بداد محمد سالم
انفصام الطموح…!!! عادة ما نسمع عن مرض انفصام الشخصية وهو مرض نفسي يفسره علماء النفس بتواجد شخصيتين متناقضتين في الفرد الواحد ، تُحدث اضطرابات في سلوك الانسان، لكننا اليوم أصبحنا نعاني من أشكال أخرى من الانفصام قد لا تحظى هي الأخرى بالكثير من الإهتمام والبحث.
لعل ابرزها ما نسميه ب”انفصام الطموح” وهو ما يمكن تعريفه ب تنازع طموحين متباعدين في المقاصد والأهداف”.
تتجلى خطورة هذا المرض في انعكاسه بشكل مباشر على المجتمع، لأن المصابيين به جادون في تحقيق هذه الطموحات. لدرجة أن بأمكانهم أن يتولوا قيادة المجموعات البشرية.
عندما يقود هؤلاء مجموعات بشرية فإنهم يرفعون شعار الطموح الأول، الذي عادة ما يكون مثاليا وبراقا ومشروعا، و المجتمع في أمس الحاجة إليه، وبالنظر لكونهم أشخاص غير سوويين فإنهم يحققون هذا الطموح شكليا ومظهريا فقط، ويعيشون مع وهم تحقيقه، وهنا تكمن خطورتهم على أنفسهم وعلى المجتمع .
لكنهم في الحقيقة منغمسون في تحقيق الطموح الثاني والذي عادة ما يكون جِدْ جِدْ متواضع بل يكون قذرا في كثير من الاحيان، لا يمكن تصوره لدى الطامحيين للتغيير أو الحالمين بغد أفضل لذواتهم و لمجتمعهم ولاجيال المستقبل.
قد يقول البعض أنني أقصد طبقة الاستغلالين والانتهازيين الذين يركبون موجة الحركات الاجتماعية أو السياسية لوجود نقاط تشتابه بين الحالتين.
إلا أن هناك اختلاف جوهري بينها يتجلى في أن الاستغلالين و منتهزي الفرص هم قناصة بالفطرة ويعرفون من أين تأكل الكتف، كما أنهم يعرفون قدرهم وقيمتهم الحقيقية، لذلك من السهل إن توفرت الإرادة أَن يتم تطويقهم، وحصر رقعة تأثيرهم، تماما كما يفعل الاطباء مع بعض الأورام التي قد يصاب بها بعض البشر والحيوانات على حد سواء.
في حين أن المصابين بمرض انفصام الطموح يؤمنون إيمانا قطعيا بأنهم قد اعتلوا صهوة المجد وأنهم في المكانة التي تليق بهم، لذلك قد ينتقل تأثيرهم من أدوات لدى الاستغلالين الحقيقين إلى خطر يصعب تطويقه، بل يتعدى خطرهم ذلك ليصل إلى تضليل فئات عريضة من الشباب، عبر حقنهم بجرعات من فيروس انفصام الطموح.
يتم هذا الحقن عن طريق خلق أجواء توحي بالأمل بغد أفضل، وفتح المجال لفئات عريضة من الشباب للدفع بها واستغلال طاقاتها وحماسها من أجل تحقيق أشياء مثالية، لكن سرعان ما يصطدم هؤلاء الشباب بالحقيقة، ليبدأ العد العكسي التنازلي لطموحات هؤلاء، فبدل أن يسعوا الى التغيير و الوصول إلى مراتب أعلى، وتلك فطرة جُبِل عليها الشباب، نجدهم يرضون بالفتات وبالقليل ويؤمنون بالواقع الصامد، ويركبون إحدى القطارين، إما قطار الخنوع أو قطار الانفصام، وفي القطارين خطر جسيم.
لم أعطي أمثلة ولم أجري تطبيقات للتوضيح، لكن بإمكان كل منكم أن يقوم بها من تلقاء نفسه حول الحالة التي يريد دراستها، وسيرى بأم عينه كم أن انفصام الطموح أنهى طموح هذا الجيل وربما الجيل الذي يليه، ما لم يستفق دب أو تنين في مجتمعاتنا ، قبل أن يبدأ بريق الاستغلال كتابة السيناريو الجديد، و نضطر مكرهين إلا تمثيله واخراجه في حين يتولى المرضى تسويقه ونشره….!!!