شطاري-الصحيفة:
في وثيقته السياسية التي خرج بها عقب مؤتمره الوطني الأخير في مدريد، أعاد الحزب الشعبي الإسباني بقيادة ألبيرتو نونيز فييخو، طرح مواقفه من العلاقات مع دول الجنوب، وفي مقدمتها المغرب والجزائر، في خطوة اعتُبرت عودة إلى الرؤية “الكلاسيكية” الإسبانية قبل التحول التاريخي الذي أقدمت عليه حكومة بيدرو سانشيز في مارس 2022، حين دعمت مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي لإنهاء نزاع الصحراء تحت السيادة المغربية.
الحزب الشعبي، الذي يحاول تثبيت نفسه كبديل سياسي لحكومة اليسار بقيادة سانشيز، تحدث في وثيقة مؤتمره الوطني، حسب ما نقلته صحيفة “الإندبنديينتي”، عن ضرورة بناء “علاقة متوازنة” مع المغرب والجزائر، داعيا إلى سياسة خارجية تعيد التوازن في المنطقة المغربية، وهو الطرح الذي أعاد إلى الواجهة الانتقادات التي وُجهت سابقا إلى فييخو، حين وُصف من قبل خصومه السياسيين وحتى بعض المراقبين بـ”الساذج سياسيا”، خاصة في ما يتعلق بإدارته للقضايا الدولية ذات التعقيد الجيوسياسي الكبير.
وتظهر هذه “السذاجة السياسية” في رؤية الحزب للعلاقة مع المغرب والجزائر في ملف الصحراء، إذ إن دعوة حزب الشعب إلى احترام “القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة”، دون أي إشارة واضحة إلى مبادرة الحكم الذاتي المغربية، تعني ضمنيا رغبة في التراجع عن الموقف الذي تبنته مدريد خلال حكومة سانشيز، وهو تراجع لن يمر دون تكلفة سياسية ودبلوماسية باهظة مع الرباط.
فمنذ إعلان مدريد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي، أبدى المغرب استعداده للانخراط في مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، وتمكن البلدان من تجاوز أزمة دبلوماسية حادة، أثرت على التعاون الأمني والهجرة والتنسيق الإقليمي، وبالتالي في ظل حديث حزب فييخو عن “التوازن”، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو كيف يمكن تحقيق هذا “التوازن المزعوم” دون إثارة غضب المغرب الذي بات يعتبر موقف إسبانيا الجديد “نقطة انطلاق” وليس “نقطة وصول”؟
مصادر دبلوماسية وسياسية تحدثت في أوقات متفرقة لـ”الصحيفة”، أجمعت على أن المغرب لم يعد يقبل بالعودة إلى منطق “الحياد الإيجابي” أو “مراقبة النزاع عن بعد”، بل يطالب بحسم مواقف الشركاء الأوروبيين، وعلى رأسهم إسبانيا، لصالح مقترح الحكم الذاتي الذي أصبح مدعوما من قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وهو ما يجعل من خطاب حزب الشعب الإسباني، في نظر كثيرين، لا يواكب التحولات الإقليمية ولا يُراعي ميزان القوى الجديد.
وبينما يتحدث الحزب عن “استعادة الحضور الإسباني في إفريقيا الغربية والساحل”، يبدو أنه يغفل أن هذا الحضور لا يمكن أن يتحقق دون بوابة المغرب، البلد الذي بات يوسع نفوذه الاقتصادي والدبلوماسي والأمني في المنطقة، من خلال اتفاقيات استراتيجية مع دول الساحل، ومن خلال حضوره المتزايد في المنتديات الإفريقية والغربية على حد سواء.
ومن الإشارات الأخرى التي يُمكن إدراجها في إطار “السذاجة السياسية” للحزب الشعبي في حقبة فييخو، هي الدعوة التي وجهها الحزب لما يُسمى بـ”ممثل البوليساريو في إسبانيا”، عبد الله العربي، لحضور المؤتمر الوطني، في الوقت الذي انفضت العديد من الأحزاب السياسية الإسبانية عن دعم هذه الجبهة، ولاسيما مع تزايد المطالب بإدراجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وفي ظل أيضا الدينامية التي بات يحقق الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء.
وعلى حد توصيف مصدر دبلوماسي لـ”الصحيفة”، يبدو أن فييخو، الذي يقود حزبا يطمح بقوة للعودة إلى السلطة، لا يدرك أن السياسة الخارجية الإسبانية في الجنوب لم تعد تُدار بمفاهيم تقليدية مثلما كانت في السابق، وهو الإدراك الذي سبقه إليه بيدرو سانشيز، في حين لازال غرقا في “سذاجته السياسية” التي سخر منها سانشيز بنفسه في إحدى المناظرات التي جمعتهما خلال الانتخابات السابقة.
وتحسم القراءة الموضوعية لمسار العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسبانية منذ 2022، أن العودة إلى اللغة المستعملة في وثيقة المؤتمر الوطني للحزب الشعبي بشأن قضية الصحراء، لن تساعد على إحداث أي تقارب بينهما، خاصة أن الرباط، وهي تدير دبلوماسيتها بثقة متزايدة في السنوات الأخيرة، باتت تُميز بين الحلفاء الحقيقيين والذين يكتفون بإرسال رسائل مزدوجة.
وبينما لا يزال الحزب الشعبي يأمل في الاستفادة من حالة التذمر من حكومة سانشيز داخليا، فإن استراتيجيته الخارجية، على الأقل فيما يتعلق بالمملكة المغربية، توحي بأنه لم يحسم بعد في فهم قواعد اللعبة الجديدة في شمال إفريقيا، والتي لم تعد تحتمل هذه “السذاجة السياسية”.