علي الباه:
بعد الإعلان عن تاريخ إعادة محاكمة معتقلي اكديم ازيك اليوم الاثنين بمحكمة الاستئناف بمدينة سلا، انطلقت جحافل حقوقيي الصحراء من أنصار جبهة البوليساريو شادة الرحال إلى العاصمة الرباط لحضور أطوار المحاكمة في تحد واضح ل”الدولة المغربية”.
وأمام محكمة الاستئناف اجتمع القادمون من أقصى الجنوب من عائلات المعتقلين جنبا إلى جنب وذوي ضحايا الذين هلكوا من رجال القوات المساعدة والدرك والوقاية المدنية إبان تفكيك مخيم اكديم ازيك عام 2010.
صدحت حناجر الطرفين بين المطالبة بتبرئة معتقلين ظلوا ست سنوات ونيف خلف القضبان بعدما أدانتهم المحكمة العسكرية المغربية بتهم ثقيلة ترواحت مدة عقوبتها بين العشرين والمؤبد، قبل ان تتراجع عن ذلك محكمة النقض وتعيد محاكمتهم مدنيا، وبين حناجر أخرى تطالب بإسقاط أقصى العقوبات على من يتهمونهم بوضع حد لحياة فلذات أكبادهم.
لقد عاش فضاء محكمة الاستئناف اليوم بمدينة سلا حدثا استثنائيا في تاريخ المحاكمات المغربية، لما له من أبعاد سياسية في حرب تسجيل النقاط بين المغرب وجبهة البوليساريو.
في المقابل لم تشهد مدن الصحراء تحركات كبيرة لأنصار الجبهة كتلك التي ألفها المغرب منذ زمن، فبقيت الشوارع خاوية على عروشها إلا من دوريات الأمن التي تراقب كل صغيرة وكبيرة تحسبا لأي انفلات قد يدفع مسؤولو المدينة ثمنه غاليا..
المنعرج الذي لم يحسب له المغرب حسابا بعد تفكيك مخيم اكديم ازيك هو “تسييس” قضية المعتقلين الذين طالموا صدحوا بأن مطالبهم اجتماعية صرفة وألا علاقة لهم لا من قريب ولا بعيد بجبهة البوليساريو التي حاولت ما مرة الركوب على مطالب نازحي المخيم، فكان أن وقع المغرب بين خيارين أحلاهما مر، الانتصار لمن هلكوا من جنوده إبان تفكيك المخيم لتفادي الإحراج المتوقع مع أهالي وذوي الضحايا، وتنزيل أقصى العقوبات على من اعتقدوا أنهم متورطين في تلك الأعمال الإجرامية، وبالتالي المجازفة بورقة دون أخرى..
ورقة قدمت لجبهة البوليساريو على طبق من ذهب، فشكلت إحراجا للديبلوماسية المغربية بالخارج، ولعبت بها الجبهة كيفما أرادت وحيث شاءت..
الغريب في الأمر أن المغرب كان بإمكانه أن يقبر ملف معتقلي اكديم ازيك إلى غير رجعة، بعدما حكمت محكمة النقض ببطلان الأحكام العسكرية، وأن يعقد صفقة مع أهالي الضحايا الذين يعتبرون شهداء الواجب الوطني، فحتى إعدام المعتقلين لن يعيد من قضوا إلى هذه الحياة، وبالتالي يربح المغرب المعركة سياسيا وديبلوماسيا بالإفراج عنهم ، وهو غير المتأكد من صحة تورطهم في الأحداث حتى ولو كان بينهم مناصرين لجبهة البوليساريو..
ورغم أن عديد المراقبين يرون بأن احتفاظ المغرب بمعتقلي اكديم ازيك إلى حين عقد صفقة خاصة بين المغرب وجبهة البوليساريو انتصارا له حتى لا يخرج خاوي الوفاض من جلسات مفاوضات مقبلة، إلا أن عكس ذلك تماما ما سيقع، وستجد الدولة المغربية نفسها مرة أخرى في وضع لا تحسد عليه بعد الإخفاقات الديبلوماسية المتتالية.
المغرب أمامه اليوم فرصة تاريخية لإعادة المياه إلى مجاريها مهما كلفه ذلك داخليا، فالحرب في الخارج أقوى وأمر لينأى بنفسه بعيدا عن أي إحراج قد يفرض عليه ما كان بين يديه.