شطاري-متابعة:
تعيش الجزائر على وقع أزمات سياسية ودبلوماسية متعددة خلال الفترة الأخيرة، بشكل يُخالف كل المخططات التي بنى عليها نظام تبون خطابه السياسي بعد الحراك الجزائري، حين صرّح مرارا بأن الهدف هو إعادة الجزائر إلى “مكانتها الدولية”، معتبرا أن بلاده “قوة إقليمية”، كما كرّر ذلك في أكثر من مناسبة.
وعمل نظام تبون وشنقريحة، منذ الانتخابات التي تلت الحراك، على تصوير فترة حكم الراحل عبد العزيز بوتفليقة بأنها السبب وراء تراجع موقع الجزائر قاريا ودوليا، في حين تشير المقارنة بين المرحلتين إلى أن ما خسرته الجزائر على المستويين السياسي والدبلوماسي في فترة تبون يفوق، وبشكل “صارخ”، ما كان عليه الوضع في عهد بوتفليقة.
ودشّن تبون مرحلته بإعلان القطيعة الكاملة مع المغرب، بمبرر “الأعمال العدائية للمغرب تُجاه الجزائر”، دون تقديم أي دليل يُثبت صوابية القرار، وتبعت ذلك قرارات غاضبة على خلفية “الاختراقات” الدبلوماسية التي حققتها الرباط في قضية الصحراء، من أبرزها إعلان الولايات المتحدة في 2020 دعمها لسيادة المغرب على الصحراء، ثم دعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي سنة 2022، وانضمام فرنسا إلى قائمة الدول المؤيدة للمقترح في 2024.
ولم يقتصر صدام الجزائر على المغرب، بل دخلت خلال السنوات الأخيرة في أزمات سياسية ودبلوماسية مع عدة دول بالمنطقة، أبرزها إسبانيا وفرنسا ودول الساحل، إضافة إلى خلافات حادة مع خليفة حفتر في ليبيا، ما جعل الجزائر تبدو في عزلة، في وقت كانت تتطلع فيه إلى لعب دور الدولة “ذات الهيبة الإقليمية” والوسيط لحل النزاعات.
ويبدو جليا أن الجزائر بلغت مرحلة متقدمة من “التشنج” في الأشهر الأخيرة، إذ أصدرت وزارة الخارجية، منذ بداية سنة 2025 وحتى 9 أبريل الجاري، أكثر من عشر بلاغات تُعبر فيها عن غضبها تجاه قضايا متنوعة، من بينها قضية الصحراء المغربية، ومشكلات مع فرنسا ودول الساحل، وقضايا حقوقية، أبرزها قضية الكاتب بوعلام صنصال.
وكانت الجزائر قد بدأت السنة بأزمة حادة مع فرنسا، إثر إعلان الرئيس ماكرون دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي كحل وحيد لنزاع الصحراء تحت السيادة المغربية، ثم ازدادت الأزمة تعقيدا بعد اعتقال صنصال، الكاتب الحامل للجنسية الفرنسية، من قبل السلطات الجزائرية.
وفي 7 يناير، أصدرت الجزائر بلاغا استنكرت فيه تصريح ماكرون الذي طالبها بإطلاق سراح صنصال، معتبرة أن الأمر لا يتعلق بحرية التعبير، بل بمساس بـ”الوحدة الترابية”، في إشارة إلى تصريحات سابقة لصنصال قال فيها إن فرنسا اقتطعت أراضٍ مغربية وضمتها إلى الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية.
وبعد أربعة أيام، أصدرت الخارجية الجزائرية بلاغا جديدا أكدت فيه أنها لا تسعى إلى التصعيد مع فرنسا، محملة مسؤولية التوتر إلى اليمين الفرنسي المتطرف. ثم تبع ذلك في 28 يناير بلاغ جديد بشأن “المعاملة الاستفزازية” التي قالت إن مواطنيها تعرضوا لها في مطاري باريس من طرف الأمن الفرنسي، في سياق التوتر بين البلدين على خلفية موقف باريس الداعم للمغرب.
