” خير مثال، عندما استضاف الإقليم نخبة من أبرز اعلاميي القنوات العربية و وكالات الأنباء الدولية التي واكبت عبر منابرها كل صغيرة وكبيرة لمشاريع ساهم في إطلاقها “بن إبراهيم” ووضع حجر الأساس لأخرى.. كما تطول لائحة باقي الأنشطة التي ميزت الإقليم عن غيره في ظرف وجيز..