وفي 18 فبراير، أصدرت الخارجية الجزائرية بلاغا جديدا ضمن بلاغاتها الغاضبة التي لا تنتهي بشأن الصحراء المغربية، حيث أدانت الزيارة التي قامت بها وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي إلى الصحراء المغربية، واعتبرت الزيارة “استفزازية”، في الوقت الذي تدعي فيه (الجزائر) بأنها ليست طرفا في نزاع الصحراء.
وبعد ثمانية أيام، أصدرت الجزائر في 26 فبراير بلاغا احتجاجيا بشأن تقييد فرنسا لحركة دبلوماسييها، وهي الخطوة الفرنسية التي جاءت ردا على رفض الجزائر استقبال رعاياها المُرحلين، لتلي ذلك في 27 فبراير بلاغا آخر اتهمت فيه اليمين الفرنسي المتطرف بتأجيج التوتر.
وفي 6 مارس أصدرت الخارجية الجزائرية، بلاغا كشفت فيه بأنها استدعت السفير الفرنسي، بشأن مناورات “شرقي 25” العسكرية، التي يعتزم المغرب وفرنسا لتنظميها في منطقة الراشيدية، وقالت فيه بأنها تعتبر هذه المناورات العسكرية “عملا استفزازيا ضد الجزائر” وستساهم في تأزيم العلاقات.
وعادت الجزائر مجددا في 17 مارس لاستدعاء السفير الفرنسي، رافضة ما سمته “لغة التهديد” بشأن ترحيل المهاجرين، قبل أن تصدر في 20 مارس بلاغا جديدا احتجت فيه على رفض فرنسا تسليم عبد السلام بوشوارب، وزير الصناعة الجزائري السابق، المتهم بالفساد.
وأصدرت الجزائر خلال أبريل الجاري، بلاغين إضافيين، في إطار ردود فعلها “المتشنجة” الأول في 7 أبريل ضد دولة مالي، إضافة إلى النيجر وبوركينا فاسو، وهي الدول الثلاثة التي سحبت سفرائها من الجزائر على خلفية اتهام مالي للجزائر بإسقاط مسيرة تابعة لها في حدودها الشمالية كانت تستعد لاستهداف تجمعا لقيادات انفصالية تدعمها الجزائر.
وأصدرت الجزائر هذا البلاغ مستعملة لغة “شديدة” اللهجة ضد مالي، حيث وصفت النظام العسكري في باماكو بـ”الانقلابي”، ثم قررت إغلاق غلافها الجوي أمام الطائرات المالية، لترد عليها مالي بالمثل، معلنة (مالي) أنها ستتجه إلى المنتظم الدولي والأممي لتقديم شكاية ضد الجزائر التي انتهكت أجواءها وأطاحت بمسيرة تابعة لها.
وبعد يومين من هذا البلاغ، أصدرت الجزائر في 9 أبريل، بلاغا بلهجة “لينة”، أعربت فيه عن أسفها لتجديد الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، دون أن تلجأ إلى اتخاذ قرار سحب سفيرها للتشاور أو استدعاء سفير واشنطن.
كل هذه الخرجات “المتشنجة” للجزائر في ظرف وجيز لا يتعدى 4 أشهر، يشير وفق ما صرح به المحلل السياسي خالد الشيات في حديث سابق لـ”الصحيفة”، بأن هناك “أزمة حقيقية في مقاربة الجزائر لقضاياها الإقليمية والاستراتيجية، فهي لا تكف عن البلاغات عن الصحراء المغربية، ومالي وفرنسا وإسبانيا”.
واعتبر الشيات أن الجزائر أصحبت فيما يُشبه بأنها ضد العالم، بسبب خرجاتها وأزماتها المتعددة، خاصة مع بلدان المنطقة، وهو ما يتعارض ويتناقض كليا مع ما كان قد أعلنه الرئيس الجزائري عبد المجيد في بداية عهدته الأولى كرئيس للبلاد، عندما رفع شعار “الجزائر القوة الإقليمية”، ووعد باسترجاع مكانتها السابقة وفق تعبيره.